سجن المُدّرج

سجن المُدّرج

30 ابريل 2015
+ الخط -
وقع المُنتخب التشيلي في مواجهة مصيرية ضد مُنتخب الاتحاد السوفييتي في التصفيات المؤهلة لمونديال 1974. وعندما كانت كُل المُنتخبات تستعد للمونديال والمُباريات المؤهلة له، نال الانقلاب العسكري من المشهد السياسي في تشيلي، حيث أسقط الجيش حكومة سلفادور أليندي الاشتراكية وقصفوا قصر لامونيدا حتى أجبروا أليندي على الانتحار، وانتزع الجنرال الفاشي أوغوستو بينوشيه السُلطة وأصبح هو الحاكم للبلاد.

في الواقع أن الانقلاب العسكري في تشيلي نال من الأخضر واليابس، حتى مُدّرج الملعب الوطني لكُرة القدم لم يسلم منه، استخدمه رجال الجنرال كسجن كبير لمُعارضيه، حيث تم اقتيادهم إلى هُناك ومن ثم تعذيبهم أو حتى قَتلهم، أصوات سُجناء المُدّرج وصرخاتهم كانت تُسمع في المنازل، الشوارع والبيوت المجاورة للملعب، تحول المُدّرج ولم يعد كما كان، لم يعد مكاناً للمُتعة يأتي إليه الناس سُعداء ومُبتسمين، بل يأتون إليه وأيديهم مُقيدة خلف ظهورهم، ليتم تعذيبهم أو قتلهم.

الأمور كانت مُخيفة بالتأكيد، ولكن الشيء المُرعب هو أن المُباراة الفاصلة التي ستقرر أي المُنتخبين سيتأهل لنهائيات كأس العالم ستُقام هُناك، في هذا السجن بعدما انتهت مُباراة الذهاب بين تشيلي والاتحاد السوفييتي بالتعادل السلبي في موسكو قبل انقلاب بينوشيه العسكري بأيام قليلة.

رفض الاتحاد السوفييتي اللعب في هذا الملعب، قالوا إنها مسألة مبدأ، رأى السوفييت أن هذا الملعب أصبح رمزاً للدكتاتورية بالنسبة للعالم، وبعد جدال دولي طويل قررالاتحاد الدولي لكُرة القدم إرسال وفد لزيارة الملعب ومُعاينته لاتخاذ القرار.

وما إن سمع النظام الدكتاتوري في تشيلي بذلك، إلا واحتجز السُّجناء في غُرف خلع الملابس قبل حضور الوفد. وعندما وصل الوفد دخل إلى الملعب مُباشرة، ووقف أعضاء الوفد في مُنتصف الملعب، ثم قال رئيس الوفد، إن كُل شيء على ما يُرام هُناك، عُشباً أخضر تحت قدمي، مرمى في أول الملعب ومرمى في آخره ولا يوجد سُجناء، لا يوجد هُنا ما يمنع إقامة المُباراة، لا أحد يعلم هل كان الوفد ورئيسه بهذا الغباء أم أن أذرع الدكتاتورية كانت تصل إلى الاتحاد الدولي نفسه، على أي حال قرر فيفا، أن المُباراة الفاصلة ستُقام في الملعب الوطني.
رفض فيفا إقامة المُباراة على أرض مُحايدة، فانسحب الاتحاد السوفييتي، وبرغم ذلك أقيمت المُباراة، أقيمت فعلًا بدون حضور المنتخب السوفييتي، نزل المنتخب التشيلي إلى الملعب وحده ووجه التحية لجمهوره الحاضر في المُدّرجات وبدأت المُباراة وسجل المنتخب التشيلي في المرمى الخالي في أول 20 ثانية فكُتبت النتيجة على لوحة النتائج تشيلي 1: الاتحاد السوفييتي 0، فأنهى الحكم المُباراة وتأهلت تشيلي لكأس العالم بعد فوزها في المُباراة التي عُرفت بـ"مُباراة الأشباح".

استقبل الجنرال بينوشيه، المُنتخب المسافر إلى ألمانيا للمُشاركة في المونديال لتشجيعهم وإثارة حماستهم، على حَد قوله، وإلقاء التحية على الدكتاتور كان أمراً لا بُد منه، الجميع مُلزم بذلك، وبالفعل فعلها الجميع باستثناء لاعب واحد، رفض كارلوس كازيلي مُصافحة الجنرال، أو حتى إلقاء التحية عليه، سافر اللاعب مع مُنتخبه إلى ألمانيا للمُشاركة في المونديال بعد انتشار خبر عدم مُصافحته الجنرال بينوشيه، وبعدها بأيام قليلة علم كازيلي أن والدته اختطفت وتعرضت للتعذيب. فإما أن تكون أو لا تكون.

المساهمون