روسيا: حزن أقوى من الغضب في وداع نيمتسوف

روسيا: حزن أقوى من الغضب في وداع نيمتسوف

03 مارس 2015
الآلاف شاركوا في وداع المعارض الروسي (Getty)
+ الخط -

تطرح المسيرة الحاشدة التي شهدتها العاصمة الروسية موسكو الأحد حداداً على المعارض بوريس نيمتسوف تساؤلات كثيرة، حول الأفق المتوخى منها، وهل انتهت كما تنتهي تظاهرات المعارضة الروسية عادة، كتسجيل نشاط لا أكثر؟

الآلاف نزلوا إلى شوارع موسكو في مسيرة حاشدة حداداً على نيمتسوف، الذي تمت تصفيته ليل الجمعة-السبت الماضي وما زال مقتله محطّ تساؤل وقلق سياسي واجتماعي، وجرت المسيرة من دون مشاكل أو عثرات جدية، لكنها حفلت بشعارات معارضة.

إطلاق النار على سياسي معارض بوزن نيمتسوف وسقوطه قتيلاً على بُعد مئات الأمتار من الكرملين، أمر لم يحدث من قبل في تاريخ روسيا، وكان له وقع القنبلة في الشارع الروسي عموماً. وقد غلبت على الروس حالة ذهول وقلق. أما المعارضة فقررت نقل تظاهرة "الربيع" التي كانت معتمدة في أطراف موسكو في الأول من مارس/آذار، إلى مركز موسكو وتحويلها إلى مسيرة حداد على نيمتسوف، ولم يكن أمام السلطة القلقة بدّاً من الموافقة عليها.

قبل بدء مسيرة الحداد بساعة، اكتظت ساحة سلافيانسكايا (مكان الانطلاق) بالناس، ولم تعد تتسع للقادمين الذين لم ينقطع تدفقهم للتعبير عن حزنهم واحتجاجهم. الشرطة فتشت جميع الذين كان عليهم المرور عبر بوابات كشف المعادن الإلكترونية للانضمام إلى المسيرة، وكان واضحاً أن السلطات تخشى حدوث عمليات استفزاز تحريضية.

أخّرت إجراءات التفتيش الدقيق، انطلاق المسيرة ساعة من الوقت، فراح الحشد الكبير يموج بانتظار الانطلاق، فيما الأعلام الثلاثية الألوان ترفرف فوقه، إلى جانب راية حزب "بارناس" وحركة "التضامن"، وكلاهما أسسهما نيمتسوف، وعلى كل راية كان هناك شريط حداد أسود. وفي كل مكان صُور لنيمتسوف، يظهر مبتسماً في بعضها وغارقاً في تفكيره في أخرى. وأما في مقدمة المسيرة فرُفعت يافطتان كبيرتان، كتُب على إحداهما "الأبطال لا يموتون"، وعلى الثانية "تلك الرصاصات أصابتنا جميعا".

تنوع المشاركون بين شباب وكهول، فقراء وأغنياء، لكنهم جميعاً كانوا واجمين، لم يبتسم أحد ولم يصرخ أحد كما في التظاهرات، وحتى الذين تحدثوا كانوا يفعلون بصوت منخفض.

اقرأ أيضاً: تصفية وريث يلتسين توحّد معارضي بوتين

بين المشاركين في المسيرة، كان هناك من حمل يافطات تتهم السلطة بقتل نيمتسوف. ولوحظ رفع شخص ملتحٍ ملصقاً كُتب عليه "القاتل، بوتين". وأوضح لـ "العربي الجديد" رأيه قائلاً إن (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين "لم يضغط بنفسه على الزناد، ولكن أجواء الحقد والضغينة التي صنعها هذا النظام، أدت إلى قتل نيمتسوف".

هذا الرجل لم يكن وحيداً في موقفه، فكثير من المشاركين في المسيرة حمّلوا السلطة الروسية مسؤولية مقتل نيمتسوف، لكن ليس الجميع. وشكّكت امرأة جاءت إلى المسيرة مع طفلها الصغير، بمسؤولية السلطة، قائلة لـ "العربي الجديد": "أظن أن قتل معارض عند جدران الكرملين، يمكن أن يكون من مصلحة من تشاء، ولكن ليس الرئيس".

أما منظمو المسيرة، فتوخّوا الحذر في تصريحاتهم. فالنائب السابق في البرلمان الروسي والمعارض الحالي، غينادي غودكوف، اعتبر قتل نيمتسوف "عملية إرهابية"، قائلاً: "هذه عملية إرهابية، وعلينا إدراك ذلك. والمعارضة تفكر الآن بإنشاء مجموعة خاصة للاطلاع على عناصر التحقيق، لأن الشرطة لا تُعلّق حتى الآن على سير التحقيق بمقتل نيمتسوف. وآمل ألا تكون للسلطة علاقة بعملية القتل".

الجموع المحتشدة سارت من ساحة سلافيانسكي إلى مكان مقتل نيمتسوف. وفيما قالت مصادر الداخلية الروسية إن عدد المشاركين بلغ نحو 21 ألفاً، تحدثت المعارضة عن خمسين ألفاً. وفي الواقع يصعب تقدير العدد في مسيرة كان من الصعب رؤية نهايتها، وكان الناس لا يزالون يتدفقون إلى المكان.

الأمطار التي هطلت خلال التظاهرة زادت في قتامة أجواء المسيرة التي استمرت صامتة إلى أن وصلت إلى الجسر الذي قُتل عليه المعارض نيمتسوف، وهنا بدأ الحشد بالصراخ: "روسيا سوف تتحرر"، "روسيا بلا بوتين"، "بوتين لص". وحول نيمتسوف هتف المتظاهرون: "ذكراك مضيئة"، "بوريس معنا"، الأبطال لا يموتون".

كما خصّ المتظاهرون أوكرانيا بهتافهم قائلين: "في كييف أشقاؤنا، وفي الكرملين فاشيون". وفيما صرخ المئات بهذه الشعارات، صمت الكرملين.

وفي مكان سقوط نيمتسوف، ارتفعت تلة من الزهور بعدما راح الكثيرون يلقون بالزهور من دون انقطاع. وهناك قال الرئيس المشارك لحزب "بارناس"، رئيس الوزراء الأسبق والمعارض الحالي ميخائيل كاسيانوف: "بوريس بطل، ناضل من أجل الحرية وحقوق الإنسان، وكان يعدهما دائماً قيمة عليا. لن ننسى موته، ولن نسامح من قتله!".

وصاح وراءه الحشد "لن ننسى ولن نسامح". إضافة إلى ذلك، طالب كاسيانوف، بتغيير اسم الجسر من "بولشوي موسكفوريتسكي" إلى "نيمتسوفسكي".

وعند خط نهاية المسير، سلّم المشاركون الأعلام والرايات واليافطات والملصقات للمنظمين، واتجهوا نحو محطة مترو الأنفاق، يرتسم على وجوههم شعور بالانتهاء من أداء الواجب، كما تنتهي عادة تظاهرات المعارضة في روسيا، لتسجيل موقف لا أكثر ولا أقل.

المساهمون