روسيا لن تعادي أميركا من أجل العرب

روسيا لن تعادي أميركا من أجل العرب

02 سبتمبر 2014

سفينة استخبارية روسية تعبر مضيق البوسفور باتجاه سورية (5سبتمبر/2013/Getty)

+ الخط -

ينتظر العرب من روسيا البوتينية أن تحميهم من الولايات المتحدة وإسرائيل، كما كان يفعل الاتحاد السوفييتي، بدءاً من قناة السويس. لكن روسيا الحالية ليست الاتحاد السوفييتي، على الرغم من كل ما تكتبه الصحافة الغربية. فقد كانت قيادة الاتحاد السوفييتي تريد، بأي ثمن، نشر الأيديولوجيا الشيوعية، وإيجاد حلفاء، كي لا تخسر الحرب الباردة. بينما في الكرملين، اليوم، براغماتيون يعرفون جيداً كم كلفت الطموحات السوفييتية من المليارات.

معلوم أن روسيا شطبت، في العام 2006، ديون الجزائر البالغة 4.7 مليار دولار. وشطبت ديون ليبيا البالغة نحو 4.6 مليار دولار. وكذلك القسم الأعظم من ديون سورية، أي 10 من 13 مليار دولار. أما العراق فكان متوجباً عليه تسديد مبلغ 42 مليار دولار لروسيا، وبعد الشطب، بقي عليه أن يسدد 8.8 مليار دولار. والحديث هنا عن بلدان قادرة على تسديد ديونها، فقد كانت تحصل من تصدير نفطها سنوياً على مليارات الدولارات. لكنها رفضت بصورة قطعية تسديد الديون المترتبة عليها، من ثمن الأسلحة والمعدات الحربية التي كانت تتزود بها من موسكو. وبالتالي، لا يمكن أن يترك ذلك لدى الكرملين انطباعاً طيباً عن التعامل مع العرب. خصوصاً أن المبلغ الذي تم شطبه يعادل تقريبا نصف صندوق الضمان الاجتماعي الوطني الروسي. علما أن شطب الديون تم بمجمله في عهد بوتين، ولذلك، هو يعلم علم اليقين الثمن الذي دفعته روسيا من صداقتها مع العرب.

لكن، هل يحتمل أن تكون روسيا قد كسبت من سخائها مع العرب حلفاء مستعدين للدفاع عن مواقفها في العالم العربي على الأقل؟ على الإطلاق، لا. فالجزائر راحت تلعب، بصورة مفضوحة، على حبل الولايات المتحدة، ومعمر القذافي كان يحلم بلعب دور القوة العظمى، والأسد لم يكف عن صداقته مع أوروبا ومغازلة أميركا. ولم تمنح هذه البلدان أفضلية اقتصادية محددة لروسيا، علما أنه لا يجوز أن ننسى أن الجزائر وليبيا وقعتا عقود سلاح جديدة، كما منح العراق شركة "لوكويل" النفطية الروسية عقداً لتطوير حقل "القرنة الغربية-2".

وعموماً، لا تزال تجارة روسيا وتعاونها الاقتصادي مع العالم العربي محدودة جداً. وللمقارنة، فإن حجم التبادل التجاري بين روسيا الاتحادية ودولة صغيرة، مثل إسرائيل، أكبر منه مع مصر. فالبلدان العربية لم تصبح سوقاً للتكنولوجيا والاستثمارات الروسية، الأمر الذي فعلته إسرائيل بنجاح.

إلى جانب ذلك، كانت لدى الكرملين أسباب كافية لئلا ينظر إلى العرب بعين محبة، وخصوصاً إلى بلدان الخليج. ففي التسعينيات، من هناك بالذات، كان يحصل على التمويل الانفصاليون الشيشانيون الذين قاتلوا، سنوات طويلة، ضد الجيش الروسي، ونفذوا عمليات إرهابية دامية بحق المدنيين الروس. وهناك عامل آخر مهم، لا بد من أخذه بالاعتبار، هو أن روسيا، بخلاف الاتحاد السوفييتي، ليس لديها طموحات عالمية. فما يعني موسكو، الآن، فقط محيطها القريب، أي أوروبا والقوقاز وآسيا الوسطى والصين، لأن وضعها الاقتصادي والأمني على صلة مباشرة بهذه الأقاليم، وليس بالعالم العربي. وأهمية الشرق الأوسط، من وجهة نظر مصالح روسيا الجيوسياسية، تأتي ثانية، الأمر الذي تم الحديث عنه مباشرة في "نهج السياسة الخارجية لروسيا الاتحادية".

إضافة إلى ما سبق، لا تحتاج روسيا النفط العربي، فلديها فائض من النفط، بل تبحث عن أسواق. كما أن القواعد العسكرية في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي لا تحظى باهتمام موسكو الكبير. فهي غير مضطرة لحماية ناقلات النفط، لأنها تصدر موارد الطاقة عبر الأنابيب. وروسيا لا تحتاج إلى حشد أسطولها قبالة الأسطولين الأميركيين، الخامس والسادس.

المصلحة الوحيدة لروسيا في العالم العربي اقتصادية. فالشركات الروسية مهتمة بالمشاركة في إنجاز مشاريع البنية التحتية الكبيرة، أو في التنقيب عن مصادر الطاقة واستخراجها، كما أن الشركات المنتجة للسلاح الروسي لم تفقد أملها بعقد صفقات مع البلدان العربية. ومن أجل ذلك دون سواه، تم شطب الديون البالغة مليارات الدولارات.

لكن، يجب أن لا يغيب عن بالنا أن الشركات الروسية مهتمة باستخراج النفط والغاز في مناطق أخرى، ولا تقتصر مصلحتها على العالم العربي، بل لها مصالح في فنزويلا وفيتنام والصين وأميركا اللاتينية عموما، حيث سوق السلاح الروسي أيضا أكبر وأهم. ولذلك، يعود تنشيط السياسة الروسية، أخيراً، في المنطقة العربية، بالدرجة الأولى، إلى أن أمن روسيا نفسها وقع بفعل الأحداث هناك تحت الخطر. فبعد الاجتياح الأميركي للعراق سنة 2003، عبّر الكرملين عن مخاوفه الجدية من أن تقود السياسة الأميركية الرعناء إلى زعزعة استقرار المنطقة بمجملها، وظهور بؤر إرهابية جديده، يمكن أن تصل، عاجلا أو آجلاً، إلى أقاليم روسيا الإسلامية. وجاءت الانتصارات التي يحققها "داعش"، لتؤكد مخاوف موسكو. وهكذا، بشار الأسد، بالنسبة لبراغماتيي الكرملين، أفضل بكثير من "دولة إسلامية". ولذلك، يدافعون عنه، ليس نكاية بالولايات المتحدة الأميركية التي تفضل روسيا علاقات صداقة معها، لو تخلت الأخيرة عن سياستها المتعالية، وراحت تتعاون مع موسكو على أساس من الندية.

78656286-01DB-42B0-AE7D-9550B1BEA173
نيقولاي سوركوف

أستاذ مساعد في قسم الاستشراق في معهد موسكو للعلاقات الدولية التابع لوزارة الخارجية الروسية. مختص في العلاقات الدولية في العالم العربي وتسوية الصراع العربي الإسرائيلي. يعمل حالياً نائب رئيس تحرير "روسيا ما وراء العناوين".