رمضان تونس العتيقة بعد الثورة: الشباب لم يدفن الماضي!

رمضان تونس العتيقة بعد الثورة: الشباب لم يدفن الماضي!

03 يوليو 2014
من أجواء تونس العتيقة
+ الخط -
في الأيام الرمضانية تتحوّل تونس العاصمة إلى مدينة للتسوّق نهاراً وللسهر ليلاً. إيقاع لا يهدأ، يربط الليل بالنهار، خصوصاً في النصف الثاني من الشهر الكريم، حين تتكثّف حركة البيع والشراء استعداداً للعيد.
وقد شهدت السنوات الأخيرة، بعد الثورة، عودة قوية من الشباب التونسي إلى المدينة العتيقة. فراحت المقاهي القديمة تكتظّ بهم على إيقاع سهرات موسيقية أبقت المدينة العتيقة حيّة. 
المتجوّل في سوق البركة (سوق الذهب) أو في العطارين أو عند جامع الزيتونة المعمور، سيصادف روّاداً من أجيال مختلفة.  
عمي محرز، وهو بائع صناعات تقليدية في المدينة العتيقة قبالة الجامع المعمور، يروي لـ"العربي الجديد" أنّه "في هذا المكان كان الناس يستنشقون رائحة رمضان الكريم قبل أشهر، وكنا ننتظره على أحرّ من الجمر. فرمضان هو شهر التقوى والتراويح، التي على إيقاعها يتحدّد برنامج الناس كلّ يوم".
ويضيف: "كان أهل المدينة يؤدّون صلاتي الظهر والعصر في جامع الزيتونة ثم يتجوّلون في أزقّة المدينة لشراء الحلويات العربية، مثل المقروض والزلابية، وكعك الورقة والقطائف، وبعد المغرب والإفطار ترى الجموع متوجّهة إلى جامع الزيتونة لأداء صلاة التراويح، قبل أن يبدأ السهر، فتتبادل العائلات الزيارات".
ويستكمل عمي محرز، الرجل العتيق هنا روايته قائلا: "كانت موائد الإفطار كثيرة (موائد للمحتاجين وعابري السبيل) وفي كلّ مكان... فلا يبقى مسكين أو محتاج دون إفطار، والحقيقة أنّ الخير ما زال موجوداً، لكنه قلّ بسبب الظروف الاقتصادية".
ولا ينسى عمي محرز الحديث عن "الحرية بعد الثورة، فهي زادت وفُتحت المساجد أمام الناس، وبات مسموحاً تنظيم الدروس الدينية".
أما لطفي، وهو من تجار المدينة العتيقة في سوق البركة، فيفتخر برمضان في "المدينة العربية" كما يسمّيها التونسيون. يقول إنّه "شهر التراحم والتآخي". ويشرح أنّ رمضان يغيّر إيقاع العائلات، فتخرج للسهر لتغيير الروتين اليومي، هرباً من حرارة الطقس، المرتفعة نهاراً خلال السنوات الأخيرة. وتتزيّن الموائد بالأكلات التقليدية التونسية، مثل البريك والشربة، أما ما يميّز المدينة العربية حقاً فهي حلوياتها، مثل القطايف والغريّبة. وتتميز المدن الأخرى، كالمدينة العتيقة، في القيروان بالمقروض المحشو بالتمور. ومع اقتراب العيد تصبح الأجواء في المدينة العربية احتفالية، فتملأها عروض الفنّ الشعبي في المقاهي، والسهرات الدينية في المساجد".
 
محمد هو أحد المارّة المتجوّلين في أزقة المدينة، يروي أنّ (منطقة) الحومة العربية تتميّز بطيبة أهلها وبالمودّة والرحمة، خصوصاً في رمضان. ويستطرد: "لكن في السنوات الاخيرة تغيّر طعم رمضان شيئاً فشيئاً، وأصبح الإيقاع أكثر فردية، وانغلاقاً، لكن دون مبالغة". قاصداً أنّ الناس باتوا "فرادى" وليسوا "جماعات" في الأسواق والمتاجر والمقاهي. 
ولفت محمد إلى "تراجع السياحة في السنوات الأخيرة"، الأمر الذي أثّر في المدينة العتيقة بشكل سلبيّ. وتحدّث عن سوء أحوال السياح أيضاً، الذين ما عادوا يشترون من المتاجر "بل يكتفون بالمرور من أمامها".  
وبالفعل شهدت حركة السياحة تراجعاً في أنحاء البلاد كلّها، بسبب الأزمات الاقتصادية في أوروبا، وتعويل تونس على "سياحة الكثافة"، أو المجموعات الكبيرة، التي تتعامل مع المتقاعدين، من السيّاح، خصوصاً في فصل الشتاء. وهؤلاء لا ينفقون أموالا كثيرة في أسفارهم. لكنّ المدينة العتيقة بقيت حيّة لأنّها قبلة المواطنين التونسيين في الأساس، أي "السياحة الداخلية". وهؤلاء يجدون فيها حاجات لا يجدونها في غيرها من المحال التجارية، مثل العطور التقليدية وجهاز العرائس والأقمشة والتوابل وما ندر تداوله في شوارع العاصمة الحديثة.

المساهمون