ستة أشهر هي المدة التي تفصل التونسيين تقريباً عن موعد الانتخابات التشريعية المقررة مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل. موعد ينتظره التونسيون بحذر وترقّب شديدين، في ظلّ ارتفاع حالة الاحتقان السياسي والتنافس بين مكونات سياسية تعتقد، مع الأسف، أنّ هذه الانتخابات هي انتخابات فاصلة ستنتهي بموت فصيل وتربّع آخر نهائياً في سدة الحكم.
ورغم أنّ هذه الأحكام مجرّد أوهام لا غير، إذ ستتلو هذه الانتخابات، انتخابات أخرى، وستفرز فائزين ومهزومين مختلفين في كل مرة، إلا أنّ حدة الخلافات تقود إلى الاعتقاد بأنّ أطرافاً متنافسة تعمل بمنطق الكل في الكل، وإمّا أصابت أو خابت، رغم أنّ هذا الاعتقاد قد يقود إلى ضرب التجربة التي منحت الجميع فرصة فريدة للتنافس النزيه.
رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، قال مساء أوّل من أمس السبت، خلال اجتماع لهياكل وإطارات حزبه، في مدينة تطاوين جنوب تونس، إنّ "الطريق حتى شهر أكتوبر ستكون مليئة بالألغام"، معتبراً أنّ "اليائسين من النجاح في الانتخابات المقبلة يريدون العودة بتونس إلى ما قبل الثورة، ويراهنون على المصائب لتغيير ثقة الشعب في النهضة". ولم يكشف الغنوشي عن نوعية هذه الألغام وإن كانت تستهدف حركته فقط، أم أنها تعني البلاد كلها، وكذلك ما إذا كانت سياسية أو أمنية. ولكنها في جميع الحالات إشارات مقلقة يؤكدها تراكم الأخبار السيئة والملفات التي تكدّر المناخ العام وتزيد من حالة القلق التي يعيشها التونسيون، وتدفع إلى الاستنتاج بأننا جميعاً فاشلون ولا نستطيع تحقيق شيء يذكر للناس. والذين يعملون على هذه الاستراتيجية يدركون أنها نار ستلتهم الجميع وأنهم أيضاً سيخسرون، وربما يفقدون الفرصة التاريخية التي منحهم إياها الشعب للتنافس في كل مرة، وتدارك خساراتهم وتجديد فرصتهم في ما بعد.
ستكون ستة أشهر طويلة جداً على صبر الناس. وإذا ما صدقت التوجسات، فسنسمع ونرى الكثير، وسينهال المتنافسون على بعضهم بكل الهراوات والملفات المخفية المركونة في الأدراج، والأمل هو ألا يسقط الخطاب كثيراً، وأن تعود النخبة السياسية إلى رشدها، وألا تقسو على الناخب التونسي، ولا تضرب فخره بالذهاب إلى صندوق الاقتراع من دون خوف وبكل حرية ليختار من يحكمه.