أصدر مركز "هدرو" لدعم التعبير الرقمي (منظمة مجتمع مدني مصرية) تقريراً حديثاً، اليوم الإثنين، تناول فيه قضية حرية تداول المعلومات في مصر والحديث عن الأنظمة القانونية والمقارنة بأنظمة قانونية على مستوى الدول والمنظمات الدولية. وبحسب التقرير "يُؤخذ على مشروع القانون عدم وضع ضوابط منطقية للرسوم الخاصة بطلب الحصول على المعلومات، وكذلك ضبط تعريفات اصطلاحية بخصوص الأمن القومي وترك سلطة تقديرية للجهة الإدارية في المادة 28 عقوبات".
ونقل التقرير عن وكيل نقابة الصحافيين المصريين السابق، خالد البلشي، أن "القانون الجديد يكرّس الوضع القائم بما فيه من سيطرة على الإعلام من خلال إنشاء مجلس تختار السلطة التنفيذية أعضاءه".
وأشار التقرير إلى أنه "عملياً هناك ملاحقة ناشطي الإنترنت بخصوص تداول المعلومات، منها محكمة عسكرية حكمت في عام 2010 على مدون إلكتروني بالحبس 6 أشهر لإفشائه أسراراً عسكرية بالرغم من أنها معلومات متداولة، وذلك بسبب أن المشرّع ﻗﺪ توسّع في حظر ﺗﺪاول ﻫﺬا اﻟﻨﻮع من المعلومات من قبل الأفراد حتى وإن سبق نشرها بواسطة القوات المسلحة".
وطرح التقرير ما حدث في مصر بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في إطار ملف حرية تداول المعلومات. وقال "لقد برز الحق في معرفة الحقيقة بوصفه مفهوماً قانونياً على كافة الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية، ويرتبط ذلك الحق بالتزام الدولة بتوفير المعلومات والحقائق لكل المجتمع".
وتطرّق التقرير إلى حرية تداول المعلومات في الدستور السابق بعد الثورة وفي الدستور الحالي، وكذلك حرية تداول المعلومات في التشريعات، ضمن القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة، ومشروع قانون حرية تداول المعلومات المطروح في مجلس النواب، وحرية تداول المعلومات في المعاهدات الدولية، وكذا ﺣﺮﻳﺔ تداول المعلومات في مواثيق الأمم المتحدة، والمواثيق الإقليمية، ومنظمة ﺍﻟﺪﻭﻝ الأميركية.
وأشار التقرير لثلاثة تشريعات مهمة تمسّ قضية تداول المعلومات، تشمل القانون رقم 20 لسنة 1963 بحظر تداول أنواع معينة من المطبوعات، والقانون رقم 121 لسنة 1975 المحافظة على الوثاﺋﻖ الرسمية ﻟﻠﺪوﻟﺔ وﺗﻨﻈﻴﻢ أﺳﻠﻮب ﻧﺸﺮﻫﺎ، وقانون المخابرات رقم 14 لسنة 1967 بحظر نشر اي أخبار عن القوات المسلحة.
وينص الدستور المعمول به في الوقت الحالي لعام 2014 في المادة 68 على أن: "المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمداً، وتلتزم مؤسسات الدولة بإيداع الوثائق الرسمية بعد الانتهاء من فترة العمل بها، بدار الوثائق القومية، وحمايتها وتأمينها من الضياع أو التلف، وترميمها ورقمنتها، بجميع الوسائل والأدوات الحديثة، وفقاً للقانون".
وأشار التقرير إلى أن مشروع القانون الذي أعده المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المصري، وفقاً لتصريح عضو المجلس، هدى زكريا، في 28 مادة، ينص على أنه للكافة الحق في الحصول على المعلومات والبيانات التي لدى الجهات العامة بالدولة، ويتعيّن على هذه الجهات الكشف عن المعلومات والبيانات المحتفظ بها لديها وفقاً للشروط والأحكام المنصوص عليها في هذا القانون.
وحدد مشروع القانون الشروط في "ألا تتعلق المعلومات أو البيانات المطلوب توفيرها من أجهزة الدولة بـ (الأمن القومي، الأسرار الصناعية والتجارية، المفاوضات التجارية، التحقيقات القضائية المحظور النشر فيها، المعلومات الشخصية)".
