سجون الاحتلال الإسرائيلي.. مقابر أحياء وتجارب طبيّة

سجون الاحتلال الإسرائيلي.. مقابر أحياء وتجارب طبيّة

27 فبراير 2014
+ الخط -

"يؤسفنا أن نقول لكم إن الاحتلال استغنى عن الفئران في تجاربه الطبية، فقد وُجدت أجسادنا لتصبح حقلاً لتجاربه. ليس هـذا وحسب، صار المرض وسيلة السجّان للقضاء على قضيتنا، حيث يتعمّد زرع المرض في أجسادنا لنصبح عالة على شعبنا وذوينا. فاختاروا بين أن تستقبلونا في ساحات المشافي الفلسطينية رافعين رايات النصر والحرية، أو أن تستقبلونا عند مقابرنا".

الاقتباس السابق جزء من رسالة تم تهريبها نهاية العام الماضي من سجن "إيشل" الصهيوني، كتبتها الحركة الأسيرة باسم جميع الأسرى المرضى في المعتقلات الإسرائيلية.

عسقلان.. جلبوع.. الرملة.. إيشل وبئر السبع، هذه بعض من المعتقلات الإٍسرائيلية التي يطلق عليها الأسرى الفلسطينيون "مقابر الأحياء"، وعلى عياداتها الطبية "ثلاجات الموتى". هناك ينتظرون الموت في أماكن تسميها دولة الاحتلال "معتقلات" ويعيشون بين جحيمين: إما سياسة الإهمال الطبي الممنهجة، أو جحيم تجريب أدوية جديدة عليهم على يد أطباء يرتدون المريول الأبيض فوق البزة العسكرية.

ولا يبدو أن رسالة المعتقلين المرضى، قادرة على دفع القيادة الفلسطينية لاتخاذ أي خطوة سياسية جريئة للضغط على إسرائيل لتتوقف عن ممارساتها غير الإنسانية والقانونية ضد مئات من الأسرى المرضى، بل على العكس، هناك حالة من الصمت حيالهم، يقطعها تنديد عبر خبر بروتوكولي تصدره الرئاسة في حال استشهاد أحدهم.

وحسب بيانات وزارة الأسرى، "يوجد 1400 أسير مريض في سجون الاحتلال، تم تصنيف 150 منهم على أنهم حالات مرضية حرجة، وفي الوقت ذاته هناك 30 أسيراً يعانون من المراحل المتأخرة لمرض السرطان، جراء مماطلة إدارة السجون الإسرائيلية بعرضهم على الأطباء لتشخيصهم، رغم مناشداتهم المستمرة في السنوات القليلة الماضية".

ويقول رامي العريدي، شقيق الأسير المريض سامي عريدي، إن "إدارة السجون الإسرائيلية تقوم بعمل تجارب طبية على الأسرى المرضى، وشقيقي كان واحداً منهم".

ويتابع: "كان أخي يعاني من أعراض مرض عادية مثل الصداع وارتفاع بضغط الدم، لكن إعطاءه حبة دواء صفراء اللون من قبل طبيب السجن، أدت إلى التسبب بضعف حاد في عضلة قلبه، وانتفاخ في الوجه، وارتفاع مزمن في ضغط الدم منذ عام 2004 حتى الآن".

وبعد التدهور الخطير الذي أحدثته "الحبة الصفراء"، التي رفض طبيب السجن إخبار العريدي عن اسمها، ولاحقاً رفض الأسير المريض الاستمرار في تناولها، تم تعميم أوصافها على بقية المرضى الأسرى بغية الامتناع عن أخذها مهما كانت حالتهم صعبة.

وكشف رئيس نادي الأسير الفلسطيني، قدورة فارس، لـ"العربي الجديد"، عن قيام النادي بجمع بيانات من الأسرى المرضى المحررين، أو من الأسرى المرضى الذين يقبعون في المعتقلات الإسرائيلية وعيادة "الرملة" المخصصة للأسرى المرضى، عبر محامي نادي الأسير، بغية تقديم هذه البيانات للجنة برلمانية أوروبية من المقرر أن تزور الأراضي الفلسطينية المحتلة الشهر المقبل، وقد تسمح إسرائيل لها بزيارة المعتقلات.

