سحب "باتريوت" الأميركية من السعودية: إجراء روتيني أم "تأديبي"؟

سحب "باتريوت" الأميركية من السعودية: إجراء روتيني أم "تأديبي"؟

لندن

العربي الجديد

العربي الجديد
09 مايو 2020
+ الخط -
هل دخلت العلاقة بين واشنطن والرياض فصلاً جديداً من الابتزاز الأميركي في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب؟ أم أن ولايته الأولى، تنتهي بواقع أقلّ "أماناً" للمملكة، لناحية الدعم الأميركي، مما بدأت عليه، مع زيارة ترامب وعائلته للسعودية في مايو/أيار من العام 2017؟ أم في الخلفية لقرار سحب البنتاغون بطاريات "باتريوت" الدفاعية من المملكة أخيراً، ما هو أبعد من تقليصٍ روتيني كان مقرراً مسبقاً، كما يردد المسؤولون الأميركيون في إجاباتهم الرسمية على تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" نشر أول من أمس الخميس حول عملية التقليص هذه، وأبعد من رصد تراجعٍ للخطر الإيراني خلال الآونة الأخيرة، كما يقولون؟

قد يصعب رصد الخلفيات غير المعلومة لقرار سحب أربع بطاريات لمنظومة "باتريوت" الأميركية (تنتجها شركة "رايثون") من المنطقة، اثنتان منها تحميان المنشآت النفطية في السعودية، وتقليص التواجد الأميركي هناك، وكذلك في مياه الخليج، بحسب ما كشفت الصحيفة الأميركية، على الرغم من تقليل المسؤولين الأميركيين من أهمية الخطوة. لكنه قد يقود حتماً، إلى جملة استنتاجات، قد تصل إلى حدّ الخلاف الأميركي مع دول في الخليج حول السياسة المتبعة تجاه الصين في أزمة كورونا، وشبكة "الجيل الخامس"، ولكن هذه الاستنتاجات بدأت معالمها تظهر تباعاً، منذ الخلاف الأميركي السعودي المحتدم حول أسعار النفط، في شهر إبريل/نيسان الماضي، بعد انهيار أسعار النفط العالمية نتيجة حرب النفط بين الروس والسعوديين.

حينها، قيل إن الإدارة الأميركية، كانت قد "ساندت" المملكة لوقت قصير في خطوتها ضد الروس، قبل أن ترتد عليها بأسعار النفط الصخري، ما ضرب طموحات ترامب الاقتصادية بقوة، والتي كانت تواجه أسوأ أيامها في زمن كورونا. ورداً على ذلك، تسّرب في الإعلام، ومن تصريحات المسؤولين الأميركيين، وعلى رأسهم ترامب، وكذلك في الكونغرس، الحديث عن غضب متنامٍ ضد المملكة في دوائر القرار في واشنطن، وأن ترامب يدرس كل الخيارات لتدفيع السعودية ثمن فعلتها، ومنها "خيارات نووية"، كفرض عقوبات وسحب الدعم العسكري، وذلك بتحريض متنامٍ من المنظومة الجمهورية، التي وجدت أن الرياض لا تباديها "الشكر" اللازم على عقودٍ من المصالح المشتركة.



