روسيا تكابر وتعاند

روسيا تكابر وتعاند

04 يناير 2016
حكومة موسكو تحاول فرملة قرارات بوتين (Getty)
+ الخط -
تشير الأرقام الأخيرة الصادرة عن موسكو إلى أن الاقتصاد الروسي بات في موقف صعب، وهذه الصعوبة مرشحة للزيادة في العام الجديد، وهو ما يثير استغراب البعض من إصرار روسيا على الإضرار بمصالحها وفرض عقوبات اقتصادية ضد دول تناصبها العداء، ومنها تركيا وأوكرانيا، بسبب إسقاط أنقرة لمقاتلة حربية روسية اخترقت أجواءها قبل نحو شهرين، وقيام العاصمة الأوكرانية كييف بالدخول في شراكة مع الاتحاد الأوروبي وهو ما تعتبره روسيا تحدياً لها، وقبلها الدخول في خلافات عسكرية بين البلدين بسبب أزمة القرم.

وإذا ما رصدنا الأرقام المتعلقة بالأسعار والتضخم وعجز الموازنة داخل روسيا نجد أنها كلها في ارتفاع مستمر، وإذا ما أضفنا لهذه الأرقام أرقاما أخرى متعلقة بحدوث انخفاض حاد للعملة الروسية، وتراجع إيرادات الدولة واستمرار هروب الاستثمارات الأجنبية، نجد أننا أمام مؤشرات مخيفة لا تتوافق مع القرارات العنترية التي يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من آن لأخر ضد دول يناصبها العداء.

على مستوى الأسعار، نجد أن الأرقام الصادرة أمس عن هيئة الإحصاء الفيدرالية الروسية التابعة للدولة تقول إن معدل التضخم في البلاد بلغ 12.9% في العام الماضي 2015، وهي نسبة عالية جدا مقارنة بمعدلات التضخم السائدة في الاقتصادات المتقدمة، ومنها منطقة اليورو التي يقل فيها المعدل عن 1.2%، بل ويدور المعدل حول الصفر كما هو الحال في بريطانيا.

وأدى ارتفاع الأسعار وتراجع سعر صرف الروبل أمام الدولار إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين الروس، مع انخفاض معدل استهلاك السلع في الأسواق، وهو أمر قد يستمر لشهور طويلة مع بدء تطبيق روسيا إجراءات اقتصادية عقابية ضد تركيا، ومنها حظر استيراد المنتجات التركية وتعليق إعفاء الاتراك من دخول روسيا بتأشيرة دخول، ومنع استئجار العمال الأتراك لغالبية الشركات الروسية.

وكذا الحال مع أوكرانيا حيث فرضت موسكو عقوبات اقتصادية ضدها بداية العام 2016 مثل حظر استيراد بعض أنواع السلع الزراعية والمواد الخام والأغذية.

وهذا الارتفاع دفع رئيس الوزراء الروسي، ديمتري مدفيدف، إلى الاعتراف قبل أيام بأن حظر المنتجات التركية تسبب في ارتفاع الأسعار داخل روسيا.

اقرأ أيضاً: 2015..عام عصيب للاقتصاد الروسي

وعلى مستوى الموازنة العامة لروسيا، فقد اعترف وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف قبل أيام بأن روسيا تدرس الاقتراض من الخارج، لكنها تنتظر ظروفا مواتية لطرح سندات دولية يتم توجيه حصيلتها لمعالجة عجز موازنة العام الجديد التي تقدر بنحو 33 مليار دولار، علماً بأن هذا العجز مرشح للارتفاع لأن الميزانية الجديدة وضعت على أساس متوسط 50 دولاراً لبرميل النفط؛ وهو ما يزيد بأكثر من 12 دولارا عن المستويات الحالية لأسعار النفط.

حتى العملة الروسية فإنها تواصل خسائرها حيث فقدت حوالي 20% أمام الدولار في العام 2015 و40% في العام 2014؛ وهذا يعني أنها فقدت نحو 60% من قيمتها خلال عامين، وبالطبع فإن ضعف عملة دولة ما يدفع نحو ارتفاع أسعار السلع والخدمات بها وتآكل احتياطي النقد الأجنبي، بخاصة إذا ما دافعت الدولة عن عملتها المحلية في مواجهة العملات الأجنبية.

وبسبب خطورة هذه الأرقام حذرت موسكو قبل أيام من أنها ستضطر إلى اتخاذ تدابير تقشف في العام الصعب الحالي 2016، نظرا للتراجع الكبير في أسعار النفط والعقوبات الاقتصادية الغربية وتراجع سعر صرف الروبل، كما قررت الحكومة عدم زيادة رواتب التقاعد إلا بنسبة ضئيلة جداً، وأرجأت قرار خفض الضرائب الذي كان من المقرر تطبيقه هذا العام على منتجي المحروقات.

بوتين يتخيل أنه مركز الكون، وأن الجميع يجب أن يدور حوله، وأنه القيصر الآمر الناهي، والمواطن الروسي هو من يدفع ثمن عناد ومكابرة الرجل، والنتيجة النهائية ارتفاع الأسعار وتراجع الدخل الحقيقي للمواطن وتآكل العملة المحلية واستمرار هروب الاستثمارت الأجنبية لتراجع الأرباح وزيادة المخاطر الاقتصادية وفي مقدمتها تذبذب سعر الصرف وزيادة التضخم.

بالتأكيد حكومة موسكو تحاول فرملة قرارات بوتين التي تتسم بالعناد والمكابرة، بدليل أن وزراء ومسؤولين روساً يطلقون تصريحات من حين لأخر يحاولون من خلالها تهدئة الأجواء مع الدول التي تناصبها روسيا العداء وفي مقدمتها تركيا، والتأكيد على استمرار المشروعات الكبرى بين البلدين، ومنها استمرار تصدير الغاز لأنقرة رغم حالة العداء السياسي، وتنفيذ مشروع تصدير الغاز الروسي عبر الأراضي التركية، لكن القيصر ماض في عناده غير مهتم بالمواطن.

اقرأ أيضاً: بوتين: العقوبات الغربية ضد روسيا فشلت