سبق حاتم الطائي في الكرم

سبق حاتم الطائي في الكرم

03 سبتمبر 2020
+ الخط -

عشتُ لأرى رئيساً عربياً يسبق حاتم الطائي في الكرم، والأحنف بن قيس في الحِلم، وعمرو في الشجاعة، وإياس في الذكاء، حتى ليصدُق فيه قول أبي تمام في المعتصم، صاحب موقعة عمورية الذي مدحه، فلما بلغ قوله: إقدامُ عَمْرٍو في سَماحةِ حَاتِمٍ/ في حِلمِ أحنَفَ في ذَكاءِ إِيَاسِ، قال يعقوب بن إسحق الكِندي ناقداً: "إنَّ الأمير فوق ما وصفت، ولم تزد على أن شبّهته بأجلاف العرب، فمن هؤلاء الذين ذكرتهم؟ وما قدرهم؟". أطرق أبو تمام قليلاً، فحضره بيتان ارتجلهما، على الوزن نفسه والقافية نفسها: لا تنكروا ضربي له مَنْ دونه/ مثلاً شروداً في الندى والباس/ فالله قد ضرب الأقل لنوره/ مثلاً مـن المِشكـاة والنبراس.

تقول الرواية إنّ المعتصم وهب أبا تمام ولاية الموصل مكافأة له على مدحه، وعلى حسن الحاضرة والبداهة وقوة الطبع وشدة العارضة. بل إنَّ هذا الرئيس العربي سبق صلاح الدين الأيوبي في الجهاد، لكن ليس الأعداء، وإنما الأهل والأشقاء! بل إنه تنازل عن القدس، ليس لأهلها وإنما للعدو. هذا كله وهو لا يزال ولياً للعهد، ولم يتولَّ الولاية التامة، فماذا سيفعل لو تولى دولة عربية مثل مصر، بل هو رئيسها، ولكن عن بعد، وعامله عليها هو عبد الفتاح السيسي، كما يذهب محللون سياسيون، وعامله أو مندوبه عليها مصريٌّ يحكي اللهجة المصرية بإتقان، ولكن ليس له بلاغة المواطن المصري. هذا كله وهو ولي عهد أبوظبي، وصفها أنور السادات بالدكانة على الخليج، ولم يزد على ذلك، ولو زاد لقال دكانة تبيع النفط. السادات بظرف المصري لم يكن منصفاً، فالناس بأفعالهم وليسوا بأحجامهم، وكذلك الدول، وإنَّ البعوضة تدمي مقلة الأسد. 

صاحبنا غني، وأمواله كثيرة، وإن كانت سوداء، لكنه يغسلها بالدماء والصابون فتخرج ناصعة بعد الغسيل. وقد يحسُن الفعل ويسوء، وقد أرسى هذا الكريم قواعد الديكتاتورية في خمس عواصم عربية من جديد، كما لم يحدُث في التاريخ من قبل، فولّى عسكرياً عييّاً اسمه عبد الفتاح السيسي مقاليد كنانة العرب. ووطّأ الأكناف لصبيٍ طائش يهوى لعبة "البلاي ستيشن"، والنجارة في البشر، على ولاية العهد في الحرمين، ويحاول جهده منع بشار الأسد من السقوط، فيرسل له العكاكيز السياسية والمالية واللوازم الطبية والمأكولات غير السامة، ومع أنه حليف عدوه إيران الأثير والوثيق في المنطقة، وهذا عجيب، وإن كان العجب سيزول لو عرفنا أنَّ عداوته الأصلية ليست مع إيران. وهو يدغدغ ثورة تونس بأموال سوداء ورشوات، ويدسُّ على تونس حسناء في مجلس الشعب، اسمها عبير موسي، فتناجز شيخاً كريماً فيلسوفاً قضى عمره في العراك والسياسة والنزوح واللجوء والسجون والفكر والقلم. وقسّم اليمن إلى أقسام، وأجزاء وأحزاب وكتائب واستنقذ منها سقطرى لنفسه، لجمال أشجارها وعذوبة مائها، أو لأن اسمها يشبه اسم قطر. وبلغنا أنَّ شعب اليمن يدعون له قياماً وقعوداً، كلما سقطت عليهم العطايا النارية من طائراته. وهو يبذل جهده في إعادة الوضع في ليبيا إلى أيام طيب الذكر القذافي، صاحب الأزياء والألقاب والطرائف والقصص.

وسوى هؤلاء الأربعة الأوائل في الكرم والحلم والذكاء والشجاعة الذين سارت بهم الأمثال، هو يعيد التذكير بعمرو بن لحي في جلب أصنام الهندوس إلى الجزيرة العربية. وفضائله لا تعدّ ولا تحصى، واحدة منها أنّه صاحب المعتقلات وسفن الحبِّ السائحة في البحار، وله أصابع ومخالب في محاولة انقلاب تركيا. وهو لا يعرف اليأس لشدة إيمانه بآلهة الوافدين إلى أرضه، ويدعم حملات الانتخاب في أميركا، وتمويل حملات القصف في سورية ومالي، ويحالف اليونان. 

ملاحظة على أبيات أبي تمام، أنَّ الكندي كان فيلسوفاً، وقد ظلم أكرم العرب وأشجعهم وأحلمهم وأذكاهم بوصفهم بالأجلاف، فسكت له أبو تمام، ولو أنه أنصفهم لكان خيراً له، ولكل أجلٍ كتاب.

683A43FF-D735-4EBA-B187-3AC9E42FAE32
أحمد عمر

كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."