رموز الثورة في العش.. ولا طاروا

رموز الثورة في العش.. ولا طاروا

22 يناير 2015
جرائم الاستبداد تسرع من تقدم الحرية (أ.ف.ب)
+ الخط -

"أنا جاية أقول عاوزين ننزل يوم 25 لو لسه عندنا كرامة.. هننزل نطالب بحقنا.." هل كانت أسماء محفوظ فتاة الفيسبوك الشهيرة تحلم بأن تكسر التوازن الهش بين الخوف والاستبداد عبر فيديو يبث يطالب الشباب بالنزول. أسماء الآن ست بيت تجلس متزوجة من طبيب أطفال. ووائل غنيم الذي بكى مع منى الشاذلي "في العاشرة مساء" فحرك الشجن الثوري، فر مهاجرا إلى ربه في بحر أميركا المسحور، وأحمد ماهر مع صاحبي السجن محمد عادل، وأحمد دومة.. الراكب على سور النائب العام هاتفا من أجل الإخوان ثم نادى بإسقاط مرسي، ونال ثلاث سنوات لسؤال في محكمة، وعلاء عبد الفتاح أتعب طفله من إشارات القفص، وانهار قلب والده الشجاع، فليس للرجولة قطع غيار، والبلتاجي في القفص، يبتسم قليلا ويبكي كثيرا، وبديع فشل في عد أحكام الإعدام، وأبو العلا ماضي من السجن وإليه، وأبو اسماعيل ازدادت تحذيراته المصورة انتشارا، والتيار المصري القصاص ورفاقهم مع عبد المنعم أبو الفتوح فذلك أريح جدا، وإسلام لطفي في لندن، وناصر عبد الحميد يحدق، ووائل خليل يعلق، وتليمة من الوزارة إلى المغارة، وزينب مهدي انتحرت.

أما أحمد الدوري فعند الخليفة، ليس بينه وبين الجنة إلا أن يشد الناسف لينفجر، انفجر أم لا.. لست أدري.. وإبراهيم عيسى.. صالح الأبكم.. والأبرص من حفريات النظام القديم، وعبد الحليم قنديل ابتلع قيئه المباركي، والبرادعي يجالس الضباب في النمسا، وخالد علي إلى سلالم نقابة الصحافيين، ونوارة تتحدث ولا تتكلم، والبراهمة يحيون العلم بأربع تكبيرات على من حضر السلام الوطني، وخالد يوسف كتب على لافتته الانتخابية "إن تنصروا الله ينصركم".. وأبوعيطة يهتف يحيا الميري محمولا على كتف مصطفى بكري، وجورج إسحق راضيا مرضيا في عضوية التنظيم الطليعي لحقوق الإنسان، والأسواني عاد إلى التأمل في الأفواه المفتوحة كطبيب أسنان، والقهاوي عامرة، وزفرات النرجيلة تطرح الغضب مع أدخنتها وارتخت أوتار اسكندريلا، وتوقف وسط البلد عن الدوران، وحازمون وجبهاتهم وإخوانهم ففي أوديتهم يهيمون.

