زيادة معاناة فقراء أميركا... وترامب يتفاخر بالانتعاش الاقتصادي

زيادة معاناة فقراء أميركا... وترامب يتفاخر بالانتعاش الاقتصادي

01 يوليو 2019
ارتفاع أعداد المشردين في شوارع أميركا (سبنسر بلات/Getty)
+ الخط -



مع اقتراب الانطلاق الرسمي لحملات الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2020، أصبح التركيز في واشنطن خلال الفترة الأخيرة على حالة الاقتصاد، ومدى استفادة المواطن من السياسات الاقتصادية المتبعة من الإدارة الأميركية الحالية.

ومع تركيز الرئيس الأميركي الجمهوري دونالد ترامب، الذي أعلن قبل أيام انطلاق حملته رسمياً، على ما حققه من إنجازات اقتصادية "غير مسبوقة"، على حد قوله، يحاول مرشحو الحزب الديمقراطي المنافس التركيز على الطبقة الفقيرة، التي يرى أغلب المنتمين إليها أن سياسات ترامب قد تجاهلتهم، أو ربما زادت سياساته الاقتصادية من معاناتهم.

وتباهى ترامب خلال الشهور الأخيرة بانتعاش الاقتصاد الأميركي لأطول فترة في تاريخه، وارتفاع قياسي لمؤشرات الأسهم، وانخفاض معدل البطالة إلى أدنى مستوياته في ما يقرب من نصف قرن، بالإضافة إلى زيادة متوسط أجور الأميركيين لأول مرة منذ عقود.


لكن على الجانب الآخر، مَثَّل تراخي الإدارة الأميركية في التعامل مع المناطق المتضررة من الأعاصير، وما ترتب عليه من معاناة أهالي تلك المناطق من الفقراء، نقطة سوداء في صحيفة إنجازات الرئيس الأبيض.

انتشار المشردين

خلال محفل لمرشحي انتخابات الرئاسة، يوم الإثنين ما قبل الماضي، نظمته مجموعة "حملة الفقراء" التي تم تدشينها قبل عامٍ تقريباً، في جامعة الثالوث بواشنطن العاصمة، وشارك فيها 9 من أقوى المرشحين الديمقراطيين المحتملين للرئاسة، احتلت قضية معاناة الفقراء في الولايات المتحدة مكان الصدارة في المناقشات، ولم يظهر ترامب، ولا أي من أعضاء فريقه من الحزب الجمهوري في الاجتماع، رغم توجيه الدعوة إليهم.

وعام 2017، وصل عدد من يعيشون تحت خط الفقر في الولايات المتحدة إلى ما يقرب من أربعين مليون مواطن، بمعدل واحد من كل ثمانية مواطنين أميركيين، وثلثهم تقريباً من الأطفال، وفقاً لإحصاءات مكتب الإحصاء الأميركي.

ورغم انخفاض المعدل خلال العقد الأخير، إلا أن التجول في أي مدينة في الولايات الأميركية لمدة ساعة واحدة، لا يمكن أن يخلو من ملاحظة انتشار المشردين والمتسوّلين، بصورة لم تكن موجودة قبل الأزمة المالية العالمية، حيث أصبح الفقر حاضراً في كل مناحي الحياة في كل ولاية ومدينة، ودون تمييز بين الفئات العمرية أو الجنسية أو الدينية أو العرقية، وبغض النظر عن نوع الوظيفة أو مستوى التعليم.


ومع إعلان رقم الفقراء في 2017، حاول ترامب استغلال اللحظة لتحقيق مكاسب دعائية له ولإدارته، مصوراً انخفاض عدد الفقراء الذي تم تسجيله في أول عام له في الحكم، بنحو مليون شخص، باعتباره رقماً قياسياً، إلا أن الإحصائيات أكدت أن أكثر من ستة عشر عاماً بشكل غير متتال، خلال الفترة بين عامي 1959 – 2017، شهدت انخفاض عدد الفقراء في الولايات المتحدة بمليون شخص على الأقل، مقارنة بالعام السابق. وأكد مكتب الإحصاء الأميركي، أن الانخفاض المعلن في 2017 هو نتيجة "للصدفة" أكثر من كونه "ذا دلالة إحصائية".

