روسيا توسّع استراتيجية الردع النووي: إنذار لأميركا وحلفائها

روسيا توسّع استراتيجية الردع النووي: إنذار لأميركا وحلفائها

04 يونيو 2020
أقر بوتين وثيقة الردع النووي الجديدة (أليكسي نيكولسكي/Getty)
+ الخط -
وسط التوترات بين روسيا والولايات المتحدة بشأن الحدّ من التسلّح، ومستقبل معاهدة "نيو ستارت" النووية بين البلدين، والتي تمثّل آخر اتفاق كبير ينظّم الترسانة النووية للدولتين، أقر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أول من أمس الثلاثاء، مرسوماً حول أسس سياسة الدولة في مجال الردع النووي، موسعاً نطاق استراتيجية اللجوء للأسلحة النووية. ويحلّ المرسوم الجديد محل مرسوم مماثل تمت الموافقة عليه قبل 10 سنوات، وكان ساري المفعول حتى عام 2020.

وجاء في نص المرسوم الرئاسي، الذي نشر على موقع المعلومات القانونية الروسي، أن "سياسة الدولة في مجال الردع النووي ذات طبيعة دفاعية، وتهدف إلى الحفاظ على إمكانات القوات النووية عند مستوى كافٍ لضمان الردع النووي، وتضمن حماية سيادة الدولة وسلامتها الإقليمية، وردع العدو المحتمل من العدوان على روسيا و (أو) حلفائها". وقال المرسوم إنه "يمكن تحديد الأساسيات في مجال الردع النووي، اعتماداً على العوامل الخارجية والداخلية التي تؤثر على توفير الدفاع".

وأضاف: "تعتبر روسيا السلاح نووي سلاح ردع فقط، يعد استخدامه تدبيراً طارئاً، وتبذل كل الجهود اللازمة للحد من التهديد النووي ومنع تفاقم العلاقات بين الدول، الذي يمكن أن يثير صراعات عسكرية، بما في ذلك الصراع النووي".

وفي مقال بعنوان "وثيقة ذات قوة قنبلة"، تناولت صحيفة "كوميرسانت" الروسية في عددها الصادر أمس الأربعاء، دلالات إقرار بوتين، وثيقة "أسس سياسة الدولة في مجال الردع النووي". وعلى الرغم من أن الوثيقة تنصّ على أن السياسة الروسية في مجال الردع النووي لها "طابع دفاعي" وعدم استخدام السلاح النووي سوى كـ"إجراء اضطراري"، إلا أنها تضمنت أيضاً قائمة واسعة لأعمال "العدو المحتمل" التي قد تقتضي ردعاً نووياً، وسط إجماع خبراء استطلعت "كوميرسانت" آراءهم على أن بعض بنودها الضبابية قد تثير تساؤلات كثيرة لدى الدول الغربية.

ومن بين تلك الأعمال التي قد تتطلب ردعاً نووياً، وفق الوثيقة، نشر مجموعات تضم وسائل نقل السلاح النووي بالقرب من الحدود البرية والبحرية لروسيا وحلفائها، ونشر الدول التي تعتبرها روسيا ضمن "الأعداء المحتملين" وسائل للدفاع الجوي وصواريخ مجنحة وبالستية متوسطة وقصيرة المدى وأسلحة غير نووية عالية الدقة وفائقة الصوت، ونشر الدرع الصاروخية والنظم الضاربة في الفضاء، ونشر أسلحة نووية ووسائل نقلها في الدول غير النووية، وغيرها من الحالات.

ومع ذلك، أوضحت الوثيقة أن روسيا تحتاج إلى الردع النووي حتى يدرك الخصوم الذين يقومون بمثل هذه الأعمال "حتمية الانتقام" في حال أقدموا على العدوان المباشر ضد روسيا، مبقية على حالتين أساسيتين لاستخدام السلاح النووي، وهما "الرد على استخدام ضدها و/أو ضد حلفائها سلاحاً نووياً وغيره من أنواع أسلحة الدمار الشامل" و"العدوان ضد روسيا باستخدام السلاح العادي في حال شكل تهديداً لوجود الدولة".

كذلك عددت الوثيقة بضعة عوامل إضافية من شأنها تحديد مدى إمكانية استخدام السلاح النووي، ومن بينها "ورود معلومات موثوق بها حول انطلاق صواريخ بالستية لمهاجمة أراضي روسيا و/أو حلفائها"، و"تأثير العدو على المواقع الحكومية والعسكرية الروسية التي سيؤدي تعطلها إلى منع الأعمال الجوابية للقوات النووية".

من جهته، اعتبر المستشار بمركز "بير" المتخصص في دراسة قضايا الأمن الدولي بموسكو، أندريه باكليتسكي، أن وثيقة الردع النووي "تثبّت كتابياً مقولة بوتين السابقة: إن توفر معلومات حول توجيه صواريخ تجاه روسيا قد يكون كافياً لشن ضربة جوابية"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ "اعتماد صيغ واسعة قد يثير تساؤلات لدى الغرب".

ونقلت "كوميرسانت" عن باكليتسكي قوله إنه "من جانب، يتم إغلاق المنطقة الرمادية (لم تكن أحكامها واضحة) التي كان يمكن للعدو أن يحاول من خلالها تدمير قوات الردع النووي الروسية بواسطة أسلحة عادية من دون الوقوع اسمياً تحت طائلة معايير الرد النووي. ومع ذلك، كان هناك حتى قبل ذلك تفاهم غير معلن أن أي هجوم على القوات النووية قد يؤدي إلى ضربة نووية. لكن اعتماد الصيغ الواسعة إلى أبعد الحدود مثل التأثير على المواقع الحيوية، سيثير تساؤلات كثيرة لدى الخبراء والعدو المحتمل على حد سواء".

