رمال ليبيا الحارقة

رمال ليبيا الحارقة

25 يونيو 2020
+ الخط -
يُحيي العالم هذه الأيام الذكرى الـ75 لنهاية الحرب العالمية الثانية. من أبرز اللحظات التي حسمت مصير تلك الحرب الطويلة المعارك التي خاضها الجنرال الألماني، إرفين رومل، الملقب بـ"ثعلب الصحراء"، في شمال ليبيا، حيث تعثّر وقواته في رمال الصحراء الممتدة من طبرق إلى الحدود المصرية، إلى أن كانت هزيمته الساحقة أمام الحلفاء في معركة العلمين، في 23 أكتوبر/تشرين الأول 1942. يُرجع دارسو تلك المرحلة أهم أسباب هزيمته هذه إلى تمدّد قواته على خط صحراوي طويل، يزيد عن ألف كلم، في أرض قاحلة، وسط مناخ طبيعي قاسٍ. 
تحضر صورة هزيمة رومل في صحراء ليبيا ثانية في خلفية تهديدات عالية النبرة من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بتدخّل عسكري في ليبيا ضد قوات حكومة الوفاق الوطني، مع رسمه خطا أحمر يمتد من سرت – الجفرة إلى الحدود المصرية. بعيداً عن حفلات الردح والعنتريات التي اشتهر بها الإعلام المصري منذ عام 2013، هرع مراقبون عديدون إلى وضع سيناريوهات عن إمكانية غزو مصري للأراضي الليبية، على الرغم من عدم واقعية هذا الاحتمال لعدة أسباب.
من المحزن أن نعترف بأن كل الجيوش العربية، أو بالأحرى ما تبقّى منها، قد تم تصميم قدراته لغايتين أساسيتين: قمع أي حراكات شعبية داخلية، وظهر ذلك جلياً منذ ثورات الربيع العربي، والاستعراضات العسكرية في الميادين العامة. ولا تغيب في الغاية الثانية رسائل توجه إلى الداخل خدمة للغاية الأولى. لا نبخس الجيوش العربية حقها بالقول إن القدرات العسكرية المتاحة لها من مصادر تسليحها وتدريبها تظل في حدود القدرات الدفاعية، والمؤسسة العسكرية في مصر ليست استثناء من ذلك. وقد شرح الباحث يزيد صايغ حال هذه المؤسسة في دراسته الموسعة "أولياء الجمهورية.. تشريح الاقتصاد العسكري في مصر" (صدرت العام الماضي عن مركز كارنيغي للشرق الأوسط)، بعد دراسته السابقة الصادرة في أغسطس/ آب 2012 "فوق الدولة: جمهورية الضباط في مصر"، رصد فيهما كيف وسّعت القوات المسلّحة المصرية بعد عام 1991 توغّلها التام في كلّ مجال، زمن نظام حسني مبارك القائم على المحسوبيات. وشكلت جمهورية الضباط هذه أداةً أساسيةً للسلطة الرئاسية، ولا تزال تحتفظ بنفوذها السياسي المتغلغل حتى بعد سقوط مبارك، مخترقةً جهاز الدولة والاقتصاد على السواء. وفي مكان آخر، يكتب يزيد صايغ: إن حالة الجيش المصري في عام 2019 أشبه بالتي كان عليها عشية نكسة 1967، فالسيسي الذي يشبه عبد الحكيم عامر، وليس جمال عبد الناصر، يُطعم شلل وزارتي الداخلية والدفاع حصة من الكعكة لكسب رضاهما، وبهذا تحولت القوات المسلحة المصرية إلى جيش غير مقاتل.
وإذا افترضنا أن السيسي سيتجاهل الحقائق السالفة، وسيغامر بإرسال جيشه إلى ليبيا، مدفوعاً بالرغبة في تحقيق نصر خارجي ما، بعد الفشل في تحقيق أي إنجازاتٍ داخليةٍ طالما وعد الشعب المصري بها، فسوف يحتاج إلى أسبابٍ وجيهةٍ لحماية منصبه، وتبرير قراره في حالة تعثر الجيش في الصحراء الليبية، فادّعاء وقوع القاهرة تحت تهديدٍ من قوات حكومة الوفاق الوطني (تبعد أكثر من 1000 كيلومتر عن الحدود المصرية) لن يكون كافياً لتبرير أي كارثة قد تحل بالجيش المصري لاحقاً.
كما يحتاج السيسي إلى تأمين الدعم الدولي للعملية، خصوصا دعم الولايات المتحدة التي لا يبدو أنها تؤيد ذلك، وهو الموقف ذاته لإيطاليا. كما لا يلقى التدخل العسكري المصري دعماً من جيران ليبيا المؤثرين، المغرب والجزائر، سيما وأن مصر حاولت تقويض دورهما في ليبيا، وأعلنت عن مبادرة السيسي الجديدة من دون أي تنسيق معهما.
المُرجح أن السيسي سيأخذ ما سبق في الاعتبار، وأنه سيعتبر من تجارب غيره، إلا إذا رَغِب في الخروج من التاريخ كما خرج رومل، سيما وأن ضباط جيشه غير مستعدّين لاستبدال الحياة في جمهوريتهم الفاخرة بخيم وخنادق في صحراء ليبيا.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.