وعلى نحوٍ متصل، أظهرت إحصاءات المكتب أن متوسط دخل المواطن الأميركي العادي، الذي ارتفع بنسبة 5.1% عام 2015 و3.1% عام 2016، تباطأ ارتفاعه إلى 1.8% فقط عام 2017.

وأكد المكتب أن متوسط الدخل لم يرتفع عام 2017 بسبب الازدهار الاقتصادي، وإنما بفعل ساعات إضافية من عمل من يريدون تحسين دخولهم، وبصفة خاصة من منخفضي الأجور. أيضاً أشار المكتب إلى أنه يأخذ معدل التضخم في الاعتبار، ويظهر أن الحد الأدنى الفيدرالي للأجور أقل بنسبة 23% مما كان عليه قبل 40 عاماً، واعتبر المكتب أن ما يحصل عليه العامل، الذي يعمل بدوامٍ كامل، على مدار العام، قد انخفض عام 2017.

برامج حكومية

ورغم أن المشردين في الشوارع، ممن لا مأوى لهم "homeless"، يمثلون الرمز الأشهر للفقر، إلا أن الإحصاءات تشير إلى أن الملايين في الولايات المتحدة يضطرون في كثير من الأحيان، إلى الاعتماد على البرامج الحكومية، وأحياناً برامج الولايات أو المقاطعات، في حالة عدم حصولهم على تأمين صحي، أو أي برامج اجتماعية أخرى، من خلال وظائفهم.

ومع زيادة أعدادهم، وقلة عدد الملاجئ التي يمكن أن تستقبلهم، وتشديد الشروط الواجب توافرها في المقبولين، يلجأ الآلاف من المشردين إلى بعض الأماكن العامة، عوضاً عن تلك الملاجئ.

وتمثل المكتبات العامة التي تكاد لا تخلو منها مدينة أميركية، ومحالّ ستاربكس للقهوة التي تروّج لنفسها بأنها "عند كل ناصية"، بعض أهم أماكن الإيواء للمشردين خلال ساعات اليوم، إلا أنها لا تسمح لهم بالمبيت، الأمر الذي يجعلهم تحت رحمة الظروف الجوية القاسية، ورجال الشرطة، والأماكن المناسبة لاستقبالهم، خلال ساعات الليل.


وذكرت تقارير صحافية الشهر الماضي، أن إدارة ترامب اقترحت إجراء تغييرات تنظيمية، يمكن أن تؤدي إلى خفض المساعدات الفيدرالية المقدمة لملايين الأميركيين من ذوي الدخل المنخفض. ويقوم الاقتراح، الذي أعده مكتب الإدارة والميزانية التابع للبيت الأبيض، على تغيير الآلية المتبعة لحساب معدل التضخم، الذي يستخدم لتحديد التعريف الرسمي للفقر، كما يقدره مكتب الإحصاء الأميركي. ويؤدي هذا التقدير الدور الأكبر في تحديد أهلية الحصول على المزايا الحكومية الموجهة للفقراء.

وفي 2019، اعتبر مكتب الإحصاء أن العائلة المكونة من أربعة أفراد، وتحصل على دخل سنوي يقل عن 25.750 ألف دولار، تعد عائلة فقيرة، ويحق لها الحصول على الامتيازات المخصصة للأفراد.

تقليص المزايا الغذائية

وفي دراسة حديثة، قدر مركز "الأولويات السياسية والموازنة" للأبحاث بواشنطن عدد الأسر التي ستحرم من المزايا الحكومية في ولاية كاليفورنيا وحدها، من جراء التعديل المقترح، بنحو خمسة عشر ألف أسرة، على مدار الأعوام الخمسة عشر القادمة.

وقال المركز بأن التعديل، الذي ربما يصبح نافذاً الأسبوع القادم، قد يكون له آثار سلبية على مئات الآلاف من الأفراد الذين يعتمدون على المزايا الغذائية والصحية، مثل برنامج الرعاية الصحية للفئات الأقل دخلاً، المعروف اختصاراً باسم ميديكيد "Medicaid"، أو ما يطلق عليه "طوابع الطعام" في مختلف الولايات الأميركية.

