ركن المصمّم: مع أسامة عمّار

ركن المصمّم: مع أسامة عمّار

14 مايو 2019
(أسامة عمّار)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مصمم غرافيك في أسئلة سريعة حول خصوصيات صنعته ومساهماته في الثقافة البصرية العامة للإنسان العربي.


■ كيف بدأت حكايتك مع التصميم الغرافيكي أو كيف أصبحت مصمماً؟
- يمكن القول بأنها بدأت من الطفولة ضمن شغف كبير بالرسم. كثيراً ما كنت أرسم على حيطان البيت أو في الشارع. كان كلّ ذلك مدخلاً إلى عالم التصميم، حيث إنني اخترت بعد الباكلوريا مواصلة الدراسة في اختصاص التصميم في "الجامعة العليا للعلوم وتكنولوجيا التصميم" بتونس. بعدها، قمت بتجارب مهنية في كندا وفرنسا، ثم عدت وفتحت استوديو خاصّاً في تونس. في هذه التجارب، كان مصدر إلهامي هو رموز الحياة اليومية، وأيضاً تحضُر مفردات الثقافة الأمازيغية في أعمالي، كما طعّمتها بعناصر بصرية من أفريقيا الوسطى. هدفي دائماً أن أنقل رسائل نابضة بالحياة وأحتفي بالثقافات التي تسعى إلى تحقيق نهضة.


■ هل تعتقد أن هناك لغة أو هوية تصميمية عربية خاصة، تعكس ثقافات وهوية المجتمعات العربية اليوم؟
- بشكل عام، أعتقد أن كل مجتمع يحفر تاريخه الاجتماعي والأنثروبولوجي ومنه تخرج هوية بصرية خاصة به، قد لا تكون رسمية بالضرورة. في اعتقادي، لدى مجتمعنا العربي، أو على الأقل تونس وشمال أفريقيا، لغة بصرية متميزة... تلك الخلطة العربية الأمازيغية التي تتميّز بألوان صهبة ورموز هي رصيد عظيم للإبداع والتعبير.


■ هل يمكن تشبيه التصميم بالعمارة، بمعنى أننا نسكن اليوم في فضاء يصنعه المصممون؟
- نعم، المصمّم عنصر في المجتمع، ومن خصوصياته أنه يتدخّل في كل الميادين لإيجاد ظروف حياة أسهل، بمساهمات جمالية أو ترفيهية، كما أن له دوراً رئيسياً في صياغة الفضاء وتوفير راحة بصرية ونفسية للمتلقّي.


■ كيف تنظر إلى التصميم الغرافيكي، وهل تعتبره فناً أم صنعة، ولماذا؟
- بالنسبة إلى الرسم، هو فن تعبيري بالأساس. لكن لا بدّ برأيي من تعلمّه وتطويره أكاديمياً. عموماً أعتقد أنه من الضروري توفّر توازن بين المعرفة الأكاديمية والهواية، فالثانية تتيح للفنان التحدّث بطريقة عفوية وهذه العفوية لها إيجابياتها في التواصل مع المتلقين.


■ ما هي أبرز التحدّيات التي تواجه عملك كمصمم؟
- إنه لأمر مزعج أن نقول إن عالمنا العربي لا يولي أهمية كبيرة للعمل الفني، ومنه تتفرّع قلّة الاهتمام بالغرافيك والأفكار الإبداعية التي يشتغل عليها الفنانون. لا أرى تقديراً كافياً لجهد المصمم الغرافيكي وما ينفقه من وقت وبحث في أعماله. أعتقد أن الموطن العربي بحاجة إلى تأهيل ومعرفة بأبجديات الفنون البصرية لتذوّق الفن وتقدير الفنانين.


■ المسؤولية الاجتماعية للمصمم، كيف تراها؟
- للمصمم شبهٌ برجل السياسة؛ عليه أن يناقش الجميع، وأن يكون منفتحاً على جميع المجالات، وأن يتابع كل أنواع الأخبار في جميع الميادين. كما يلعب المصمم الداخلي أيضاً دوراً مهماً للغاية في معالجة العديد من المشكلات النفسية والبيئية وهذه مسؤوليات جسيمة.


