ستيف بانون... وصفة أميركية لفاشيي أوروبا

ستيف بانون... وصفة أميركية لفاشيي أوروبا

03 اغسطس 2018
بانون محاضراً في براغ (شون غالوب/Getty)
+ الخط -
نالت خطوة ستيف بانون كبير المستشارين السياسيين السابقين للرئيس الأميركي دونالد ترامب، بإنشاء مؤسسة "الحركة"، حيّزاً من الاهتمام الأوروبي بشكل عام والألماني بشكل خاص. ومن المرجح أن يكون مقر المؤسسة في بروكسل البلجيكية على أن تضمّ في المرحلة الأولى عشرة موظفين يقومون بتنسيق ودعم عمل الأحزاب اليمينية الأوروبية المتطرفة، لجعل الفكر القومي في أوروبا أكثر قبولاً لدى الرأي العام، وهو ما من شأنه إذا نجح في تطلعاته، أن يغيّر وجه أوروبا، وخصوصاً أن الهدف المباشر منها هو التأثير على الانتخابات الأوروبية المقررة في عام 2019 إذ يدعم بانون الشعبوية اليمينية والأحزاب القومية في الدول الأوروبية. وليس مستبعداً أن تحصد ثلث مقاعد البرلمان، وبالتالي يمكنه من شلّ الاتحاد الأوروبي، وهي التوجهات التي يعمل من خلالها بانون لجمع المعارضين معاً لتشكيل ائتلاف قوي في تحدٍ كبير لأوروبا المريضة.

وأتت مبادرة بانون تجاه اليمين الشعبوي في سياق إظهار أن الولايات المتحدة كانت ومنذ فترة طويلة متقدمة على أوروبا، لا سيما ألمانيا في وسائل التعبئة السياسية، والدفع للقول للأوروبي إنه "حان الوقت لأن تبدأ أحزابنا باستخدام هذه الوسائل بنفسها". غير أن المؤرخ بول نولتي، رأى في حديث لمجموعة "فونكه" الإعلامية، أنه "في السياسة هناك تباين جدي بين القوميين الشعبويين واللبيرالية العالمية. بالتالي فإن التأثير لا يأتي من الخارج من شخص مثل بانون ينوي دعم اليمينيين الشعبويين في أوروبا، إنما الخطر الحقيقي يأتي من الداخل، لأن أوروبا منقسمة، عدا عن انهيار أو ضعف الأحزاب التقليدية فيها في الفترة الأخيرة". ودعا إلى "تشكيل تحالفات سياسية واسعة ومختلفة".

بالتالي إن الانتخابات الأوروبية ستكون أول مبارزة على مستوى أوروبا بين الشعبويين وحزب دافوس، انطلاقاً من اجتماع القيادات والشخصيات في المنتدى الاقتصادي العالمي في المدينة السويسرية، والذي يمكن أن يستفيد الشعبويون من خلاله في ظل الوضع المعقّد للأحزاب في حوالي 30 دولة أوروبية، والتوقعات التي تشير إلى إمكانية أن يصبح تمثيل الكتلة الشعبوية في البرلمان الأوروبي بين 25 و30 في المائة.

في ألمانيا، لن يكون لبانون فرصة للحصول على اعتراف تنظيمي لمؤسسته، لأن القانون واضح في هذا المجال، وينصّ على ضرورة ألا تُستخدم أموال المؤسسات أو الجمعيات في الدعم المباشر، وغير المباشر للترويج لأحزاب سياسية، بل دعم تعزيز الصالح العام لدولة ديمقراطية في تطبيق القانون. مع العلم أن الدخول العلني لبانون إلى أوروبا كان في الربيع الماضي عندما استضافته المجلة الأسبوعية "دي فيلت فوخه" السويسرية، ملقياً محاضرة شارك فيها حوالي 1500 شخص.


بدوره، تحدث أستاذ العلاقات الدولية والسياسة العامة في جامعة كولن الألمانية، الخبير الأميركي توماس ياغر، لـ"فوكس أون لاين" الألمانية، عن ثابتة واضحة وهي أن "بانون يسعى لتأدية دور في مشروع جدي وخطير جداً، أساسه دعم الحملات وتقديم الخبرات ومنها تطابق فرز الأصوات للأحزاب الشعبوية اليمينية في أوروبا. وهذا من شأنه أن يمنحها الأدوات نفسها التي تم استخدامها من قبل الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، حين تم انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وإذا ما صحت الأساليب في أوروبا فمن الممكن أن يحدث انقلاب مفاجئ في الانتخابات البرلمانية الأوروبية".

وفي الإطار نفسه، فإن الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة أكثر منافسة ومهنية من أوروبا، في ظلّ دور مؤثر للوبي الإعلامي في التسويق للمرشحين. ولتحقيق هذه النقلة النوعية دخلت شخصيات من حجم بانون إلى اللعبة السياسية الأوروبية، مترجماً خبرته على أرض الواقع، بعدما قاد بنجاح حملة ترامب الانتخابية، فيكون الخرق عبر محاولاته إقناع الناخبين الأوروبيين بـ"أوروبا القومية"، وبالتالي التأثير بشكل كبير على نتائج الانتخابات.