وتقول أفيفا آرون داين، نائب الرئيس للسياسات الصحية بالمركز، إن التأثيرات السلبية للتعديل المقترح ستتضاعف كل عام، "وبمرور الوقت، سيتم حرمان أعداد أكبر من الأفراد من مزايا الأسر ذات الدخل المنخفض، وتضيف: "بعد عشر سنوات، سينخفض عدد الأسر المستحقة للرعاية بنسبة 2%، ورغم انخفاض النسبة، إلا أنه يجب ملاحظة أننا نتحدث عن برامج تمسّ ملايين البشر".

ولم يكن الاقتراح المقدم من أكبر مكتب في الإدارة التنفيذية لرئيس الولايات المتحدة، هو أول إشارة على تراجع ترتيب الفقراء في أولويات ترامب، حيث شهد العامان الأولان في فترة رئاسته توجهاً واضحاً نحو خفض إعانات السكن، وزيادة ساعات العمل المطلوبة من أجل التأهل للحصول على المعونات الغذائية المجانية، في تناقض واضح مع قانون الإصلاح الضريبي، الذي قدمه ترامب ووافق عليه الكونغرس، قبل نهاية 2017، والذي اختص الأغنياء والشركات الأميركية الكبرى بامتيازات ضريبية كبيرة.


والعام الماضي، أظهر تحقيق تابع للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، أن معدلات الفقر في ازدياد مع إدارة ترامب، التي تتبع سياسات تهدف على ما يبدو إلى إلغاء شبكات الحماية الاجتماعية لملايين الأفراد، بينما تمنح المزيد من الامتيازات للأغنياء.

وفي التقرير الأممي، قال فيليب ألستون، المقرر الخاص للأمم المتحدة والمعني بالفقر المدقع، إنه "في الوقت الذي يتم فيه تخفيض مزايا الرعاية الاجتماعية ومدى إتاحة الوصول إلى التأمين الصحي، منح الإصلاح الضريبي، الذي أقره الرئيس دونالد ترامب، المكاسب المالية للشركات الكبيرة الشديدة الغنى، الأمر الذي زاد من عدم المساواة" بين الأميركيين. وطالب أستون السلطات الأميركية بتوفير حماية اجتماعية قوية، وبالتعامل مع المشكلات الكامنة، عوضاً عن "معاقبة الفقراء".

حماية الفقراء

وقبل أيام، قلد ترامب آرثر لافر، الاقتصادي المتحفظ الذي أدى الدور الأكبر في كتابة قانون الإصلاح الضريبي، ميدالية الحرية، التي تعدّ أعلى تكريم مدني في الولايات المتحدة، لمساهمته في وضع سياسات أتاحت "فرصاً أكبر لكل أميركي" على حد قول ترامب.

وجاء تكريم لافر، الداعم الدائم لخفض الضرائب، وخفض القيود على البنوك والشركات، تعبيراً واضحاً عمن يستحق التكريم في عهد ترامب، وفقاً لانحيازات المرحلة.

لكن مما لا شك فيه أن البنية الأساسية المطلوبة لحماية الفقراء، كانت متاحة قبل وصول ترامب إلى الحكم، إذ توفر الولايات المتحدة الأميركية مكاناً لكل طفل في المدارس الحكومية، في المنطقة التي يعيش فيها، من بداية مراحل التعليم، وحتى آخر سنوات الدراسة الثانوية (ويطلق عليها العليا)، بدون أي تكاليف.

وفي أغلب الأحيان، يستطيع الطالب الفقير الحصول على وجبات غذائية وتأمين صحي بدون تكلفة، أو بتكلفة بسيطة جداً، حتى لو كان يعيش في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية، أو بدون مستندات، كما يطلق عليهم هنا Undocumented.

ورغم التفاوت النسبي في مستويات المعيشة في الولايات المتحدة، إلا أن الفقر لا يقتصر على ولايات بعينها، إذ توجد جميع الطبقات في كل الولايات.

وفي ولاية ماريلاند على سبيل المثال، توجد مدينة بالتيمور التي لا يخلو شارع فيها من المشردين والمتسولين، كما توجد أيضاً مدينة بوتوماك، أو باثيسدا الشمالية، اللتان يتميز سكانهما بالثراء، وتنتشر المدارس الخاصة عالية التكاليف فيهما.

وفي واشنطن لا يختلف الأمر، حيث يعيش بعض أغنياء الولايات المتحدة في وسط العاصمة، بينما توجد على أطرافها مستويات من الفقر تماثل ما يمكن أن نراه في أفقر البلدان الأفريقية.

المساهمون