زمن القراءة أم الإعلان؟

زمن القراءة أم الإعلان؟

01 يونيو 2018
(مقطع من عمل لـ ضياء العزاوي/ العراق)
+ الخط -

في السبعينيات من القرن العشرين، كنّا نتابع الكتب الجديدة في مكتبات دمشق المعروفة: النوري، ودار دمشق، والكاتب العربي ودار اليقظة، وميسلون وغيرها. كانت بضعة أسماء من الروائيين هي التي تظهر في واجهات المكتبات، إذ كان عددهم قليلاً، في سورية خاصة، وفي العالم العربي. ولهذا كان من المرجح أن تبقى رواياتهم معروضة في واجهات المكتبات لزمن طويل قبل أن تتلفها أشعة الشمس، أو تنفذ طبعتها، وهو أمر مستبعد، بسبب ضعف القراءة المزمن في بلادنا. ولهذا لم تكن الرواية تعاني من الزحام أو التحدي على الصعيد المحلي.

وبفضل هذه الميزة، بات اسم الروائي ينتشر ببطء وبقوة في الوسط الثقافي العام، مما يكسبه شهرة ناجمة عن الحضور الدائم في الواجهات، أو عن تكرار الاسم من قبل النقاد الذين انشغلوا بالمنتج، أو القرّاء الذين لم يجدوا غيره، قبل أن تقدّر قيمته الفنية.

يذكر إدوارد سعيد في كتابه "الأنسنية والنقد الديموقراطي" أن ارتفاع حجم الإجمالي من الكتب التي صدرت بعد الحرب العالمية الثانية، في أميركا مثلاً، أدى إلى قصر أعمار تلك الكتب في التداول بين القراء، بل إن ذلك قد أفضى إلى زوال الكثير من العناوين بسبب المنافسات في سوق المؤلفات. ولنا أن نتخيّل بناء على هذا، أن الكتاب الجديد يزحزح القديم الذي لم يمضِ على نشره بضعة أشهر، لا بسبب أهمية مضمونه، أو راهنية القضايا التي يناقشها، بل بسبب حاجة أصحاب المكتبات، أو أعمدة الصحف لعرض الجديد من الكتب.

يختلف الأمر اليوم كثيراً عن سنوات السبعينيات، وربما كنا أقرب إلى التوصيف الذي قدّمه إدوارد سعيد، ويمكن المقارنة بين الحقبتين بهذا الخصوص، إذ تصدر في أيامنا مئات الروايات في كافة أنحاء العالم العربي، ويبدو كأن الروائيين في سباق مع الزمن، دون أن يدركوا أن الزمن نفسه قد يكون سبباً في كساد رواياتهم، أو زوالها، بعضها أو كلها. فالارتباط بزيادة المنتج في السوق، قد يضع الكتاب، والرواية اليوم تعتبر من أكثر الكتب مبيعاً، في منافسة شبه سلعية لا علاقة لها بالجودة، وفن الكتابة، والرسالة التي تحملها، بل بقوة الإعلان والدعاية.

وأخطر ما في الأمر أن يكون الروائي مضطراً للمشاركة في المنافسات الإعلانية، أو أن ينشغل بموضوع التوزيع الذي يحقق له الانتشار، وقد يكون من المناسب هنا أن نسأل الروائي العربي خاصة، مع أي زمن يمكن أن يخوض السباق: زمن القراء أم زمن المعلنين؟

وقد تُحدث الجوائز مفعولاً يشبه إلى حد بعيد مفعول الإعلان. إذ حين يتم اختيار القوائم المرشحة للجائزة، تكتفي الصحف والمجلات ووسائل التواصل بهذه الأسماء من بين مئات الروايات المشاركة في المسابقة، ولدي العديد من الأمثلة عن روايات عربية جيّدة حرمتها إعلانات الجوائز من أن تعرض في المكتبات، أو تُقرأ. في حين كانت أعمال أخرى أقل منها جودة وأهمية قد عامت في سوق القراءة بسبب وجودها في قائمة الترشيحات، أو بفضل نجاح التسويق التجاري.

دلالات

المساهمون