زواج مصلحة في تونس

02 سبتمبر 2014

تونسيون يحتجّون على فساد في وزارة الداخلية (2 فبراير/2011/أ.ف.ب)

+ الخط -


لم يسبق أن شارك رجال أعمال تونسيون في قوائم انتخابية لحزب سياسي مغاير لحزب التجمع الدستوري الديموقراطي (الحاكم سابقاً)، وذلك منذ تأسيس الدولة الوطنية بعد الاستقلال. عدد قليل ممن تعاطفوا مع بعض أطراف المعارضة في الثمانينات، خصوصاً بعد تأسيس أحزاب على أيدي وزراء سابقين، مثل حركة الديموقراطيين الاشتراكيين على يد أحمد المستيري، تعرضوا لمضايقات مختلفة، منها إطلاق يد مكتب الضرائب لمحاصرتهم. وقد تكرر ذلك، بوضوح وقسوة أكثر، في عهد الرئيس زين العابدين بن علي الذي زيّن مرحلته بأحزاب صورية.
بعد الثورة، تعرضت شريحة رجال الأعمال لاتهامات واسعة من الرأي العام، نظراً للعلاقات العضوية التي ربطت عدداً من كبار المستثمرين بأسرتي بن علي والطرابلسي. وهذا ملفٌ تداعياته مستمرة. لهذا، تعامل عموم المستثمرين بحذرٍ كبير مع الشأن السياسي في تلك المرحلة. وعندما جاءت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في سنة 2011، قدّم بعضهم دعماً مالياً، بشكل خفي، لأحزابٍ استفادت من ذلك، في طريقها إلى الوصول إلى السلطة.

اليوم، وبمناسبة انتخاب أول برلمان ديموقراطي لا يخضع لحزب مهيمن، غيّر رجال الأعمال، أو جزء منهم على الأقل، تكتيكاتهم، وقرّروا الخروج إلى العلن، والمشاركة المباشرة، ودون حجاب، في العملية السياسية. ثمانية منهم وضعتهم حركة النهضة على رأس ثلث قوائمها، وتصدّر آخرون إحدى عشرة قائمة، من حزب نداء تونس، حتى الجبهة الشعبية، ذات التوجه اليساري، استعانت بثلاثة منهم لخوض المعركة الانتخابية.

تبرّر الأحزاب هذا التوجه القوي نحو الاستعانة بأصحاب رؤوس الأموال بالقول إن هؤلاء جزء حيوي من شرائح المجتمع، ليس من مصلحة الوطن تغييبهم عن مراكز صنع السياسات. وهو قولٌ سليم من حيث المبدأ، لأن تونس تحتاج إلى كل أبنائها، خصوصاً في هذه المرحلة الانتقالية الصعبة. وقد أثبتت الوقائع دور رجال الأعمال الحيوي في إنقاذ الدولة، وحماية السلم الأهلي، لأنه من دون مشاركةٍ فاعلةٍ منهم ينهار الاقتصاد، وتتصاعد نسب البطالة، وينتشر القلق الاجتماعي، وتصبح البلاد على شفى جرف هارٍ. لكن، مع ذلك هناك نقطتان في هذا السياق:

- مهم جداً إبعاد هذه المسألة عن المناورات الحزبية، واعتبارها محاولة من بعض هذه الأحزاب لتقديم نفسها بصورة الأقدر على ضم شخصياتٍ فاعلة في المجتمع. وبالتالي، تحويل بعض رجال الأعمال، أو بقية نجوم المجتمع، إلى طُعم انتخابي. وقد ترتبت عن ذلك أزمات عاشتها أحزاب عديدة، عندما ضحّت بمناضليها، لترضية حسابات فوقية، ما أدى، أحياناً، إلى موجة استقالات جماعية، مثلما حصل في حزب نداء تونس. ومن شأن هذا الوضع أن يفسد العملية السياسية، ويحولها إلى لعبةٍ قائمةٍ على الغش والخداع، وتلميع وجوه على حساب أخرى، وإنْ تمكنت حركة النهضة من السيطرة على ردود الأفعال داخلها، وإنْ لم يحل ذلك دون انتقادات واسعة، وجهها إليها معلقون كثيرون.

- تخص المسألة الثانية ما قد يترتب عن سيناريو زواج المال بالسلطة، وهو زواج لم يكن، في أغلب الحالات، سعيداً ولا مفيداً. فالحركات الاحتجاجية التي هزّت أركان أنظمة عديدة في المنطقة العربية كان من أسبابها خضوع الدولة لمصالح فئةٍ صغيرةٍ على حساب مصالح الفئات الأوسع في المجتمع. ومثالاً، الحكومة التي تشكلت، في آخر عهد الرئيس حسني مبارك في مصر، وأصبحت تعرف بحكومة رجال الأعمال، الذين تقاسموا فيما بينهم القطاعات الاقتصادية الرئيسية للبلاد، مقدّمين مصالحهم على حساب مصالح الشعب، فأدى ذلك إلى الإسراع بانهيار النظام. 

ولا يزال التونسيون في خطواتهم الأولى على درب الديموقراطية الطويل. ما يقتضي التقليل من نزعات التجريب والتورط في الحسابات الضيقة والظرفية، فالشعب التونسي لم يعد قادراً على مزيد من التحمل.