■ كيف تعلّق على غياب ظاهرة المصمم الملتزم بقضايا مجتمعه واكتساح ظاهرة المصمم التجاري أو ذلك الساعي الى العمل لصالح الشركات والمؤسسات الفنية الكبرى؟
- هذه الإشكالية لها زوايا متعدّدة، فمن جهة لا يخفى أن الفنانين يعملون من أجل مصلحتهم المادية الخاصة، وهذا طبيعي، ومن جهة أخرى هناك بيئة تتجاهل عملهم إذا كان منسوب الفنية فيه عالياً، لذا يجد المصمم نفسه مضطراً للتوجه إلى الشركات تاركاً في الغالب هويته كفنان ليصبح موظّفاً ويتجه إلى ما هو مطلوب تجارياً، وهذه الوضعية خطيرة، ليس على الجانب الفني وحده، بل على الفكر والحسّ النقدي أيضاً. هذا الوضع موجود بقوة في العالم العربي للأسف.


■ ماذا أبقت برامج التصميم الإلكترونية للعمل اليدوي، مقارنة بالسبعينيات والثمانينيات مثلاً؟
- علينا أن لا ننكر بأن الفن الغرافيكي قد تطور بشكل كبير مع ظهور البرمجيات، ولا يمكن للفنان أن يبقى بمنأى عن ذلك. لقد أصبح غياب هذه الوسائل الحديثة مؤثراً على جودة المنجز الفني، وبالتالي بات من الضروري على الفنان الاستفادة من هذه الثورة التكنولوجية ليكون فنّه تنافسياً.


■ كيف تقيّم تعليم التصميم الغرافيكي في الجامعات العربية؟ نلحظ غياب معاهد خاصة بالتصميم وحتى نقصا في كليات التصميم، ما السبب في رأيك؟
- كما بيّنتُ سابقاً، هناك غياب لثقافة فن الغرافيك في العالم العربي، وهو أمر لا يتعلق بالتصميم وحده، بل بمجمل الفنون البصرية، وبالتالي من المنطقي أن نجد التصميم مهمّشاً في الجامعات العربية. ومع ذلك، فإن المصممين كثيراً ما تجاوزوا هكذا عوائق، من خلال نجاعة أعمالهم الاقتصادية، فتاريخ التصميم يشير إلى أسماء كثيرة نجحت في تغيير صورة شركة بأكملها ومنح روح للمنتج أو العلامة التجارية.


■ ما هو آخر تصميم قمت به؟
- أعمل باستمرار، سواء في التصميم أو في رسم لوحات فنية. آخر ما أنجزته في مجال التصميم هو مجموعة حقائب يد جرّبت من خلالها إعادة الاشتغال على لوحات لي في محمل غير معتاد، وبعيداً عن فضائه الأصلي؛ اللوحة. الفكرة جديدة بالنسبة إليّ، وهي محاولة لتمرير الفن عبر مسالك مختلفة، فحين نعلم أن شراء اللوحات ليس ممارسة دارجة في مجتمعاتنا، قد تكون أغراض الحياة اليومية سبيلاً لإيصال الفن. يسعدني الترويج لأعمالي الفنية عبر الحقائب، فيخرج الفن من المعرض إلى الشارع والحياة اليومية.


■ هل هناك تصاميم قمت بها وندمت عليها؟
- عند إنجاز عمل فني، غالباً ما يشعر الفنان بأنه جزء منه، فقد اشتغل عليه ساعات من البحث والتنفيذ. كل ذلك يجعله يتماهى مع أعماله، لذلك أجيب بأنني لم أندم على عمل أنجزته، سواء كان لوحة أو تصميماً. في المقابل، هناك أشكال أخرى من الألم يمكن أن تمر بالفنان مثل سرقة أعماله، وأنا شخصياً سُرقت مني لوحتان خلال معرض. أقلقتني تلك السرقة كثيراً، لنفس السبب الذي ذكرته، فالعملان جزء منّي.


■ يوصف المصمّمون بأنهم أصحاب شخصيات "صعبة" و"زئبقية" أي يصعب التعامل معها. هل توافق على هذا وما هو تفسيرك، وما هي نصيحتك أخيراً لمن يتعامل مع مصمم؟
- نعم لدينا، كمصمّمين، شخصيات مختلفة قليلاً، والمجتمع العربي في معظمه لا يعرف المصمّم وظروف عمله، ناهيك عن التعامل المباشر معه وتأمين حقوقه المالية.


بطاقة
وُلد أسامة عمّار في تونس عام 1985، وهو يراوح بين الفن التشكيلي والتصميم. أقام ستّة معارض فردية، منها "كريانوفا (المرأة)" (2014، ثم 2017)، و"Lodge" (2016)، و"Game" (2018). من معارضه الجماعية: "مرسى الحياة" (2016)، وCotton cake" (2017)، كما شارك في "المعرض الدولي للفن المعاصر" (2017) في المغرب، و"المهرجان الدولي للفنون الجميلة" (2018) في المحرس بالقرب من مدينة صفاقس.

المساهمون