"لقد انتقلت إلى نادٍ رائع، ومن الفخر اللعب في هذا المكان"، تلك كانت الكلمات الأولى التي أطلقها جيمس رودريجز بعد انتقاله من بورتو إلى موناكو خلال الصيف الماضي، الا أن الفتى الكولومبي الشاب لم يكن يعلم أنه سينتقل إلى تجربة أخرى ومغامرة أكبر بعد عام واحد فقط، من الإمارة الفرنسية إلى العاصمة الإسبانية، وحانت اللحظة المناسبة لمقابلة أباطرة اللعبة ومزاملة نجوم كبار، بحجم رونالدو، بيل، ألونسو، كروس، وبقية الأسماء.
صدق أو لا تصدق، انتقل جيمس من بانفيلد الأرجنتيني إلى بورتو البرتغالي في 2010 مقابل حوالي خمسة ملايين يورو، ثم بيع إلى موناكو بمبلغ وصل إلى 45 مليون يورو في صفقة وُصفت وقتها بالمبالغ فيها، خصوصاً مع انتقال زميله موتينهو إلى الفريق نفسه مقابل 25 مليون يورو، وكلفت الصفقة الثنائية خزينة الفريق الفرنسي مبلغاً قدره 70 مليون يورو، لينطلق هجوم شديد على الإدارة الجديدة والملاك الروس، لكن الرد أتى سريعاً بعد سنة، حيث انتقل جيمس إلى ريال مدريد بقيمة فلكية لم تقل عن 80 مليون يورو.
الكرة الحديثة لها مبادئها الخاصة وأسرارها الغريبة، أسعار قياسية وأرقام غير عادية، لكن في النهاية السوق عبارة عن عرض وطلب، ومهما حاولت أن تنتقد وترفع صوتك الى أعلى، ستلتزم بالواقع الذي صار مريراً وتحاول قلب العملة على وجهها الآخر، لكي يصبح الحديث من منظور تكتيكي بحت، ولنترك الأمور الأخرى إلى المستقبل لكي يُثبت جنونها وعدم منطقيتها.
ماذا سيضيف الصاروخ؟
رودريجز لم يقدم الشيء الأسطوري في أول مواسمه مع موناكو، سجل 9 أهداف وصنع 12 في البطولة المحلية، وهو أمر ليس بالعجيب، لكن اللاعب الشاب فاجئ الجميع بأسلوب لعب جديد ومبتكر خلال بطولة كأس العالم. جيمس من القلائل الذين سجلوا ستة أهداف فأكثر في هذا السن الصغير، بالإضافة إلى صناعته هدفين آخرين، وبالتالي فقد ساهم في تسجيل ثمانية أهداف دفعة واحدة خلال خمس مباريات فقط في البرازيل.
فنياً، رودريجز لاعب مكتمل في الثلث الأخير من الملعب، قادر على شغل مراكز الهجوم كافة، وعليه يُعطي مرونة تكتيكية كبيرة وعمقاً استراتيجياً في خطط أي مدرب، ولو حاولنا تصنيفه سنقول بأنه مهاجم مـتأخر في بعض الأوقات Deep Lying Forward وجناح عصري في أوقات أخرى Tricky Winger، وبالعودة إلى المفاهيم القديمة، هو تسعة ونصف صريح حينما يهاجم، وساعد هجومي على الأطراف عند الحاجة.
إذا لعب أنشيلوتي بطريقة لعب الموسم الماضي، مزيج بين 4-3-3 و4-4-2 فسيكون رودريجز هو المهاجم الثاني خلف كريم بنزيما، أو لاعب الوسط الثالث الذي يبدأ المباراة في العمق ثم يتحول أثناء الهجوم إلى الأطراف، أي جناح مركزي يتمحور أداؤه بين الوسط والجناح فيما يعرف بالـ Central Winger، وهي فكرة قريبة من دور راين جيجز الأخير مع فيرجسون، ودي ماريا الموسم الماضي.
