زيارةٌ.. تدقُّ ناقوس الحنين
زيارةٌ.. تدقُّ ناقوس الحنين

لطالما قرأنا على جدران المخيّم، وفي أزقته الضيّقة، والضيّقة جداً، "عائدون". كنّا ننشد عزفَ الصباح بنشيدنا الوطني، بين الأعمدة المتهالكة لمدارس وكالة الغوث "أونروا"، وفي النهاية نُقسِم أنّا لعائدون. لم نكتب يوماً موضوعاً إنشائيّاً إلّا وسطوره الأولى تحكي قصة حبٍّ لأرضٍ عاشتنا وعشناها من دون أن نلتقي. نتفنن في وصف الدار، الذي حَلُم جدي بالعودة إليها، وحَلُمنا نحن بوطء ثراه؛ فمات جدي وبقيَ الحلم. لمّا كَبُر ذاك الطفل فينا، أيقنّا أنّ حروف "عائدون" أعمق من أن تقال في حضرةِ عالمٍ لا يعترف لعودتنا بسبيل.
"شَعَبْ" تلك البقعة الصغيرة المترامية بين جبال الجليل، في قضاء عكّا الشامخة. تلك القرية التي إليها أنتمي، وأُفاخر فيها حيثما أكون. نعم؛ لم أطأ يوماً أرضها وما جابت عينايَ شوارعها، ولا لمست يداي ترابها، وما استنشقت يوماً ذرةً من هوائها، إلّا أنّ القلب يخفق لها من بعيد.
المحظوظ منّا من رماه القدر خارج نطاق الدول العربية، ليتمتّع بجنسيةٍ أجنبية، تخوّله أن يدخل مطارات العالم كإنسان. تسمح له أن يجوب أقاصي الدنيا، ببطاقة هويةٍ غير عربية! طال أعماماً لي، يسكنون في الدنمارك، شيءٌ من هذا الحظ، فلم يُسكِتهم هواء أوروبا البارد عن أن يحترقوا شوقاً لزيارة الأرض، التي ما زالت في عداد أحلامنا نحن. حجزوا تذكرة طائرة إلى ملتقى الروح هناك. والله إنّها لنعمة، وهل يوجد أعظم من تلك النعمة التي يُحسد عليها المرء؟
مَلأوا صفحاتهم على الشبكة العنكبوتية بصورهم التي التقطوها مع التقاط أنفاسهم وحُلُم الأرض قد تحقق، وهم على ثراها واقفون. بكيتُ لمّا رأيت صورةً لمدخل "شَعَب"، وهي أرضي التي لا أدري، أسأبقى أرقُبها من بعيدٍ، ومن خلف الشاشات، وألتقط دموع الحسرة والهجرة واللجوء، بدلاً من التقاط حفنة من ترابها؟
دقّت زيارة أعمامي إلى الأرض المقدسة ناقوسَ الحنين فينا من جديد، ونحن نتأمّل الأماكن، التي جابوها، وخيرات الأراضي، التي أكلوا منها، وإلى البسمة، التي ما فارقت شفاههم إلّا عند النظر إلى تأشيرة الإياب إلى البلدان الباردة!