ستيفن بينكر: اللغوي الإشكالي أم المتهم بالعنصرية

ستيفن بينكر: اللغوي الإشكالي أم المتهم بالعنصرية

25 يوليو 2020
ستيفن بينكر، تصوير: كايانا زيمزاك
+ الخط -

خلال الأسبوع الجاري، ظهرت دعوات مختلفة من بينها رسالة وقع عليها 550 أكاديمياً أميركاً طالبوا بإزالة اسم عالم النفس واللغوي الكندي الأميركي ستيفن بينكر (1954) من قائمة "الزملاء المتميزين" في الجمعية اللغوية الأميركية، وكان المبرر في الرسالة تقليله من شأن الظلم العرقي ومن العنف الموجه بسبب العرق والنوع، وافتقاره إلى "الحساسية العرقية" في لغته.

 عاد الموقعون إلى تغريدات له على تويتر كدليل على كلامهم، إلى جانب مقتبس حول العنف من أحد كتبه، فمن بين تغريداته التي وصفت بالمستفزة قوله إن الشرطة لا تطلق النار على السود بسبب التحيز العنصري، ولكن الأمر أن الشرطة في الأساس تطلق النار بكثافة، مبرراً ذلك في تغريدات مختلفة بقلة التدريب أو ما اعتبره ضمنياً رد فعل مفرط.

ووصفت الرسالة تغريدات بينكر بأنها "ادعاءات غير نزيهة من أجل التعتيم على دور العنصرية النظامية في عنف الشرطة"، كما اتهمته  بالعنصرية عندما استخدم عبارة "الجريمة الحضرية" urban crime و "العنف الحضري" في تغريدات مختلفة.

اقترح أن إصرار اليسار السياسي على أن بعض الموضوعات خارج نطاق النقاش ساهم في صعود اليمين

وبالرغم من أن لجنة مختارة من الجمعية رفضت تلبية مطلب الموقعين عليها، لكن تبريرها لم ينف ادعاءات زملائه ولم يدافع عن بينكر من التهم الموجهة إليه، فقد ذكرت اللجنة في رفضها "إن مهمة الجمعية ليست التحكم في آراء أعضائها أو التعبير عنها".

بغض النظر عن سهولة الاتهامات العنصرية في المناخ الحالي، لا سيما وأن بينكر واحد ممن يطلق عليهم "المثقف المشهور"، فأنت إن لم تكن تتابعه على تويتر، مع مئات الآلاف من المتابعين، ستسمعه في سيارتك على الراديو، أو ستفتح التلفزيون مساء فتراه ضيف أحد البرامج الشهيرة. 

هذا الحضور بكثرة في وسائل الإعلام كان حتى وقت ليس ببعيد يعتبر عيباً في المثقف، لكن مواضيع بينكر وطريقته في الكلام وحتى مظهره الشخصي سمحت له أن يتحول إلى نجم، ولا شك أن ذلك أثار حفيظة بعض زملائه الذين عادوا إلى تغريدات يعود بعضها إلى عام 2014 ليثبتوا عليه العنصرية، وهي مسألة قد لا يكون بريئاً منها تماماً.  

غلاف الكتاب

يرى بينكر، الذي ساند حملة الرئيس السابق باراك أوباما، أن هناك تقارباً خطراً بين الجامعات الليبرالية التي لا تقبل أي أفكار خارج التيار الأكاديمي، بما في ذلك مسألة الاختلافات الفطرية بين الجنسين وبين المجموعات العرقية المختلفة، واقترح غير مرة أن إصرار اليسار السياسي على أن بعض الموضوعات خارج نطاق النقاش ساهم في صعود اليمين.

وفي هذه الأوقات، وبينما يواجه بينكر هجوم زملائه إلى جانب المقالات الصحافية التي وضعت أفكاره موضع التساؤل والتشكيك ومقالات أخرى اصطفت معه، يجري تقديم مختارات من مقالاته في كتاب إلى العربية، ترجمها الأكاديمي التونسي المختار كريّم- أستاذ التعليم العالي في الجامعة التونسية -إلى جانب مجموعة من طلابه، حيث يجري إطلاق كتاب "في قضايا اللغة والفكر وكيفيات اشتغال الذهن" عند العاشرة من صباح الثلاثاء المقبل، 28 من الشهر الجاري في "وحدة البنية والجمال" بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية.