وأشار فارس إلى أنه إذا "حصل وسمحت إسرائيل لهذه اللجنة بزيارة المعتقلات، فإنها ستقوم بعرض الشق المعقول من السجون عليها، وستخفي الكثير من الجوانب التي تتناقض مع القوانين والأعراف الدولية، ومع أبسط حقوق الإنسان".

وتابع: "هذه فرصة نادرة لكشف ما تقوم به إدارة السجون من تجارب على الأسرى المرضى، وهناك تقارير إسرائيلية تدينهم، موثّقة في الكنيست الإسرائيلي أيضاً".

الممارسات الإسرائيلية التي تفوق في فداحتها ممارسات المعازل زمن النازية، أشارت إليها دراسة لمؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان في نوفمبر/ تشرين الثاني 2009، حيث أوضحت أن "الاحتلال يقوم باستغلال الأسرى كعيّنات مخبريه حيّة لتجريب الأدوية والمستحضرات الطبية الجديدة المنتجة في مختبرات وزارة صحة الاحتلال على أجسامهم، وقياس تأثيراتها على الوظائف الحيوية، تماماً كاستخدام الحيوانات المخبرية في مختبرات الوزارة".

ووثّق الصحافي والأسير المحرر نواف العامر، في كتابه "طبيب للقتل" الذي يقوم بإعداده حالياً، عشرات الحالات لمرضى أسرى تم إجراء تجارب طبية عليهم خلال فترة وجودهم في السجن، حيث كان شاهد عيان على بعض منها.

ونشرت وزارة الأسرى تقريراً عن منظمة "أصدقاء الإنسان الدولية" في العاصمة النمساوية فيينا، أكد "ضلوع أطباء إسرائيليين في انتهاكات شديدة لحقوق الأسرى. وعلى سبيل المثال أجرى طبيب إسرائيلي في مستشفى سوروكا في بئر السبع عملية جراحية لاستئصال الزائدة الدودية من جسد الأسير أنس شحادة في سجن النقب دون أن يقوم بتخديره".

وفي شهادة مشفوعة بالقَسَم قدمها الأسير ثائر حلاحلة (34 عاماً)، من سكان الخليل، لمحامي نادي الأسير في ابريل/ نيسان الماضي، وثّق فيها كيف رفض طبيب الأسنان في السجن تنظيف الأدوات التي استخدمها لمعالجة ضرسه الملتهب من آثار دماء سابقة، ما أدى إلى إصابته بفيروس التهاب الكبد الوبائي من الدرجة الثانية، والذي يؤدي إلى تشمع في الكبد.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصلت الوحشية بإدارة السجون إلى حد إجراء تجارب عملية على الأسرى المضربين عن الطعام، لرصد كيفية وتوقيت موت خلايا أجسادهم، ووصل الأمر حتى إلى رفع محلول الماء والملح أو السكر عن بعض الأسرى عدة ساعات لمعرفة ردة فعل أجسادهم على ذلك.

وقال مدير مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان، فؤاد الخفش: "إن أطباء مصلحة السجون الإسرائيلية يجرون تجارب بشرية على الأسرى المضربين عن الطعام، لمعرفة كيف بمقدورهم الاستمرار في الإضراب عن الطعام، ومدى استجابتهم عند إعطائهم محلول السكر والفيتامينات، ومراقبة موت خلايا أجسادهم أيضاً".

ورغم فداحة الممارسات الإسرائيلية ووحشيتها بحق الأسرى المرضى، إلا أنه لا توجد أية بارقة أمل في الوقت الراهن لمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على خروقاته الجسيمة لحقوق الأسرى الفلسطينيين، من قبل منظمات الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية، لأن السلطة الفلسطينية لم تقرر بعد اللجوء إلى منظمات الأمم المتحدة وما زالت تراهن على مسار المفاوضات مع إسرائيل.

المساهمون