وعلى الرغم مما بدأ يخرج من تحاليل رداً على سحب "باتريوت"، يرتبط بعضها حتى بالعلاقة الإيرانية - الأميركية، وبإمكانية أن تكون الخطوة بمثابة "إشارة" إيجابية من واشنطن لطهران، في محاولة أخيرة قبل نهاية عهد ترامب للاتفاق معها، أو لتقليل البيت الأبيض من أهمية فيتو ترامب ضد قرار الكونغرس بشأن الحرب مع إيران، أو حتى حول خلاف سعودي أميركي حول تطوير هذه الأنظمة الدفاعية، لا سيما بعد عدم تمكنها من إفشال هجوم على منشآت "أرامكو" شرقي السعودية العام الماضي، إلا أن آثار تباعد ترامبي – سعودي بدأ يظهر أخيراً، أو أقله، آثار خطوات "عقابية" أو "تأديبية" أميركية، للمملكة. ولا يصب حديث مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، أول من أمس الخميس، لوكالة "رويترز"، إلا في الإطار ذاته، بقوله إن "على دول الخليج العربية أن تأخذ علاقتها بالولايات المتحدة بعين الاعتبار، عند التعامل مع الصين"، مطالباً هذه الدول بـ"التفكير بقيمة شراكتها مع الولايات المتحدة، وأن تبذل الدول الشريكة لنا، العناية الواجبة". كذلك، طالب شينكر، دول المنطقة، بتوخي الحذر، إزاء المساعدات الصينية، التي وصفها بأنها تهدف إلى الاستغلال في أغلب الأحيان. وأضاف شينكر أن هناك مخاوف تتعلق بمشاركة شركة "هواوي" الصينية في بناء جزء من البنية التحتية لشبكة الجيل الخامس في منطقة الخليج، ما رأى فيه أنه "سيجعل التواصل بين القوات الأميركية والخليجية "صعباً".

وفي تفاصيل الخطوة الأميركية، قال مسؤولون أميركيون لصحيفة "وول ستريت جورنال"، إن الولايات المتحدة تعمل على سحب منظومات "باتريوت" المضادة للصواريخ من السعودية، وتبحث تقليص قدرات عسكرية أخرى لها في هذا البلد. وبحسب المسؤولين، فإن واشنطن تقوم حالياً بسحب بطاريتي "باتريوت" من المملكة، واثنتين أخريين من الشرق الأوسط، مع سحب عشرات العناصر من قواتها الذين انتشروا في المنطقة بعد سلسلة من الهجمات التي استهدفت العام الماضي منشآت نفطية سعودية، وتبنتها جماعة الحوثيين في اليمن، لكن الولايات المتحدة اتهمت إيران بالوقوف وراءها.

وبحسب المصادر، فإن طائرتي هجوم "سكاودرون" قد غادرتا المنطقة، كذلك فإن المسؤولين في واشنطن يدرسون تقليصاً في انتشار القوة البحرية الأميركية في مياه الخليج. وفي وقت سابق الخميس، قال مسؤول أميركي للصحيفة إن أربع بطاريات "باتريوت" جرى سحبها من السعودية، لكن مسؤولين آخرين أوضحوا لاحقاً أن اثنتين فقط جرى سحبهما، من دون توضيح مكان الاثنتين الأخريين. وكانت البطاريتان اللتان تمّ سحبهما تحرسان منشآت نفطية سعودية، فيما ستبقى منظومات أخرى متموقعة في قاعدة الأمير سلطان في المملكة، والتي تستضيف قوات أميركية. كما ستبقى بطاريات "باتريوت" في العراق، لحماية القوات الأميركية المتواجدة هناك، بحسب معلومات الصحيفة. يذكر أنه عندما زار الجنرال فرانك ماكنزي، قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، قاعدة الأمير سلطان الجوية في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، كان عدد القوات الأميركية في القاعدة قد وصل إلى 2500. وقال ماكنزي للصحافيين حينها، إن القاعدة تشكل مركزاً استراتيجياً أساسياً، ولكن استمرار تواجد القوات الأميركية والعتاد فيها، يرتبط بتحديات أمنية أخرى لبلاده حول العالم. وبحسب وكالة "أسوشيتد برس" أمس، نقلاً عن مسؤول أميركي، فإن نظام "ثاد" المضاد للصواريخ، والمكمل لـ"باتريوت"، سيبقى في السعودية.

