روسيا والانتخابات في الغرب.. الحرب الجديدة

روسيا والانتخابات في الغرب.. الحرب الجديدة

26 مايو 2017
("الأميركيون" برنامج تلفزيوني حول الجوسسة، تصوير: جيويل صمد)
+ الخط -

شهد العالم تهكّم المرشّح دونالد ترامب، أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية في أميركا، على أجهزة المخابرات الأميركية التي اتهمت الحكومة الروسية بالتدخّل في الانتخابات الأميركية من خلال السعي للتأثير على حملة مرشّحة الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتون.

ولكن هذه الأجهزة لم تتراجع عن مزاعمها بعد تولّي ترامب للرئاسة، وأكدت 17 وكالة استخبارية أميركية حيازتها على أدلّة على التدخّل الروسي عن طريق الدعاية المغرضة في الانتخابات الأميركية 2016، من أجل فوز ترامب، وقرصنة الهيئات التي كانت تناصر مرشّحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون.لا تزال هذه المسألة تثير متاعب للإدارة الأميركية الحالية، ولا شك أنها ستستمرّ في إزعاجها إلى غاية نهاية عهدة الرئيس الأميركي الحالي.

في ألمانيا أيضًا التي ستشهد عمّا قريب انتخابات هامّة، اشتكى قياديو الحزب المسيحي الديمقراطي الألماني، الذي تقوده ميركل، أكثر من مرّة، من تعرّض مواقعهم الإلكترونية لحملات قرصنة، ولانتشار إشاعات بشكل ممنهج ضدّهم للتأثير على حملتهم الانتخابية. في هذه الحالة أيضًا، دون أن يتمّ اتهام الحكومة الروسية بشكل رسمي، تبنّت وسائل الإعلام صراحة المسألة ووجهت أنظارها إلى الأجهزة الأمنية الروسية.

عرفت الانتخابات الرئاسية الفرنسية بدورها، مع كل الأهمية التي تمثلها فرنسا داخل الاتحاد الأوروبي، نفس الاهتمام ومحاولات تدخّل. البداية كانت في شهر فبراير/ شباط 2017، لما أعلن فريق الحملة الانتخابية للرئيس الفرنسي الحالي ماكرون، أن موقعه الإلكتروني تعرّض لحملة منظمة للقرصنة، وأنه يعتقد أن الهجمات انطلقت من روسيا وبعض بلدان أوروبا الشرقية.

في الحالة الفرنسية، يمكن أن نقول إن محاولة التأثير الروسي كانت واضحة، فقد استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كلا من فرانسوا فيون ومارين لوبان (مارس/ آذار 2017) مرشحا اليمين الفرنسي واليمين المتطرّف على التوالي. وأكد في كل مرّة على أن ترؤس أحدهما لفرنسا سيكون أمرًا جيّدًا.

من جهتها، دخلت قناة روسيا اليوم الناطقة باللغة الفرنسية على الخطّ بقوة. وإن كان من المعروف أن وسائل الإعلام تخدم أهداف من يموّلها، ولكن هنا لم يتعلق الأمر بمحاولة التأثير على الرأي العام، بل تعلق الأمر باتهامات دعائية ومغرضة ومغلوطة. فقد انتشرت أيامًا قبل انتخاب الرئيس الفرنسي الحالي، ماكرون، معلومات حول امتلاكه لحساب بنكي مخفي في دولة الباهاماس (أميركا الوسطى)، وحتى حول حياته الخاصّة في أخبار زائفة راجت أيّامًا قليلة قبل الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية الفرنسية. بشكل واضح، أكدت الأجهزة الاستخبارية الفرنسية أن مصدر هذه الحملة على الإنترنت أتى من روسيا، دون أن تتّهم بشكل رسمي الحكومة الروسية.

وبشكل عام في الانتخابات الأوروبية الأخيرة كلّها، على غرار انتخابات هولندا وبريطانيا، يبدو أن هناك نزعة روسية لدعم الأحزاب الشعبوية واليمين المتطرّف، فيما لا يخدم الجالية العربية والمسلمة المقيمة في أوروبا، لأن هذه الأحزاب تستخدم خطاب الكراهية والعنصرية وتعادي المسلمين.

لم تقتصر هذه الاتهامات على بلدان غربية فحسب، فحتى إيران التي تعتبر قريبة من روسيا، تشكّت من احتمال تدخل روسيا في انتخاباتها الأخيرة لصالح مرشّحين أقرب إلى سياساتها. وهذا ما دفع مثلًا بالسفير الروسي في طهران لوان جاغاريان إلى نفي الأمر بشكل قاطع في شهر فبراير/ شباط 2017، أمام رواج هذه الاتهامات بين الإيرانيين.

ولكن في المقابل، تزيد التسريبات التي نشرها ويكيليكس في مارس/ آذار الماضي، من الارتباك في هذه المسألة المعقدة التي لا يبدو أن لها وجهًا واحدًا؛ فقد نشرت منصّة التسريبات الشهيرة ويكيليكس وثائق سريّة مستقاة من جهاز سي.آي.إي عن قيام وكالة المخابرات الأميركية بتأسيس جهاز عبر تجنيد قراصنة محترفين، لشن هجمات إلكترونية على بلدان وشخصيات سياسية، واستخدام تقنيات لجعل الهجمات تبدو وكأنها تنطلق من عناوين آي.بي ببلدان أوروبا الشرقية لاسيما أوكرانيا. والهدف من ذلك واضح، وهو توريط قراصنة من روسيا، وربّما الحكومة الروسية بشكل رسمي. وكان العمل يتمّ بالأساس من القنصلية الأميركية في فرانكفورت التي اخترقها قراصنة ويكيليكس.

في النهاية، لا يمكن إلا التأكيد على أنه رغم تشابك هذه المعطيات، فإن هذه الاتهامات تبرز المخاوف المتنامية على الصعيد العالمي من النزعة الروسية للهيمنة، وللتدخّل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى. كما يجدر التساؤل حول ماهية هذه الأحداث، وعن إمكانية اعتبارها مقدمات الحروب الإلكترونية التي توقعها الكثير من الخبراء؛ حروب تتواجه فيها الأطراف خلف شاشات كمبيوتر بدلًا من أعالي البحار أو متاهات الصحراء.

المساهمون