ستيفن سودربيرغ... سينما بعدسة الهاتف المحمول

ستيفن سودربيرغ... سينما بعدسة الهاتف المحمول

19 فبراير 2019
ستيفن سودربيرغ أثناء تصوير فيلمه "هاي فلاينغ بيرد" (نتفليكس)
+ الخط -
أن تقوم بتصوير عمل سينمائي كامل، فهذا يعني أن هناك خطوات متناسقة وأدوات وأجهزة تقنية متعددة، وجهودا حثيثة يقدمها طاقم العمل بمختلف مهامه قبل طرحه في الأسواق ودور ومنصات العرض، بغض النظر عن طبيعة العرض وتقييمه النهائي. لكن أن تقوم بتصوير شريط سينمائي كامل من خلال عدسة هاتف ذكي، فهو أمر في غاية الغرابة والإبداع، يضع مستقبل السينما وصناعتها موضع استفهام ومثار تساؤلات عن التغييرات والخدمات التي قد يقدمها عمالقة التكنولوجيا في صناعة السينما الحديثة.
المخرج الأميركي ستيفن سودربيرغ، فتح لصناعة السينما باباً جديداً من خلال "العين الصغيرة" لهاتف أي فون 7 plus. استعمله لأول مرة في تصوير فيلم الإثارة النفسي "unsean" عام 2018، وقدم رؤية جديدة منفتحة على توقعات لطالما اعتاد أن يبحث فيها عن طرق تكسر النمطية السينمائية السائدة. وبالفعل، لقد تجاوز الفيلم نفسه من حيث آلية عمله، مستوفياً متطلبات الفيلم المعتادة من سيناريو وحوار وأداء تمثيلي وموسيقى تصويرية ومونتاج، إذا ما قورن بغيره من الأفلام المطروحة التي تستعمل فيها كاميرات عالية الدقة والجودة وميزانية إنتاجية ضخمة، لا يرقى بعضها للمستوى المطلوب في نهاية الأمر. ولكن هذا لا يمنع من وجود بعض العيوب والنقاط السلبية في الفيلم التجريبي لسودربيرغ، خصوصاً في الإضاءة، والمدى الديناميكي للرؤية البصرية، التي حاول إخفاءها من خلال استغلاله ضيق الفضاء المكاني للتصوير "داخل المشفى"، وابتعاده عن المشاهد العريضة. إن سرعة إنجاز الفيلم (15 يوماً) وقلة الميزانية الإنتاجية التي لم تتجاوز مليون ونصف المليون دولار أميركي، شكّلا مفاتيح العمل الثاني لسودربيرغ. حيث استعمل التقنية نفسها في فيلمه الأخير "High Flying Bird" والذي أصدر خلال شهر فبراير الحالي. ولكن هذه المرة باستخدام جهاز أي فون 8، وبميزانية لم تتجاوز المليوني دولار أميركي.
ومن هنا يثبت سودربيرغ نجاعة الفكرة واستيفاءها جميع المتطلبات التي تجعل من الفيلم أكثر سهولة ومرونة ضمن مواصفات سينمائية مقبولة جداً تجعله بمنأى عن استخدام أشهر الكاميرات الرقمية وكاميرات الديجتال المتداولة، وبعيداً عن مشقة صناعة الأفلام التقليدية وتكاليفها الباهظة.
وفي حين تتصارع شركات الهواتف الذكية على طرح منتجات تكون كفاءتها أعلى من نظيرتها في السوق الاستهلاكي، من حيث المواصفات والتقنيات الحديثة، قد يكون سودربيرغ قد قدم خدمة مجانية لتلك الشركات من خلال فيلميه السابقين، معلنًا عن عصر جديد سبق أن أشار إليه حين قال إن "أجهزة الهاتف الذكية هي مستقبل صناعة الأفلام". هناك فرضيتان تخولانا التنبؤ بمستقبل صناعة السينما عن طريق الهواتف الذكية:
أولًا، إذا كان سودربيرغ قد استطاع تصوير فيلمين مقبولين بواسطة جهاز أيفون يعتبر الآن من النسخ القديمة لشركة آبل، فإن ما تعرضه الأخيرة في تقاريرها عن موعد الإصدارات الجديدة، سيشكل لربما في القريب العاجل نقلة نوعية تسعى إليها آبل عن قصد أو غير قصد في عالم السينما، خاصة ما جاء في تقريرها الأخير وفقاً لما نشره موقع "GSM" حيث من المقرر أن تقدم شركة آبل إصدارات جديدة بشاشات تتميز بتقنية "OLED"، وبالتعاون مع شركة سوني سترفق الإصدار بثلاث كاميرات ذات جودة تصوير عالية، تعمل إحداها على إنشاء المجسم ثلاثي الأبعاد للجسم المراد تصويره بشكل أسرع، فضلًا عن تعقب الأجسام في الظلام عن طريق نبضات الليزر.
كما أنها ستعمد إلى جعل تصاميمها أكثر مرونة مع قابلية طيها عام 2020، وهذا ما سيعطي للمصور أو المخرج دفعة أكثر حرية وقناعة في استخدام العدسة الصغيرة لتصوير مشاهده بشكل سينمائي وأكثر ديناميكية، إلى جانب توافر برامج وتطبيقات في المتاجر الإلكترونية تخدم عملية صنع الفيديو من مونتاج وصوت وغيره.
ثانياً، أفادت وكالة "رويترز" منذ أيام بأن آبل تنوي إطلاق خدمة تلفزيونية عالمياً في إبريل/نيسان المقبل، عبر متجر التطبيقات خاصتها، لتنافس بذلك منصات شهيرة، أمازون ونتفليكس، فضلًا عن إجرائها مشاورات مع شركة "HBO" لتصبح جزءاً من الخدمة.
وبهذا الخبر يمكن اعتماد الفرضية الثانية التي تمهد لدخول آبل إلى عالم السينما عبر الشاشة الصغيرة مبدئياً، إلى جانب الفرضية الأولى، في صواب الاستنتاجات حول توجه صناعة المشهد السينمائي من خلال العين الصغيرة. 
في نهاية الأمر، لن يكون خبر انتشار استخدام الهواتف الذكية التي تشهد تطوراً سريعاً في صناعة السينما، بعيداً عن متناول المخرجين أو غريباً عليهم. وربما ما أقدم عليه سودربيرغ، سيشكل دعوة مستقبلية لإلغاء دور الكاميرا التقليدية أمام التقدم التكنولوجي المستمر الذي يشهده العالم.

المساهمون