 كريّم الذي درس ويدرّس بينكر منذ ربع قرن،لا يخفي إعجابه بـ "الرجل المدهش" وفق تعبيره، فيقول "بدأ إعجابي به سنة 1994، عندما نشر كتابه الأكثر اقتناء "غريزة اللغة" ثمّ كُتبه التي لا تقل نجاحاً "اللوح الفارغ ، كيف يشتغل الذّهن" و"حاسّة الأسلوب" و"التنوير الآن".

وصف كتابه "التنوير الآن" بأنه بيان تبسيطي غير متماسك للنظام العالمي المهيمن

وقد اختار كريم فصولاً من هذه الكتب لنقلها إلى العربية لـ "ضرورة اطّلاع القارئ العربي وخاصّة طالب قسم العربيّة في الجامعة التونسيّة على أعمال هذا الرّجل العميقة في ما يتعلّق بالعقل البشري وطريقة اشتغال الذهن واللغة والذكاء والوعي والتنوير"، بحسب بيان إطلاق الكتاب.

بالنسبة إلى إصدارات بينكر فهي إشكالية بطبيعتها، مثلاً لا يخلو "التنوير الآن" مثلاً، والذي قال عنه بيل غيتس "إنه كتابي المفضل في كل وقت"، من حفاوة بالنيوليبرالية والنهج التكنوقراطي، وهو كتاب جلب على صاحبه الكثير من النقد اللاذع ووصف بأنه "بيان تبسيطي غير متماسك للنظام العالمي المهيمن"، وأنه "كتاب يقدم رؤية مفرطة المبالغة في التفاؤل للتاريخ البشري"؛ واعتبر صحافيون وأكاديميون أن عمله يقدم مبررًا فكريًا للكثيرين من صناع القرار لمواصلة الممارسات التي تهدد الإنسانية.

لكن لا بد من إعطاء الرجل حقه، فقد طرح في كتبه مواضيع تهم الإنسان وأعاد التفكير فيها، وإن كان على نحو متفائل قد يبدو مستفزاً للشعوب المحرومة، فهو يتحدث بإعجاب عن تراجع العنف وزيادة الصحة ومعدلات العمر والتعليم وحقوق الإنسان، إلى جانب تأثيره في علوم اللغة والنفس.

يجري تقديم مختارات من مقالاته في كتاب إلى العربية، ترجمها الأكاديمي المختار كريّم

لكن يبدو الأمر في كتب بينكر كما لو أنه يتجاهل الحقيقة تحت أطنان من الأرقام والبيانات واللغة المنمقة الجميلة، خاصة إذا أخذنا في عين الاعتبار أن نشر كتابه "التنوير الآن" تزامن مع بيان أصدره أكثر من خمسة عشر ألف عالم من 184 دولة لتحذير البشرية. وأعلنوا أنه وبسبب الاستهلاك المفرط لموارد العالم، فإننا نواجه "بؤساً واسع النطاق وفقداناً كارثياً للتنوع البيولوجي". وحذروا من أن الوقت ينفد: "قريباً سيكون الأوان قد فات لتحويل المسار بعيداً عن مسارنا الفاشل".

لا يهم فغالباً ما يقال إن جمهور بينكر هو المجتمع النيوليبرالي التكنوقراطي، لكن هذا لا يمنع أن ننقله إلى العربية وأن نستفيد من أفكاره وحتى أن نتعارك معها، وعسى أن يكون تقديم مختارته هذه إلى العربية (وقد ترجمت عدة كتب له سابقاً) معززاً بالنظرة النقدية التي تأخذ مسافة من مشروعه وتقرأه بلا انبهار شديد، وتختلف معه حين يستوجب الأمر ذلك.

 

المساهمون