Skip to main content
رقصة الفراشة ولسعة النحلة
أحمد عمر
أردوغان يتحدث عن مقتل خاشقجي في البرلمان التركي (23/10/2018/Getty)
يمكن وصف خطاب الرئيس التركي، أردوغان، الذي انتظره العالم على أحرّ من الجمر، بأنه خطاب "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم"، وأن أردوغان، في خطبته كان يرقص كالفراشة، ويلسع كالنحلة. تجلى اللسع في اتهام القتلة بالقتل مع سبق الإصرار والترصّد، وأن أطرافاً عليا خلفهم، من غير تسمية. طعم العسل ظهر في الخطاب الودّي مع الملك سلمان بالمناشدة تحت ظلال اتفاقية فيينا، والمناصحة بوصف إدارة القنصل بالسوء، وطلب كشف اسم المتعهد المحلي، وهو مصطلح إنكليزي من أفلام الجريمة، والختم بالطابع الرسمي على كل ما سُرِّب إلى الصحافة مع إضافاتٍ جديدة، فلن يظهر محلل أو مذيع أو كاهن ليقول: "إذا، وربما، أو". انتهت مرحلة أحرف الجر الزائدة، وأحرف العطف، وستأتي مرحلة "سقط الدب عن الفنن"، فالدّببة لا تصلح لتسلق أغصان الأشجار العالية، وستسقط إن لم تكن بالضربة القاضية، فمن أثر المنشار، فقد نشر الدب الجذعَ الذي كان يجلس عليه، أو يقع من ثقل وزنه من كثرة أكل الرز، الرز يسبب أمراضاً كثيرة، أهمها السكري والبري بري.
يمكن الظن أنَّ محادثاتٍ كثيرةً جرت في الليلة التي سبقت الخطاب، فتحولَّ من ريحٍ عاصفةٍ إلى ريحٍ ليّنة، فالطبخ على نار هادئةٍ أطيب، أو أنَّ الرئيس التركي أوهمَ بذلك. الانتقام على طريقة الصعيدي هريدي التي انتظرناها غير نافعة، إنها الحقيقة على جرعات، والأمانة ثقيلة، وقد حملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً. فالمتهم ملك، سوى أنَّ كشف فيديو تقطيع الجثة فظيع، وسيؤذي أهل الشهيد، وقد يكون غير صالحٍ للنشر، إلا إذا أُجبرت المحكمة على ذلك. كان المنصف المرزوقي يحذّر دائماً من حصر الطاغية في الزاوية خوفاً من انتقامه، أو من سوء تصرّفه.
ويُظَنُّ أنّ الرئيس التركي أجّل توجيه اللكمة القاضية، ليس لأنَّ العرض جميل وممتع في بلادٍ عرفت بالمسلسلات الطويلة، وهو لا يخلو من التشويق البوليسي، بل لأنَّ القضية جنائية ودولية، وتحتاج إلى التعاون مع خادم الحرمين وملك المسلمين. في أميركا الصفقة جزء من العدل، أحياناً تصافق الدولة مجرمين عتاة، نرى مثاله في قصة فيلم "اقبض عليّ لو كنت تستطيع" لدي كابريو، المأخوذ من قصة واقعية، والمتهم أمسى ضابطاً في السلك الجنائي! ليس هذا مديحاً للعدل في أميركا، فالعدالة فيها آخر ما يُمدح، والديمقراطية أسوأ حالاً، لكنها قائدة العالم، وهي تدفع جزءا من جبل الجليد العائم وفوقه جثة. كما أنّ التحقيق لم ينتهِ بعد، ويحتاج معونة المتهم. يقال في الأمثال لوّح بالسيف ولا تضرب به.
القمح في الخطاب أنَّ التهمة عليها قرائن واضحة، أضاف إليها الرئيس التركي وجوب إضافة متهم تاسع عشر، لا نعرف من سيكون، ومهلة لرواية جديدة، وسلوك جديد، والرواية الجديدة ستجعل روايات المملكة ضعيفةً، بعد ثلاثٍ كاذبات، والزيوان في الخطاب سياسي مفيد، بعض الحصى يساعد على هضم القمح، فنحن شعوبٌ داجنة. لقد تجنَّب الحديث عن شرف تركيا المثلوم، والمطالبة بأقصى العقوبات، فما هكذا تورد الإبل، في بلاد الإبل.
تبدّتْ علاماتٌ مبشِّرة بتطبيع إعلام السعودية الملكي أكثر من الملك، مع خطاب "سلطان الإخوان"، منها بثُّ القنوات السعودية خطاب أردوغان مع تجنّب الحفاوة به، أو وضع عناوين جانبية كبيرة، وقد نرى بشائر أخرى قريباً. يستبشر بعض المتفائلين بانفراج مصري، وما علينا سوى أنّ ننتظر.
يستطيع كل طرفٍ تذوّق العسل من الخطاب، وفيه جرعاتٌ من الشمع والسّم، وسيطبخ الإعلام السعودي موائد إعلامية كثيرة، فخطاب أردوغان فيه مناشدة لخادم الحرمين وثناء عليه، الانتقام لا يفيد، وقد يقول قائل: البقرة حليبها طيب، ويمكن أن ينتفع به المسلمون، كما ينتفع به الأميركان.
ستعاني السعودية من مشقة تأليف رواية جيدة، والأهم أنّ تكفّ البقرة عن النطح، وقد نطحت نفسها وعجلها، وأن يربط العجل الهائج، وسيأكل في هذا الشوط الزيوان إلى حين.
كان الشهيد إصلاحياً مثل خطاب أردوغان، ولم يطلق يوماً أحد اسم الصفقة على الديّة، وستكون كبيرة في كل الأحوال.