ريتشارد ميرفي:سفير أميركا للعرب 1/ 2

ريتشارد ميرفي:سفير أميركا للعرب 1/ 2

أنس أزرق

avata
أنس أزرق
15 سبتمبر 2014
+ الخط -
تركزت خدمة السفير الأميركي الأسبق، ريتشارد ميرفي، خلال عمله في الخارجية الأميركية بين عامي 1955و1989، على المنطقة العربية. الاستثناء الوحيد كانت مهمته في الفيليبين 1978-1981، فقد خدم سفيراً لبلاده في موريتانيا (1971-1974)، ثم في سورية (1974-1978)، ولاحقاً في السعودية (1981- 1983). قبل أن يعيد افتتاح سفارة بلاده في موريتانيا عام 1971، والتي أغلقت بعد نكسة 1967، عمل في سفارات وقنصليات الولايات المتحدة في بيروت وحلب وجدة وعمان.

كما تسلم إدارة قسم شبه الجزيرة العربية بين عامي 1968-1971، وأنهى خدمته في الخارجية مساعداً لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا بين عامي 1983-1989. قابل السفير ميرفي معظم الزعماء العرب، وكان من صانعي جهود عملية التسوية في المنطقة وشاهداً على العلاقات العربية الأميركية، كما عني بخاصة بالملف اللبناني وعرف باتفاقه الشهير مع الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، "الضاهر أو الفوضى"، في إشارة إلى النائب السابق مخايل الضاهر، الذي كان الأسد يريده رئيساً للجمهورية. "العربي الجديد" التقت ريتشارد ميرفي، والذي تجاوز الثمانين عاماً، ولا يزال نشطاً يستمع بكل هدوء لمحاوريه ويجيب عن أسئلتهم بذاكرة متقدة ولا يفصح إلا عن القليل من أسرار كثيرة.
 
كان الأسد يريد حالة اللاحرب

* نبدأ من دمشق التي أعدت فتح السفارة الأميركية فيها 1974. كيف كانت المهمة؟

- تم إرسالي مباشرة عقب حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 لإعادة فتح السفارة في دمشق، بعدما كانت مغلقة منذ حرب الأيام الستة 1967. وبعد انتهاء مهمتي كسفير في دمشق كنت أعود إلى هناك كثيراً بصفتي مساعد أمين شؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا. وبعدها أيضاً عندما انضممت لمجلس الشؤون الخارجية في نيويورك. وبالتالي سنحت لي الفرصة لزيارة سورية والمنطقة مراراً.

كانت جهودنا في الفترة التي كنت فيها سفيراً في دمشق تنصب على مهمتين أساسيتين، إحداهما محاولة إقناع الحكومة السورية بالانضمام إلى عملية السلام. لم تبدأ عملية السلام فعلياً حتى توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. ولكننا كنا نحاول الاستعداد لها في أعقاب حرب 1973. بدا أن هناك إمكانية جديدة لمناقشة موضوعات السلام وترتيباته. وكان موقف الرئيس حافظ الأسد كالتالي "لا أملك السلطة لتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، فالسلام لا يمكن تحقيقه إلا بين شعبين، وكلا الشعبين الإسرائيلي والسوري غير مستعدين لذلك.

هذا عمل جيل بأكمله. ما يمكنني القيام به هو توقيع اتفاقية على حالة اللاحرب". كان الأسد مهتما جداً بالتعاون مع الحكومة الأميركية للتعرف إلى الجهود التي بذلها وزير الخارجية آنذاك هنري كيسنجر للتفاوض على استعادة الأرض المحتلة 1967 ثم "معالجة نتائج حرب" 1973، وقد توصل كيسنجر إلى اتفاقية فض الاشتباك بين السوريين والإسرائيليين.

ظن الرئيس – وأنا أيضاً – أن ذلك الوضع يمكن أن يستمر، ولكن الاهتمام توجه إلى التفاهم المصري الإسرائيلي منذ أواخر 1973. تم التوصل إلى اتفاقية فض الاشتباك في مارس/آذار 1974 بعد محادثات مكثفة أعادت حدود ما تم احتلاله 1967. انسحب الإسرائيليون، لم تكن هناك أي محادثات مباشرة بين إسرائيل وسورية كالتي حدثت بين الإسرائيليين والمصريين عقب حرب أكتوبر. وكان موقف الرئيس الأسد هو أن العالم العربي يجب أن يظل في مجموعة واحدة لأن السلام لن يأتي إلا إذا اتفقنا جميعاً.