وبموجب المشروع، ينشأ مجلس "أعلى للمعلومات" يختص بإبداء الرأي في مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة بمجال عمله، ووضع السياسات العامة المتعلقة بالإفصاح وتداول المعلومات، ومتابعة قيام الجهات المخاطبة بأحكام هذا القانون بأداء التزاماتها المقررة قانونًا.وأعطى المشروع للجهة الحكومية حق رفض الإفصاح عن المعلومات أو البيانات إذا كان كشفُها يضرّ بعلاقات مصر مع دولة أخرى أو منظمة دولية أو عندما تؤدي المعلومات إلى عرقلة الكشف عن جريمة، أو القبض على الجناة أو ملاحقتهم، أو إعاقة إجراءات التحقيق.
وفي ما عدا تلك المحظورات، ألزم مشروع القانون أجهزة الدولة أن تنشر بشكل فوري، ورقياً أو إلكترونياً، كافة القرارات والسياسات التي تؤثر على الجمهور والمبررات المتعلقة بها، والإجراءات المتبعة في عمليات صنع القرار، بحسب التقرير.
كما أعطى لكل مَن يرغب في الحصول على معلومة أن يتقدم إلى الجهة المختصة لتقديم طلب والحصول على إيصال، على أن يكون للجهة أن ترد على الطلب خلال سبعة أيام عمل من تاريخ تقديمه. وعندما يتعلق الطلب بعدد ضخم من الوثائق على الجهة أن ترد في موعد غايته 30 يوماً، وفي حالة رفض الطلب لا بد أن يكون الرفض مسبباً، ويحق لمقدم الطلب التظلم إلى المجلس الأعلى للمعلومات خلال 60 يوماً من تاريخ الرفض، ليرد الأخير على التظلم خلال سبعة أيام على الأكثر، وبعدها يكون لصاحب الشأن اللجوء إلى القضاء الإداري، وفقاً للتقرير.
ومنح القانون للقضاء سلطة التصريح بإتاحة كافة البيانات والمعلومات بما فيها المتعلقة بالأمن القومي والأسرار التجارية وغيرها.
أخيرا، تم الإعلان عن غلق باب الترشّح إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولتستقر القائمة الأولية للمترشحين على 98 مرشحا، تم البتّ في عدم أهلية 25 منهم للترشح، أحدهم سيف الإسلام القذافي، قبل إعلان القائمة النهائية لمن يحقّ لهم خوض السباق الانتخابي. وبغض النظر عن أسماء المرشّحين، يظل السؤال الأهم لمتابعي المشهد الليبي: هل يمكن لهذه الانتخابات الرئاسية، وفي ظل الملابسات الحالية، أن تمثل حلاّ للأزمة الليبية، وسبيلا للخروج من حالة الحرب إلى الاستقرار الذي يتمنّاه الليبيون؟
المتمعن في قائمة المترشحين للانتخابات سيجد نفسه أمام أسماء لشخصيات لم يعرف عنها يوما أنها تؤمن بالديمقراطية أو التداول السلمي على السلطة، فخليفة حفتر اقترن اسمه بالانقلابات المتتالية وقيادة مليشيات دموية عنيفة، وثمّة شخصيات سياسية غير توافقية مثل عقيلة صالح، بالإضافة إلى قيادات أخرى لمعت أسماؤها في أثناء النزاع المسلح بين مناطق ليبيا المختلفة. وهذا لا ينفي وجود أسماء لمرشّحين من خارج سياق المليشيات، مثل رئيس حكومة الوحدة الوطنية الحالي، عبد الحميد الدبيبة، إلا أن هذا كله لا يعني أن السياق الانتخابي الذي تصرّ القوى الدولية النافذة على إتمامه في موعده لا يتضمن، في ذاته، عوائق وألغاما متفجّرة على الطريق قد تعيد المشهد الليبي إلى الوراء، إذا لم يُحسِن الجميع التعامل معها.
