ساحة البريد المركزي.. تحفة معمارية شاهدة على حكايات الحراك الشعبي في الجزائر
عثمان لحياني ــ الجزائر


قبل سبع سنوات، وقف رجل عجوز أمام مبنى البريد المركزي بقلب العاصمة الجزائرية يصرخ قائلاً: "نريد الحرية، نريد العيش"، وقتها كانت المسيرات والاحتجاجات ممنوعة، وتزامنت صرخته تلك مع ثورات "الربيع العربي" التي اجتاحت بعض الدول العربية، ذلك الرجل كان يهمّ بدخول المبنى لسحب منحة التقاعد رفقة عدد من أقرانه من المتقاعدين. 

اليوم، تغيّر المشهد وأغلق البريد المركزي في العاصمة الجزائرية وتم نقل إدارته إلى مبنى قريب منه ليظل متحفاً وساحته فضاء لكل من يريد الراحة أو الاستمتاع بجمال العاصمة الخلاب، إذ يلوح على بعد مرمى حجر مبنى الحكومة الجزائرية وحديقة الحرية ومبانٍ قديمة، فضلاً عن خليج وميناء الجزائر.

التاريخ مُلهِم الشعوب

تقع ساحة البريد المركزي بين شارعين يحملان اسمين من أسماء شهداء الثورة التحريرية الجزائرية، إذ تقع بين شارع الشهيد العربي بن مهيدي، ومن الأعلى شارع الشهيد ديدوش مراد، وهما رمزان خالدان من رموز الثورة التحريرية.

وتضم الساحة مقر البريد المركزي أو "البريد العام" كما كان يسمّى في الفترة الاستعمارية، وأصبح اليوم معلماً تاريخياً، إذ تشير المعلومات المكتوبة في جدارية بسيطة معلقة في جانبه الأيمن إلى أن البنّائين شرعوا في تشييده في عام 1910، وعلى مر ثلاث سنوات، إذ تم استغلاله آنذاك في مختلف الخدمات البريدية والمالية، ليصبح اليوم تحفة معمارية صممها المهندس ماريوس تودوارد بالنظر إلى سقفه والزخارف الأندلسية وأعمدته، كعمارة إسلامية قريبة من قلوب الجزائيين في تلك الفترة.

موقع استراتيجي للمكان (العربي الجديد)

رمزية المكان وتاريخه وموقعه الاستراتيجي في قلب العاصمة الجزائرية باتت تفرض أن تكون الساحة والمباني المجاورة لها معلماً ثورياً، كما يقول المواطن الهادي رحماني لـ"العربي الجديد"، إذ بات المكان "محجّاً للجزائريين من كل المدن، ومتنفسهم الوحيد إن تعلق الأمر بالمطالبة بالحقوق"، على حسب قوله.

ورغم قرار منع المسيرات والوقفات الاحتجاجية منذ سنوات في الجزائر، إلّا أن الجزائريين تمكّنوا من فكّ هذا الخناق على الحريات والتعبير والمطالبة بطريقة سلمية وحضارية، تقول سمية زبيري في تصريح مماثل لـ"العربي الجديد"، معتبرة أن "المكان في حد ذاته فرَض نوعاً من الهيبة والخصوصية لا يفترق عليها الجزائريون، وبات يصنع الحدث كلّ يوم"، مضيفة أن ساحة البريد المركزي أصبحت ملهمة للآلاف، ويمكنها أن تكون منبراً من منابر الحرية ورفع المطالب وصوت النّاقمين على الأوضاع الاجتماعية والسياسية في الجزائر.

يشار إلى أن ساحة البريد المركزي ارتبطت بالوقفات الاحتجاجية وتجمع الآلاف منذ بدء الحراك الشعبي في الـ 22 فبراير/ شباط الماضي إلى اليوم، لاحتلالها موقعاً استراتيجياً قريباً من مختلف محطات النقل كمحطة ميترو الأنفاق ومحطة الحافلات بـ"تافورة" بقلب العاصمة الجزائرية.