وذلك لم يعد ممكناً بمجرد توجه السادات نحو اتفاقية سلام. كنت قد تركت سورية قبل توقيع اتفاقية كامب ديفيد، ولكن كان من الواضح أنه شعر بإهانة شديدة، واستاء بشدة مما رأى أنه كسر للتفاهم بين سورية ومصر لتحقيق السلام. كان الإسرائيليون مهتمين بتحقيق السلام مع مصر كما قالوا، أي السلام مع دولة بوسعها شن حرب خطيرة علينا. كانت هذه إحدى مسؤولياتنا. أما الثانية فكانت محاولة ضمان أن الحرب الأهلية اللبنانية وتدخل القوات السورية في لبنان لن يؤديا إلى تفاقم الأزمة بين سورية ولبنان وإسرائيل.

 لا يهمه الوقت!

* كم مرة التقيت الرئيس الراحل حافظ الأسد؟
كثيراً، لم أعد أتذكر عدد المرات. أذكر أن الاجتماعات كانت تطول جداً. وفي بعض الأحيان، كان الاجتماع يستغرق ست ساعات. كان حافظ الأسد يتمتع بذاكرة مذهلة، فعندما عدت للقائه كمساعد للوزير في عام 1983، أي بعد مرور سنوات، شرح موقفه من موضوع معين، قائلاً "لا، لا. لقد شرحت ذلك لك من قبل. لم تكن جالساً هنا لأنهم كانوا يصلحون اللوحة في المكتب، بل كنا نجلس هناك".

كان محقاً، فقد تذكرت هذا الموقف بعد أن ذكره. كان يحكم سورية بقبضة محكمة. كان الشخص الرئيسي الذي تعاملت معه، إلى جانب وزير الخارجية عبد الحليم خدام، الذي كان كثيراً ما يحضر الاجتماعات مع الرئيس، وطبعا كنت أنقل الرسائل للرئيس من كيسنجر وبعدها من الوزير سايروس فانس حيث كان لكل منهما رسائل للمتابعة. بهذه المرحلة كان هناك أمل كبير أن يلي فض الاشتباك مرحلة ثانية أو ثالثة. لكن الأسد قال "لا يهمني كم من الوقت يستغرق الأمر، كل ما أحتاج إلى معرفته، أنه في النهاية يجب إعادة كل متر من أرضنا إلى السيادة السورية".

* هل كانت هذه اللقاءات مريحة أم كانت تصل إلى نقاط اختلاف؟
لقد كان متحضراً، وكان النقاش مهذباً وهادئاً جداً. لم يكن يتحمس أبداً، كما أنني لا أميل إلى الصراخ في وجه الرؤساء. كان الحديث مباشراً. وفي اجتماعي الأخير معه، بعد عام 1988 على ما أعتقد، أذكر أنني قلت له "في جميع السنوات التي اجتمعنا فيها لمناقشة مختلف المواضيع، لا أعتقد أنك قبلت أياً من أفكاري". فنظر إليّ بابتسامة بسيطة، وقال "هذا لأنك لم تجلب لي أي أفكار جيدة!". وكان يشرح الموقف السوري بإفاضة. الموقف السوري الأساسي لم يتغير قط.

وفي الواقع، بعد أن تركت عملي في الحكومة الأميركية وتوجهت إلى العمل الخاص، وفي حضور الرئيس كلينتون في آخر اجتماع عقده الأسد مع رئيس أميركي، والذي كان قبل أشهر قليلة من وفاته، علم الأسد أن العرض الإسرائيلي بالانسحاب الكامل كان يستثني شريطاً رفيعاً من الأرض. وقال "لم يكن هذا ما اتفقت عليه. فقد قلت منذ البداية، وأنت من بين الجميع تعلم موقفي: يجب إعادة كل متر".


 الخطوط الحمر

* هل كانت هناك رعاية أميركية لدخول القوات السورية إلى لبنان؟ وهل كان هناك اتفاق سمي الخطوط الحمر؟
كانت مهمتي الثانية هي التواصل الوثيق مع السوريين بشأن المخاطر التي كانت واضحة بالنسبة لنا، لأننا كنا نسمعها من الإسرائيليين. ولم يكن سراً أن الإسرائيليين والسوريين يعتبرون أنفسهم أعداء، وأي شيء يمكن تفسيره على أنه تحريض سوري على الهجوم عن طريق الأراضي اللبنانية، ليس عن طريق هضبة الجولان، ولكن عن طريق البقاع أو الجنوب، قد يخلق وضعاً خطيراً ومعرضاً للتفاقم.