ومن خلال ذلك، يبدو أن الحملات قد تتخذ طابعاً أكثر تطوراً وحداثة، لكن تبقى هناك مسألة مرتبطة بامكانية الحصول على نفس الكمية من البيانات لمواجهة المرشحين، كما هو الحال في الولايات المتحدة، والتي تساعد للتأثير في استطلاعات الرأي وتقارير المجموعات المستهدفة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وإنشاء ملفات بيانات تعريف شخصية واستهداف مجموعات محددة من الناخبين وربما تحديد الرسائل بشكل علني. ويبقى عامل اخر يساهم بشكل مباشر في الحملات، وعادة ما يكون من نقاط التحول في اي معركة انتخابية وهو عنصر المال وهو كيف لبانون أن يساعد في تمويل حملات أحزاب اليمين الشعبوي واستراتيجيتها؟ المؤكد أن بانون سيلجأ للبحث عن رعاة ومتمولين، وهم أقل بكثير عما هو الحال في أميركا، حيث يوجد عدد كبير من المتبرعين والأثرياء، لإقناعهم بالأفكار القومية الشعبوية، عدا عن سعيه لضمّ الجماعات التي كانت تعمل سابقا من دون هياكل سياسية مهنية أو تلك التي تتمتع بامكانيات مادية ضئيلة.



في المقابل، لا يجب التقليل في تقدير نفوذ بانون، لأن ثقافة المنح والدعم أقلّ وضوحاً في أوروبا عما هو الحال في أميركا، لا سيما أن الأمر يتطلب الحضور والتسويق الجيد لمؤسسته وإظهار حجمها وخدماتها إلى حد كبير. ومن غير المستبعد أن تكون هناك الكثير من النشاطات والتمويلات السرية. فالحصول على الأغلبية يتطلب إبراز وتعزيز العمل المشترك، وليس عن طريق التلاعب البحت، رغم نجاح بعض منها وبميزانيات محدودة، بينها بريكست التي حصلت نتيجة اضطرابات اجتماعية وسياسات مالية خاطئة في بريطانيا، إلى الحملات الانتخابية لحركة "النجوم الخمس" و"رابطة الشمال" في ايطاليا. من هنا لا بد أن تكون فرنسا مثالاً، فهي التي وحّدت كلمتها وأوصلت ماكرون المؤيد للاتحاد الأوروبي إلى الحكم بعد أن كشفت الحملات الانتخابية النتائج الحقيقية للأفكار السياسية الأوروبية لليمينية مارين لوبان. بالتالي فإن بانون يمكن أن يحدث بعض الضرر ولكنه لن يقرر نتيجة الانتخابات الأوروبية. الأمر الذي شدّد عليه القيادي في الحزب الاشتراكي الديمقراطي كارستن شنايدر، عندما قال في حديث صحافي إنه "يجب العمل على إزالة الأرضية الخصبة لليمين الشعبوي من خلال حل المشاكل التي تطارد الناس حقاً. ومفتاح الحل يقوم على التعاون الأوروبي وعدم ترك النقاش للشعبويين". من جانبه، قال زميله في الحزب مايكل روث، إن "أوروبا أقوى من كراهية بانون وأكاذيبه ويجب نبذ رؤيته".

بدوره دعا رئيس الحكومة السابق في بلجيكا، الزعيم الليبرالي في البرلمان الأوروبي غي فيرهوفشتات، عبر موقع "تويتر" إلى "حظر دخول بانون، الذي يحاول استيراد سياسة ترامب البغيضة إلى قارتنا وسوف يرفضها الأوروبيون".

وأتت تعليقات الزعيم البلجيكي بعد أن كشفت تقارير أوروبية عن أن العقل المدبر الحقيقي لخطوة بانون هو زعيم حزب الشعب البلجيكي المتطرف ميشائيل مودريكامان، الذي حصل في الانتخابات الوطنية عام 2014 على 1.5 في المائة فقط من أصوات الناخبين، وهو يدعو سياسياً إلى تقييد الهجرة وعدم التسامح مع المهاجرين. مع العلم، أن مودريكامان أسس جمعية غير ربحية عام 2017، ضمّت عددا من الشخصيات من بينهم لوري فيراري، المقربة من نايجل فاراج الذي يدير الجناح اليميني في بريطانيا ورأس الحربة في خروجها من الاتحاد الأوروبي.

مع ذلك، فإن الكثير من تلك الأحزاب لا تبدو متحمسة لمبادرة بانون، ومن بينهم التجمع الوطني الفرنسي بزعامة مارين لوبان الذي قال المتحدث باسمه جيروم ريفيير، إن "بانون اميركي وليس له مكان في حزب سياسي في أوروبا". حسبما ذكرت صحيفة "دي فيلت" أخيراً.

يعني ذلك أن اليمين الشعبوي في أوروبا منقسم إلى مجموعتين مختلفتين لا يمكن أن تعملا معاً في برلمان الاتحاد الأوروبي. بالتالي من دون الوحدة لا يمكن أن تذهب الحركات الشعبوية بعيداً في تطلعاتها المستقبلية لأوروبا. أما اليمين الشعبوي في ألمانيا فيعارض هذا الواقع. ووصفت القيادية، النائب في البوندستاغ عن حزب "البديل من أجل ألمانيا"، أليس فايدل، خطط بانون بـ"المثيرة للغاية والطموحة"، مشددة خلال لقاء زوريخ على أن "مساندة بانون شيء عظيم والجميع بحاجة إلى هذا الدعم"، فيما رأت شخصيات سياسية منتمية إلى الأحزاب الشعبوية الأوروبية أنها "ليست بحاجة لمدرب".