بدوره، نقل موقع "بلومبيرغ" عن مسؤول أميركي تأكيده أن بطاريتي "باتريوت" اللتين جرى سحبهما، كانت مهمتهما حماية المنشآت النفطية في المملكة، وسيجري استبدالهما على الأرجح ببطاريتي "باتريوت" سعوديتين. وبحسب المسؤول، فإن أكثر من 12 بطارية "باتريوت" وبطارية "ثاد" واحدة ستبقى في المنطقة. وأضاف أنه كان من المقرر سحب بطاريات "باتريوت" الأربع من المنطقة في شهر مارس/آذار الماضي، لكن جرى تأجيل ذلك بعد استهداف بصواريخ تعرضت له إحدى القواعد الأميركية في العراق منتصف مارس.

وفي بيان له تعليقاً على تقرير "وول ستريت جورنال"، قال البنتاغون، إن الخطوة هي في إطار "إعادة انتشار روتينية"، وإن لديه القدرة على إعادة تعزيز قوته بوقت قصير. وأكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، شون روبرتسون، أن "البنتاغون ملتزم بجهد بعيد المدى لتعزيز الدفاعات الجوية في المنطقة"، مضيفاً أن "الشراكة السعودية الأميركية الدفاعية، بعيدة الأمد، وتشمل طيفاً واسعاً من التعاون، بما فيه محاربة الإرهاب، وأمن الملاحة البحرية، والدفاع الجوي".
وفي سياق الرد، قال البيت الأبيض أمس الجمعة إن الرئيس دونالد ترامب والملك سلمان بن عبد العزيز أكدا في محادثة بينهما على قوة الشراكة الدفاعية الأميركية السعودية.

وكانت "وول ستريت جورنال" قد ذكرت، نقلاً عن مصادرها، أن التقليصات العسكرية هذه، تعتمد على تقديرات مسؤولين أميركيين أن طهران لم تعد تشكل تهديداً فورياً للمصالح الأميركية، لكنها قد تثير جدلاً داخل الإدارة الأميركية، حول المقاربة الأنسب لمواجهة إيران. ويعتقد بعض المسؤولين داخل هذه الإدارة، أن الانتشار الذي تمّ العام الماضي لردع إيران، مع الضربة الجوية التي وجهت بداية العام الماضي واستهدفت قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني بالقرب من مطار بغداد، ما أدى إلى مقتله، قد شكلا صدمة لإيران، وجعلاها في موقع متراجع، بالإضافة إلى أنها تتخبط اليوم في مواجهة فيروس كورونا. وفي الوقت ذاته، يرى مخططون داخل البنتاغون أن القدرة العسكرية الأميركية المحددة، بما فيها السفن الحربية وأنظمة "باتريوت"، يجب أن تُسخّر لأولويات أخرى، بما فيها الجهود للتصدي للتوسع العسكري الصيني في آسيا، بحسب مصادر الصحيفة. لكن بعض المسؤولين لا يزالون يبدون قلقهم من أن تقليصاً عسكرياً في الشرق الأوسط قد يقود إلى تحديات جديدة من إيران، لا سيما فيما لا تزال حملة ترامب الاقتصادية عليها سارية. وكانت زوارق حربية إيرانية قد تعرضت الشهر الماضي للسفن الحربية الأميركية في مياه الخليج، بعد فترة هدوء، ما يضعه هؤلاء المسؤولون في خانة إشارة إيرانية من أن هذا البلد يعتزم الاستمرار في سياسة إثارة المشاكل. وكان الرئيس الأميركي قد رد على "التحرش" الإيراني، بقوله في تغريدة على "تويتر"، إنه "يريد من البحرية الأميركية أن تدمر أي زوارق إيرانية تتعرض للسفن الأميركية".

وقال مسؤول للصحيفة إن "حملة الضغط القصوى على إيران، وقدرتها على التحرك عسكرياً كرد وحيد بإمكانها استخدامه في محاولة لتخفيف هذه الضغوط (الاقتصادية)، لا تزالان قائمتين، بما يعني أنه طالما استمرت حملة العقوبات الأميركية، هناك شعور بأننا بحاجة دائمة لقوة ردع قوية لمنع إيران من العبث في المنطقة". وكان وزير الدفاع مارك إسبر قد دفع لإعادة توجيه الموارد العسكرية لبلاده بحسب استراتيجية وطنية للدفاع، تحدد روسيا والصين كمنافسين رئيسيين في العالم للولايات المتحدة. لكن تقليص القدرات الأميركية في الشرق الأوسط أثبت صعوبته، في ظلّ استمرار التوترات والأعمال العدائية.