في ظل عقلية المغالبة ونفي الآخر ربما يصبح القبول بنتائج الانتخابات مشكلة جديدة، تُضاف إلى قائمة المشكلات التي تعانيها ليبيا
من خلال خريطة مواقع النفوذ، سيكون من السهل ملاحظة النزاع الذي سينشأ بين أتباع سيف الإسلام القذافي، وإن تم استبعاده، ومليشيات حفتر في مناطق الشرق والجنوب. وإذا أضفنا المرشح عقيلة صالح فسيكون ربما الحلقة الأضعف ضمن مناطق الشرق الليبي. في المقابل، ستكون مناطق الغرب الليبي مسرحا لصراع انتخابي قوي بين فتحي باشاغا وعبد الحميد الدبيبة ووجوه أخرى أقل حظا في ظل القائمة الواسعة للمترشّحين.
على الرغم من معارضة بعضهم للقانون الانتخابي الحالي، وسعيهم إلى تأجيل الانتخابات، إلا أن الأكيد أن الانتخابات ستجرى في موعدها، ووفقا للقوانين غير المتوافق عليها. وإذا سارت الأمور نحو صعود أحد زعماء المليشيات، فقد تجد ليبيا نفسها أمام أزمةٍ أشد تعقيدا مما هي عليه الآن. ذلك أن بعض الجهات الدولية التي سوّقت فكرة أن الحل يكمن في تنظيم الانتخابات لا يخفي دعمه المعلن شخصيات سلطوية لا تؤمن بالديمقراطية، فالدعم الروسي لسيف القذافي أو الدعم الذي يجده خليفة حفتر من قوى إقليمية لا يمكن أن يكون دافعه الإيمان بالتعدّدية أو التفكير ببناء نظام ديمقراطي حقيقي في البلاد.
لا يمكن إنكار حقيقية أن الانتخابات هي الآلية الأمثل لاختيار من يحكم بلدا ما، ولكنها ليست هي الديمقراطية، بل ينبغي أن تتوفر عوامل وأدوات مساعدة لكي تتحوّل الانتخابات إلى جزء من نظام ديمقراطي حقيقي. ولنا في التاريخ أكثر من نموذج عن شخصياتٍ وصلت إلى السلطة عبر الانتخابات الحرّة، ولكنها انقلبت على المسار الديمقراطي، فما بالك بشخصياتٍ تعلن منذ الآن عن نزعات شمولية، وتبشّر بعودة نظام الاستبداد، وهو ما يعني بالتأكيد عدم استقرار البلاد، لأن ليبيا الحالية لم يعد ممكنا حكمها على طريقة معمر القذافي، وليس من الممكن إلغاء التنوع السياسي والإيديولوجي، بالإضافة إلى التنوع القبلي والإثني الموجود فيها.
ليست مشكلة ليبيا في مجرد اختيار شخص لرئاسة الدولة عبر الانتخابات، وإنما في غياب روح الثقافة الديمقراطية
ليست مشكلة ليبيا في مجرد اختيار شخص لرئاسة الدولة عبر الانتخابات، وإنما في غياب روح الثقافة الديمقراطية، لأن من الأكيد أن الوجوه السياسية ذاتها التي صنعت الأزمة ستصعد إلى المرحلة المقبلة بالعقلية والفشل نفسيهما في إدارة المرحلة السابقة. وفي ظل عقلية المغالبة ونفي الآخر ربما يصبح القبول بنتائج الانتخابات مشكلة جديدة، تُضاف إلى قائمة المشكلات التي تعانيها ليبيا.
شرط نجاح أي عملية انتخابية واعتبارها مدخلا للحل يستلزم، قبل كل شي، قبول النخب الرئيسية لشرعية الديمقراطية، والاعتقاد بأن الأسلوب الديمقراطي للوصول إلى الحكم هو الخيار الوحيد، وأنه لا توجد خيارات أخرى، بمعنى عدم وجود احتمال لجوء أحد الأطراف المشاركة في العملية السياسية إلى استخدام أساليب للتعامل مع الفاعلين الآخرين، أو للوصول إلى السلطة من غير الطريق الديمقراطي وخارج المؤسسات الشرعية. ولا يتوفر هذا الشرط بشكل حاسم في المشهد الليبي الحالي، وهو ما يعني أن الانتخابات وحدها لا تكفي، وإنما ينبغي أن يلتزم الطرف الفائز بتحقيق التوافقات الضرورية، وأن يظل الوضع تحت الرقابة إلى حين استكمال المؤسسات الضرورية لإدارة البلاد، وهو ما يبدو أمرا في حكم المجهول، على الأقل في المرحلة الراهنة.