ويعد رودريجز صانع ألعابٍ محوري في طريقة لعب 4-2-3-1، المركز رقم 10 بين الأطراف وأمام المهاجم الصريح، تحركات جيمس على اليمين واليسار ستسهل كثيراً من مهمات رونالدو في التوغل إلى العمق والتسديد، بالإضافة إلى قدرته على تسجيل الأهداف بتبادل المراكز مع كريم، فكرة قريبة إلى حد كبير من أيام مسعود أوزيل مع الملكي ومنتخب ألمانيا 2010.
كذلك مع شجرة الميلاد 4-3-2-1، هو صانع اللعب الثاني في الأمام، للتسديد وتسجيل الأهداف والوصول إلى المرمى على طريقة كاكا 2007 مع كارلو أنشيلوتي، ورودريجز -اتفقنا أم اختلفنا على قيمته السوقية- لاعب سيوفر خيارات هجومية كبيرة للفريق الملكي، وعنصر جائع ومتعطش للبطولات مع بطل أوروبا على المدى الطويل.
الضحية!
ومع ضم، توني كروس وجيمس، فمن الطبيعي والمنطقي أن ترحل أسماء أخرى خصوصاً مع توقع قلة عدد مشاركاتهم أو المزاحمة الشرسة على مقاعد التشكيلة الأساسية.
ودائرة الأخبار الأخيرة تشمل كلاً من إيسكو ودي ماريا. الاسباني الشاب لم يشارك بشكل مستمر مع الملوك، لكنه في النهاية ترك بصمته في بعض المباريات، فرانسيسكو سواريز الشهير بإيسكو، يعتبر جناح Interior، يبدأ المباراة على الجناح ويتحول إلى عمق الملعب من أجل صناعة اللعب، بينما يعتبر اللاعب الأرجنتيني من الأهم في التشكيلة المدريدية خلال الموسم المنصرف.
ليفربول يراقب الموقف عن قرب، إيسكو سيفرق معه كثيراً على مستوى صناعة اللعب، تشكيلة رودجرز امتازت بالضغط العالي والنجاعة التهديفية، لكن مع قصور واضح في الجودة التقنية عند لاعبي الوسط والأطراف، لذلك مع الموهبة الإسبانية سيكون الأمر أفضل، والريال لن يتأثر كثيراً، خصوصأً مع عدم مشاركته بصفة مستمرة وتوقعات باستمرار الأمر مستقبلاً.
أما الخسارة غير السهلة فستكون دي ماريا إذا خرج هذا الصيف، حيث قدّم أنخيل دوراً تكتيكياً بارزاً في جميع خطوط الملعب، وكان بمثابة همزة الوصل بين الوسط والهجوم، لاعب مثل مودريتش يمتاز بالتمريرات الدقيقة وبناء الهجمة من الخلف، لكن العمل الأكبر كان عن طريق طلقة سريعة مثل دي ماريا، يقطع الملعب في الثلث الهجومي، ويساهم في التحولات الكبيرة من الخلف إلى الأمام، ومباراة بايرن ميونخ في الأليانز خير مثال، لوكا يمرر، أنخيل يتحرك ويمر، رونالدو يُنهي كل شيء.
خايمس لاعب يتمتع بالمهارة والتنوع الخططي ويجيد التحولات الهجومية كما فعل مع منتخب بلاده في كأس العالم، ووجود الثنائي معاً على الخط نفسه، سيجعل المفاضلة بينهما أمراً في غاية الصعوبة، كذلك إشراكهما في تشكيلة واحدة يحتاج إلى مخاطرة أكبر، إما التضحية بلاعب وسط ثالث، أو جناح من عيّنة السوبر ستار، جاريث أو كريستيانو، فهل ترحل الريشة اللاتينية أم لكارلو وشركائه رأي آخر؟