ويوم الثلاثاء الماضي، لفت إسبر في تعليق صحافي، إلى أنه "من الضروري القول إن إيران، تواصل سلوكها الخبيث في المنطقة. الحكومة الإيرانية تستمر في تصدير الإرهاب، وفي تصدير السلوك الخبيث للحوثيين، وفي العراق، وفي سورية".

وكانت اليونان قد أعلنت في شهر فبراير/شباط الماضي عزمها نشر منظومات "باتريوت" في السعودية، كجزء من برنامج يضم كذلك الولايات المتحدة، بريطانيا، وفرنسا. لكن القرار الأميركي، يؤشر في المقابل إلى تقليص أميركي في السعودية، بعد أشهر قليلة فقط من بدء البنتاغون تعزيز قواته في هذا البلد، لمواجهة التهديدات الإيرانية. وسيغادر مع بطاريات الباتريوت، حوالي 300 عنصر أميركي كانوا يعملون على هذه المنظومة. وبحسب "أسوشيتد برس"، فإن بطاريتي "باتريوت" في المنطقة، ستعودان أيضاً إلى الولايات المتحدة، للصيانة.

وفي تعليق على الخطوة، لم يقدّم الرئيس الأميركي دونالد ترامب أجوبة واضحة، أول من أمس الخميس، مكتفياً باستعادة لازمة ظلّ يكررها منذ وصوله إلى البيت الأبيض، قائلاً "نحن نقوم بتحركات كثيرة في الشرق الأوسط، وفي أمكنة أخرى، نقوم بأعمال كثيرة حول العالم. وعسكرياً، يجري استغلالنا في كل مكان". ثم استدرك بالقول "هذا الأمر لا علاقة له بالسعودية. هذا له علاقة بدول أخرى، بصراحة".

ومهما كانت تبعات الخطوة، فإنه من المتوقع أن تثير من جهة، خلافاً داخل الإدارة الأميركية، لا سيما من جانب "الصقور" الذين لا يزالون يرون في إيران التهديد الأكبر، ومن جهة أخرى حول التساؤلات بشأن التوجهات السعودية لتعزيز قدراتها الدفاعية، وهل ما إذا كانت ستواصل الرغبة في الاتجاه "شرقا"ً؟

ذات صلة

الصورة
مقاتلون حوثيون قرب صنعاء، يناير الماضي (محمد حمود/Getty)

سياسة

بعد 9 سنوات من تدخل التحالف بقيادة السعودية في اليمن، لم يتحقّق شيء من الأهداف التي وضعها هذا التحالف لتدخلّه، بل ذهب اليمن إلى حالة انهيار وانقسام.
الصورة
توماس غرينفيلد في مجلس الأمن، أكتوبر الماضي (بريان سميث/فرانس برس)

سياسة

منذ لحظة صدور قرار مجلس الأمن الذي يطالب بوقف النار في غزة سعت الإدارة الأميركية إلى إفراغه من صفته القانونية الملزمة، لكنها فتحت الباب للكثير من الجدل.
الصورة
تظاهرة ووقفة بالشموع أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن

سياسة

شهدت العاصمة الأميركية واشنطن وقفة بالشموع وتجمّعاً للمئات من الناشطين أمام السفارة الإسرائيلية تأبيناً للجندي آرون بوشنل و30 ألف شهيد فلسطيني في غزة.
الصورة

سياسة

نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال الأميركية" عن مسؤولين أميركيين قولهم إن إدارة الرئيس جو بايدن تستعد لإرسال قنابل وأسلحة أخرى "نوعية" إلى إسرائيل.