زيارة عبد اللهيان للسعودية: أبعاد كثيرة وخلافات متراكمة

زيارة عبد اللهيان للسعودية: أبعاد كثيرة وخلافات متراكمة

28 اغسطس 2014
زيارة عبد اللهيان تزامنت مع وجود ظريف بالعراق(الكسندر نمينوف/Getty)
+ الخط -
تزامنت زيارة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إلى العراق التي انتهت أول من أمس، ولقاؤه بعدد من المسؤولين العراقيين المنتمين لمختلف الأطياف الدينية والسياسية، مع وجود مساعده للشؤون العربية والأفريقية حسين أمير عبد اللهيان في السعودية، في وقت ما يزال فيه التشنج والتوتر يحكم العلاقات الثنائية بين الرياض وطهران.

التقى عبد اللهيان في زيارته للرياض، التي انتهت أمس الأربعاء، بوزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، فضلاً عن لقاء آخر جمعه بالأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي إياد مدني.

تحدث الإيرانيون عن أهمية هذه الاجتماعات التي جرت بعيداً عن الأضواء، في وقت تأزمت فيه الأوضاع في المنطقة، ولا سيما في العراق. ونقلت وكالات الأنباء الإيرانية عن عبد اللهيان قوله إن زيارته حملت رسالة ضرورة التعاون بين البلدين للحد من انتشار ظاهرة التطرف والتشدد والعنف في المنطقة.

لكن هذه الزيارة تحمل بين طياتها أبعاداً كثيرة، ولا سيما مع وجود ملفات خلافية عديدة بين الطرفين، جعلت شكل العلاقة بينهما وفق مراقبين يأخذ منحى تنافسياً. فلم ينجح البلدان حتى الآن بالقيام بزيارات متبادلة عالية المستوى، رغم ترحيب الإيرانيين باستقبال الفيصل في إيران، ورغم الحديث المتكرر عن زيارة متوقعة لظريف إلى الرياض.

وتأتي زيارة عبد اللهيان بعد اجتماع خماسي عقد في الرياض الأحد الماضي، بين كل من السعودية، الإمارات، قطر، الأردن ومصر لمناقشة أزمة المنطقة بعد تنامي ظاهرة التطرف والإرهاب وتقدم قوات تنظيم "داعش" على الأرض في العراق.

والتوجه الإيراني نحو السعودية قد يكون ضمن إطار السعي إلى لعب دور في التحالف الإقليمي الدولي الذي يوشك أن يأخذ صورة عملية، ولا سيما بعد تنامي التوقعات بتشكيل تحالفات جدية، تقوم بخطوات أكثر عملية لمحاصرة تنظيم (داعش) في العراق. وما زاد من وتيرة هذه التحليلات، الاجتماع الأوروبي الأخير في شهر أغسطس/آب الحالي والذي خرج بنتيجة ضرورة تحمل المسؤولية الدولية والأوروبية للتعاون مع العراق في قتاله ضد الإرهاب.

ورغم النفي الإيراني الرسمي لإرسال أي قوات عسكرية للمحاربة في العراق ضد (داعش)، فضلاً عن نفي آخر سابق يتحدث عن عدم إرسال طهران لأي وفد إلى السعودية لمناقشة تطورات الأوضاع في العراق، بعدما تداولت وسائل الإعلام العالمية هذا الخبر، إلا أن زيارة عبد اللهيان في هذا التوقيت تشي برغبة إيرانية في المشاركة في التحالفات الإقليمية والدولية العلنية التي ستقدم الدعم للعراق في محاربة داعش، ما سيثبت شعارات طهران حول الانفتاح والدبلوماسية التي يرفعها رئيسها الحالي حسن روحاني.

من جهة ثانية، تحدث محللون إيرانيون عن أن عبد اللهيان يحمل في جعبته إلى الرياض موضوع طائرة التجسس الإسرائيلية التي أسقطتها قوات الحرس الثوري الإيراني لدى اقترابها من مفاعل نطنز القريب من أصفهان وسط البلاد أوائل الأسبوع الحالي، في الوقت الذي قال فيه مسؤولون عسكريون إن هذه الطائرة من دون طيار انطلقت من البحر الأحمر. وهو ما يجعل عبد اللهيان يناقش الأمر في الرياض، فيما تحدث آخرون في سياق مختلف، وقالوا إن الطائرة توجهت للحدود الإيرانية من بلد يقع شمالي البلاد وكان جزءاً من الاتحاد السوفييتي من دون الإفصاح عن اسم هذه الدولة.

مع وصول الشيخ الدبلوماسي إلى كرسي الرئاسة، توقع كثر أن يمد الرجل يده للسعودية لتحسين العلاقات، إلا أن الخلاف الإيديولوجي بين البلدين والاختلاف في المواقف على قضايا مفصلية في المنطقة، فضلاً عن الإرث الثقيل الذي يحكم العلاقات، لم يسمح للقيام بخطوات تقارب كبيرة حتى الآن.

فالمحددات التي تقف بوجه أي تقارب حميم عديدة، رغم الرغبة الإيرانية الواضحة في ذلك والدعوة الصريحة التي وجهها رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني للتقارب مع الرياض أكثر من مرة. وتصب دعوته ضمن إطار لعب دور مشترك لتجاوز أزمات المنطقة ومحاربة التطرف. ولعل هذا هو السيناريو الوحيد خلال هذه المرحلة الذي سيسمح بالتقارب الجزئي بين طهران والرياض.

لكن العلاقات المتوترة موضوع ثقيل يعود لسنوات طويلة مضت منذ الحرب العراقية الإيرانية ثمانينيات القرن الماضي، وصدام البلدين في كل من سورية واليمن والبحرين خلال السنوات الأخيرة، وتوجيه اتهام سعودي لإيران بالتخطيط لاغتيال سفيرها في واشنطن، وتوجيه اتهام إيراني آخر للرياض لتقديمها المساعدة لخطف دبلوماسييها في اليمن.

لكن المؤشرات الأخيرة  تتحدث عن توجه إيراني نحو السعودية، ولا سيما بعد تعيين السفير الجديد في الرياض حسين صادقي، واجتماعه مع رفسنجاني في طهران، ليحمل رسائل السلام والتقارب معه إلى هناك، في الوقت الذي أبدت فيه طهران ترحيبها باستقبال مسؤولين سعوديين في مقدمتهم الفيصل، الذي تقول عنه طهران، إنه لا يمانع من تحويل العلاقات الثنائية مع إيران إلى علاقات أكثر هدوءاً، ليصب هذا الأمر في مصلحة محاربة "الإرهاب" الذي اقترب من حدود البلدين معاً.