لذا كان هناك نقاش حول ما سُمي بـ "اتفاقية الخطوط الحمر" التي أفادت بأنه في حالة تحرك الحكومة السورية، يجب أن تكون هناك بعض الحدود لذلك، وقد أثرت هذه الحدود على الطيران في الجنوب قرب الحدود الإسرائيلية، وعلى طبيعة المعدات الثقيلة. وبالنظر إلى الوراء، أعتقد أن الرئيس الأسد ومستشاريه تعاملوا مع هذا الأمر بحرص وحذر شديدين. وعندما قرروا إرسال القوات، أرسلوها إلى الحدود وليس عبرها.

وبعد مرور يوم تقريباً، عبرت مجموعة صغيرة منهم الحدود في حركة مدروسة. ولعل هذه الخطوط الحمر التي تشير إليها كانت ما تزال قائمة في عام 1982 أي بعد ذلك بسبع سنوات. ولكن ذلك لم المعركة الجوية عام 1982 حيث خسرت سورية الكثير من طائراتها.

* إذن كان هناك اتفاق خطوط حمر عام 76؟

نعم، عام 1976. لم يقل السوريون إلى متى سيبقون، ولكنهم أتوا للمساعدة. وكما كان الرئيس الأسد يذكّرنا دائماً، فقد أرسل قواته بناء على طلب الرئيس اللبناني. كنا على تواصل. وكان الإسرائيليون يعبرون عن آرائهم التي ننقلها بدورنا إلى السوريين. لم يجتمعوا سراً، ولكنهم كانوا يثقون بنا لننقل بدقة مواقف الإسرائيليين لهم وبالعكس، من دمشق إلى وزارة الدفاع في تل أبيب.

علاقات ملتبسة:

زار الرئيس الأميركي نيكسون دمشق في 6 يونيو /حزيران 1974 بعد حرب تشرين واتفق مع الرئيس السوري حافظ الأسد على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، فكلف نيكسون بهذه المهمة ريتشارد ميرفي الذي لم يكن حاضراً الزيارة فحين سمى الأسد الدكتور صباح قباني، مؤسس التلفزيون السوري وشقيق الشاعر نزار قباني، سفيراً لدمشق في واشنطن وبقي هناك حتى 1980، ليخلفه الدبلوماسي الراحل رفيق جيوجياتي.

وكان الرئيس السوري الأسبق ناظم القدسي، والذي اطيح به 1963، قد عين أوّل سفير لسورية في الولايات المتحدة عام 1945 وقدم أوراق اعتماده للرئيس روزفلت. وكذلك شغل موقع السفير السوري في واشنطن الشاعر المعروف عمر أبو ريشة واقام علاقة متميزة مع الرئيس كنيدي. يذكر أن محمد علي العابد، وهو أوّل من حمل لقب رئيس الجمهورية السورية، كان سفيراً للسلطنة العثمانية في واشنطن عام 1908.

فحين عينت الولايات المتحدة قناصل لها في حلب وبيروت بعد اتفاق تجاري مع الإمبراطورية العثمانية 1835، أنشئت هيئة قنصلية عام 1847 في مدينة حلب. أصبح جورج وادزورث أول دبلوماسي أميركي معتمد لدى سورية ولبنان معاً (1942) وأقام في بيروت. تأخرت الحكومة الأميركية حتى 1952 لرفع تمثيلها الدبلوماسي إلى سفارة فكان جيمس اس مووس جونيور أوّل سفير أميركي في دمشق.

دلالات

ذات صلة

الصورة
عاشت حلب 1980 اقسى ايام حياتها.

سياسة

يتابع النقابي والسجين السياسي السوري غسان النجار رواية فصول من قتل المجتمع في سورية، حيث يكشف أنه وزملاؤه لم يحاكموا طلية السنوات التي قضاها في السجن.
الصورة
غسان النجار أمين سر نقابة المهندسين في حلب 1980 متحدثا للعربي الجديد (العربي الجديد)

سياسة

واجه نظام الرئيس حافظ الاسد عام 1980 انتفاضة شعبية في مدينة حلب سبقها صراع مسلح مع الطليعة المقاتلة واستغل النظام هذا الصراع للقضاء على اخر صوت للحرية في البلاد
الصورة
بهجت سليمان

سياسة

أعلنت وكالة أنباء النظام السوري "سانا"، اليوم الخميس، وفاة اللواء بهجت سليمان سفير النظام السوري السابق في الأردن، وأحد أبرز قياداته الأمنية السابقة.
الصورة
كتاب عدنان أبو عودة

سياسة

يصدر قريبا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات "يوميات عدنان أبو عودة.. 1970- 1988". ويشتمل على مقابلة مع صاحبه، عن دراسته، بيئته العائلية، انتماءاته الحزبية، عمله في الخليج، التحاقه بجهاز المخابرات العامة، علاقته بالملك حسين، وتفصيلات عن مسؤوليات تولاها.

المساهمون