أجابت التطورات الميدانية على السؤال الذي ظهر بعد إسقاط تركيا للطائرة الحربية الروسية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حول مدى إمكانية أن تقدّم روسيا دعماً للقوات الكردية في حلب وريفها، نكاية بتركيا، وسعياً لإفشال مشروعها الرامي إلى تأسيس "منطقة آمنة" شمال حلبّ.
اقرأ أيضاً: شهران من الجرائم الروسية في سورية
إذ استغل الروس اشتعال مواجهة مسلّحة بين قوات المعارضة السورية، من جهة، وقوات "حماية الشعب" الكردية، من جهة ثانية، بين منطقتي أعزاز التي تسيطر عليها المعارضة، وعفرين التي تسيطر عليها القوات الكردية، ليقدّم الطيران التابع لهم غطاءً جوّياً للقوات الكردية، الأمر الذي دعم الأخيرة في محاولة سيطرتها على المزيد من القرى إلى الغرب من مدينة أعزاز بعد طرد قوات المعارضة السورية الحليفة لتركيا منها، وعزّز فرصها للسيطرة على المنطقة الممتدة بين مدينة جرابلس ومدينة أعزاز لتصل مناطق سيطرتها في الجزيرة السورية، وتحديداً مناطق ريف الحسكة وتل أبيض وعين العرب، بمناطق سيطرتها في عفرين شمال غرب حلب، وهو ما يتعارض مع مشروع تركيا الرامي لتأسيس منطقة آمنة في المنطقة الممتدة من جرابلس إلى أعزاز، والتي يسيطر عليها حالياً كل من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وقوات المعارضة السورية.
ولم يقتصر الدعم الروسي للقوات الكردية على تأمين الغطاء الجوي لها ضدّ قوات المعارضة السورية بريف حلب الشمالي، وفي محيط حي الشيخ مقصود الذي تسيطر عليه القوات الكردية شمال مدينة حلب، إذ شمل تقديم الطيران الروسي لشحنات من الأسلحة للقوات الكردية الموجودة في حي الشيخ مقصود.
وحصلت "العربي الجديد" على معلومات من مصادر المعارضة السورية في مدينة حلب تفيد بأن طائرات شحن يرجح أنها روسية ألقت بعد منتصف ليل الثلاثاء الأربعاء مئات المظلات المربوطة إلى صناديق خشبية يرجح أنها مليئة بالذخائر والأسلحة الخفيفة فوق حي الشيخ مقصود شمال مدينة حلب.
وتمت عملية رمي المظلات تحت جنح الظلام، إلا أن مقاتلي المعارضة المرابطين في محيط حي الشيخ مقصود شمال حلب، تمكنوا من رصد سقوط هذه المظلات في الحي الذي يتميز بارتفاعه نسبياً بسبب وجوده على منطقة مشرفة على أحياء وسط مدينة حلب.
وتسيطر قوات "حماية الشعب" الكردية على حي الشيخ مقصود فقط في مدينة حلب، لكنه يتميز بمساحته الكبيرة التي تقارب الأربعة كيلومترات مربعة. ولا تملك القوات الكردية طريقاً برّياً يصل مناطق سيطرتها في حي الشيخ مقصود بمناطق سيطرتها في منطقة عفرين شمال غرب حلب، حيث تحيط قوات المعارضة السورية بالحي من ثلاث جهات، فيما تسيطر قوات النظام السوري على شارع الأشرفية الرئيسي الذي يحد حي الشيخ مقصود من الجهة الجنوبية الغربية.
وتقدر مصادر المعارضة السورية المسلحة في المنطقة عدد مقاتلي القوات الكردية بحي الشيخ مقصود بنحو ألفي مقاتل يملكون الأسلحة الخفيفة وقواذف "أر بي جي" المضادة للدروع والمحمولة على الكتف. وتشير المصادر إلى أن القوات الكردية تملك في الحي دبابة واحدة ومدرعتين من نوع "بي أم بي" ونحو خمسة رشاشات متوسطة وثقيلة حصلت عليها بصفقات شراء من المعارضة السورية خلال العامين الأخيرين.
وفي منطقة عفرين التي تسيطر عليها قوات "حماية الشعب" الكردية والمحاصرة عسكرياً من قبل قوات المعارضة السورية بالكامل، يتواجد بحسب مصادر المعارضة السورية، نحو ثمانية آلاف مقاتل تابعين للقوات الكردية بشقيها قوات "حماية الشعب" ووحدات "حماية المرأة". ويجري تجنيد المزيد من الرجال والنساء في منطقة عفرين بشكل دوري في ستة معسكرات تدريبية دائمة موجودة في المنطقة.
وتملك القوات الكردية في عفرين خمس دبابات حصلت عليها من قوات النظام السوري التي انسحبت بها من مطار "منغ" العسكري إبّان سيطرة قوات المعارضة السورية عليه العام قبل الماضي. وتدعم القوات الكردية في منطقة عفرين عدّة تشكيلات صغيرة مكوّنة من مقاتلين عرب من الهاربين من تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة"، شكّلت مع القوات الكردية ما بات يعرف بـ"قوات سورية الديمقراطية" التي خاضت مواجهات مسلحة مع قوات المعارضة السورية في أعزاز وريفها خلال الأسبوعين الأخيرين أفضت إلى سقوط عشرات القتلى من الجانبين.
وتتسبب المواجهة العسكرية الشاملة التي انطلقت في حلب وريفها بين المعارضة السورية والقوات الكردية بتعقيد الأوضاع الميدانية في حلب وريفها، حيث تحاذي مناطق سيطرة القوات الكردية في حي الشيخ مقصود شمال حلب بشكل مباشر أوتوستراد الكاستلو، الذي يعتبر خط الإمداد الوحيد الذي يصل مناطق سيطرة المعارضة بحلب بمناطق سيطرتها بريفها، وقد حاولت القوات الكردية قطعه في غير مرة خلال الأيام الماضية من خلال شن موجات قصف عليه باستخدام مدافع الهاون ونشر القناصين.
في المقابل، فإن انشغال قوات المعارضة السورية بالمواجهات مع القوات الكردية وحلفائها في "قوات سورية الديمقراطية" غرب أعزاز قد أفسح المجال لتنظيم "داعش" كي يتقدّم على حساب المعارضة السورية في ريف حلب الشمالي من خلال السيطرة على قريتي كفرة وجارز، قبل أن تتمكن قوات الجبهة الشامية، أكبر فصائل المعارضة شمال حلب، من استعادة السيطرة على قرية جارز في الوقت الذي تستمر المواجهات بين الطرفين في المنطقة.
إضافة إلى جبهتي "داعش" على طول يناهز الأربعين كيلومتراً، والقوات الكردية على طول يقارب الثلاثين كيلومتراً، تنشغل قوات المعارضة أيضاً بقتال قوات النظام السوري على جبهات معقدة وطويلة داخل مدينة حلب وفي محيطها، ولعلّ أشدّها في الأيام الأخيرة، كان ضدّ المليشيات الأجنبية المتحالفة مع النظام وحزب الله اللبناني جنوب حلب.
ويتوقع أن يتسبب الدعم الروسي للقوات الكردية بمزيد من الاستنزاف لقوات المعارضة السورية خصوصاً في ظل استمرار الغارات الروسية على مناطق سيطرتها، الأمر الذي يصب في النهاية في صالح قوات النظام السوري وقوات "داعش".
اقرأ أيضاً: "العربي الجديد" ينشر اتفاق هدنة حي الوعر في حمص