بدوره، قال كبير الباحثين بمعهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح، بافيل بودفيغ لـ"كوميرسانت": "يبدو أنه للمرة الأولى تنصّ وثيقة من هذا المستوى على أن روسيا قد تبدأ بشن ضربة جوابية بناء على معلومات واردة من منظومة الإنذار المبكر". وحول دلالات اعتماد الصيغ الواسعة، أضاف بودفيغ: "بالفعل، تبدو الصياغة ضبابية إلى حد كبير على الرغم من أن قائمة مثل هذه المواقع ليست واسعة جداً، وتشمل فقط تلك التي سيؤدي تعطلها إلى منع إمكانية الضربة الجوابية. ويمكن تفسير هذا الحكم بطرق مختلفة وقد يكون في حد ذاته عنصراً لسياسة الردع والتحذير من أي هجوم على منظومة التحكم في القوات النووية، مثلاً".

ومن نقاط الوثيقة التي قد تثير أيضاً تساؤلات لدى الغرب، الإشارة إلى أنه في حال نشوب نزاع عسكري، قد ترمي سياسة الردع النووي الروسية إلى "منع تصاعد الأعمال العسكرية ووقفها بشروط مقبولة لروسيا الاتحادية و/أو شركائها"، ما يعني أن تفسيرها بشكل واسع قد يعني تأكيداً رسمياً على احتمال استخدام السلاح النووي على نطاق محدود لإحداث تغيير في موازين القوى في النزاعات الجارية بواسطة الأسلحة العادية، وفق "كوميرسانت".

من جهتها، نقلت وكالة "تاس" الروسية عن خبراء قولهم إنّ المرسوم الجديد بشأن أساسيات سياسة الردع النووي يعطي المحللين الأجانب فكرة واضحة عن خطط موسكو بشأن استخدام الأسلحة النووية، وسط انهيار نظام المعاهدات الدولية والاستقرار الاستراتيجي. وقالوا إنّ هذا سيقلل من الأخبار المزيفة حول الخطط العسكرية الروسية.

وقال الرئيس الأسبق لهيئة الأركان العامة لقوات الصواريخ الاستراتيجية الروسية، الجنرال فيكتور يسين لـ"تاس"، إنّ "الوثيقة الروسية الجديدة تكملة لمذهب عسكري لم يكن سرياً، ولكن لم يتم نشره"، مضيفاً أنه يتم نشر وثيقة مماثلة بعنوان "مراجعة الموقف النووي" بانتظام في الولايات المتحدة.

من جهته، قال رئيس تحرير مجلة "ترسانة الوطن" الروسية، فيكتور موراخوفسكي، لوكالة "تاس"، إنّ "الوثيقة الجديدة تتضمن ما تم كتابته سابقاً في استراتيجية الأمن القومي والعقيدة العسكرية وخطابات الرئيس (بوتين)". ووفقاً لموراخوفسكي، فإنّ الوثيقة "هي أيضاً إشارة لشركاء روسيا في معاهدة نيو ستارت، والدول الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة"، موضحاً أنّ "هذه الوثيقة موجهة إلى الولايات المتحدة وحلفائها، الذين يستضيفون القوات والمعدات التي تعتبرها روسيا تهديداً". وتابع "هي إشارة كذلك إلى أنه إذا لم يتم تمديد معاهدة نيو ستارت، فسوف نتبع سياستنا الخاصة على أساس هذه الوثيقة".

وفيما صرحت موسكو مراراً باستعدادها لتمديد معاهدة "نيو ستارت"، لم تبد واشنطن بعد أي إشارات بشأن تجديد المعاهدة لخمس سنوات أخرى بعد انتهاء صلاحيتها في فبراير/ شباط 2021، وهي تبدي رغبة في تخطي القيود الثنائية فيها، وإضافة الصين إليها. ومعاهدة "نيو ستارت" التي وقعها الرئيسان السابقان باراك أوباما وديمتري ميدفيديف عام 2010، يُنظر إليها على أنها المعاهدة النووية الرئيسية الأخيرة القائمة التي تحافظ على ترسانتي الولايات المتحدة وروسيا دون ما كانتا عليه خلال الحرب الباردة. وتلزم المعاهدة الجانبين بتخفيض عدد قاذفات الصواريخ النووية الاستراتيجية إلى النصف وبإنشاء نظام جديد للتحقق من الأسلحة النووية.

وظلت الولايات المتحدة من جهتها غامضة بشأن المبادئ الخاصة بها لاستخدام الأسلحة النووية. وذكرت أحدث مراجعة للوضع النووي، نُشرت في 2018، أنّ الدولة تدرس استخدام الأسلحة النووية "فقط في الحالات القصوى عندما تضطر للدفاع عن الولايات المتحدة أو حلفائها أو شركائها". إلا أنه في وثيقة تم تبادلها العام الماضي من قبل هيئة الأركان المشتركة قبل أن يتم حذفها، أشارت إلى إمكانية تطبيق أوسع لاستخدام أسلحة الدمار الشامل. وذكرت إحدى فقرات الوثيقة "أن استخدام الأسلحة النووية يمكن أن يخلق ظروفاً لتحقيق نتائج حاسمة واستعادة الاستقرار الاستراتيجي. على وجه التحديد، فإن استخدام سلاح نووي سيغيّر بشكل جذري نطاق المعركة، ويخلق الظروف التي تؤثر على كيفية الانتصار في الصراع".