رمضان مش كريم!

رمضان مش كريم!

17 مايو 2018
+ الخط -
ككل عام نتلقى تهاني الشهر الكريم، ويتوجب علينا الرد. لكن رمضان ليس كريماً مع الكل، إنه وجع في الذاكرة يتكرر سنوياً وعلى مدار شهر كامل!

رمضان ليس فقط الصيام عن الأكل والشرب أو صوم الجوارح عن الآثام، رمضان مناسبة عظيمة تجمع الناس على نظام موحد. تصبح أيامهم ولياليهم سواء. يلتقون في موائد الإفطار والسحور، يتوافدون إلى الجوامع والأسواق، ويجتمعون.

رمضان لمة الأهل على الفطور ومزاحمة الصغار لهم، رائحة القهوة وقرقعة كاسات عصير "التانغ"، تسابق الأيادي نحو السمبوسة والفلافل وصوت الأطفال يسبق صوت المدفع والمنارة: "أذّن أذّن"، ثم هدوء ما قبل العاصفة، فطور وصلاة سريعة وهجوم على مائدة العشاء.


رمضان رائحة الخبز وروح الأم تتسرب في كل الأطباق، رمضان سبحة الأب التي تتناولها كل الأيادي للاستغفار.

رمضان الجدة وحكاياها طوال النهار، بنت الجيران ونظرات الجميع للطبق الذي حضرته والدتها، صوت المدفع يبدد سكون الترقب في لحظات الصبر/ الصوم الأخيرة.

رمضان الفوازير والمسلسلات والمسابقات، القريطي قبل المغرب على شاشة التلفاز، ومحمد حسين عامر على كل المنابر. وماكسيمم تيلكم وفرسان الميدان.

رمضان العائلة، الحي، الوطن، رمضان.. اليمن.

كم أسرة اجتمعت على الفطور ولا فطور لها. وكم عائلة فرقتها الحرب فباعدت بينهم وغيبت آخرين للأبد؟!

كم كأس عصير فارغ وكم سمبوسة متبقية في الطبق لا تمتد نحوها أي يد، كم طبق لا رائحة له ولا طعم، وكم سبحة انفرطت في بيت بلا أم ولا أب! رمضان والجارة تستجدي ما تسد به رمق أطفالها والجدة صامتة ألجمها العجز، وكم مدفع انطلق ليبدد أسرة كاملة ويحيلهم إلى أشلاء؟

رمضان ليس صياما عن الأكل والشرب، إنه إفطار جماعي. وجبة نكبة جماعية لكل من فرقتهم الحروب وأرسلتهم للشتات، للجبهات، للسجون، وإلى القبور.. وجبة إفطار للذاكرة التي يتسع جرحها ابتداء من أولى التهاني حتى آخر ليلة في العيد.

"رمضان مش كريم"، رمضان الكريم لو أنه يسمح للذاكرة أيضاً أن تصوم، لكنه عوضاً عن ذلك يوقظها من سباتها ويعلن حالة الطوارئ لمدة شهر كامل.

حتى الهلال توارى، منذ أعوام يعجز رجال الدين عن رؤيته. لا شيء يشبه رمضان الذي نعرف، رمضان الذي لطالما ترقبناه بشوق وشغف. لقد أصبح حالة من الفزع حتى للسماء التي غيبت هلاله كما غاب كل من نحب.

أو أنه شهر كريم، كريم في صنع ذاكرة جماعية وسخي عند انتزاعها. شهر كريم علينا وعليكم.
50228739-0847-4184-9784-6EA5B34CBE16
سبأ حمزة

أم لثلاثة أشقياء ونجمة.. الكتابة ابنتي الوحيدة بين ثلاثة صبيان، يحبونها ويغارون منها.. كاتبة وأكاديمية من اليمن. درست الأدب الإنجليزي بجامعة العلوم والتكنلوجيا، وأدرس حاليا في جامعة أوترخت.

مدونات أخرى