انتكس الربيع، فقفز الخريف، وارتفع النسر الداعشي في سماء الأوطان بعد أن أبت جيفة الاستبداد أن ترحل أو تدفن في صحراء الحرية. الجيل الذي انطرح قبل الآوان.. ميلاده كان على سلالم الصحافيين وفطامه في رواق المحامين، وعنفوانه، في قطعة أرض حررها أمام نادي القضاة قبل أن يمزق أحد الضباط العلم المصري، الجيل الذي إذا دون دوخ، وإذا نكت علم، واذا خاصم شهر، ديوانه جدران ينقشه فبات منقوشا عليها، والنقش يدل على النقاش. والشهيد على الشهادة، ومينا بجوار عفت وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة. وتسألونني عن النخبة الثورية.. أجيب إنها ذلك الحلم العابر الذي تأسس في الميدان من قوى شبابية وثورية كونت ائتلاف شباب الثورة.. أولئك الذين دعوا إلى القيادة من دون طلب أو توقع منهم، وكان هدف الائتلاف إيقاظ مفاتن 18 يوما في التحرير في ضمير الثورة والثوار، ضاما كل الألوان السياسية من الفوضوي إلى التقوي، كان يتحرك في اتجاه محدد الحفاظ على حق الاجتماع والتظاهر وإدارة قدرة من السيولة الثورية أو الفوضوية المنبعثة من فوهة الثورة، والفوضى هي خراب للدولة ولكنها تحفظ الثورة من السيطرة، فكلما بدا أن ثمة محاولة للإحاطة كانت تنزلق التوترات والقلاقل إلى الشارع، فتفلت الثورة حرة طليقة، وكانت الهندسة السياسية كيف يمكن السيطرة تدريجيا على إيقاع الفوضى الذي هو وقود الثورة؟

كان من رأي الإخوان، للأسف، والتيارات الدينية، أنه ليس شرطا أن تكون قيادة الحراك هم قادة البناء، وأن الثورة تفرز من يقودها ديمقراطيا، وتلاقى هذا التفكير مع هوى المجلس العسكري الذي كان يريد أن يلملم أوراقه المبعثرة في محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو، وكانت القوى السياسية وحفائرها الحزبية تشارك الإخوان هذا التفكير، لولا المخافة على الكعكة السياسية حيث حاول معظمهم، عرقلة هذا التوجه بمحاولات مضنية، لخوفهم من الفشل الانتخابي.. مولد هذا الائتلاف كان حدثا ثوريا هائلا نخبة جديدة تتهادى على جريان هائل من الماء الثوري، لكن امتصتهم الدوامات، فالثورة تفترس أبناءها، وفق القانون الثوري الفرنسي الذي وضعه روبسبير.. وجرائم الاستبداد تسرع من تقدم الحرية، وتقدم الحرية يسرع من جرائم الاستبداد، وسقوط النظام يعني أن هناك عددا مستعدا لقيادة نظام بديل، في نفس لحظة السقوط، وكان وجود هذا الائتلاف بكل قوامه هو الأرضية التي يمكن أن تشكل معالم سلطة الحكم الجديد، ولا يحتاج الأمر إلى مئات بل يكفي عشرة رجال يعملون لإخافة مائة ألف متفرقين كما قال ميرابو.

لكن الثوار نزلوا من على جبل الرماة، وحلوا ائتلاف أفقهم أو حلوا الثورة ذاتها وجرى ضبط مناسب الفوضى، وإعادة لجم الميدان وبات الحديث عن ثورات أو موجات يجرى التحضير لها، ليس بهدف إعادة أهداف الثورة ولكن لإزاحة فصيل آخر، وتناثرت النخب الشبابية تلك الرمزيات التي رآها الناس في لحظة الثورة، هي الآن مدفونة في برودة الاغتراب الداخلي أو فيافي الغربة أو في أقبية السجون، تاه الجيل الذهبي.. جنب إخواته داخل إيقاع التثاؤب المصري، ثورة إلا ربع وشباب جميل كسر البراويز.. ولكنه أضحى صورة في برواز.. لشباب مر من هنا. .بجوار الكعكة الحجرية بالتحرير..

هل انتهى دور تلك الرموز.. رأيي أنه في الثورات لا شيء ينتهي، لكن كل موجة تلد رموزها، فرموز الثورة العرابية، لم تسترح لها موجة مصطفى كامل، ورفض سعد زغلول ضم زعماء الحزب الوطني إلى وفد التفاوض في باريس، وبدأ التاريخ الثوري الحقيقي مع عبد الناصر كما قيل في التربية الوطنية.. وكلما جاءت ثورة لعنت أختها.. والثورة تستدعى لإطلاق البراءة من دواخلنا.. ونحن لم نعد أبرياء بما يكفي.


*مصر

المساهمون