رفعت الأسد والزهايمر وصدّام حسين

رفعت الأسد والزهايمر وصدّام حسين

16 اغسطس 2020
+ الخط -

يدخل السوري إلى وسائل التواصل الاجتماعي ليتسلى ويتخفف من حمولات الهموم والمصائب والبلاوي الرابضة على قلبه. ولكن، وبسبب سوء الطالع الذي يلازمه منذ عرفتْ بلاده حزبَ البعث وطغمة الأسد، يزداد طينُه بلة، وطنبوريُّه نغماً. 

يقلب صفحات "فيسبوك"، متجاوزاً المنشورات عن مناعة القطيع ضد وباء كورونا التي يتبعها نظام الأسد، فيحصد بها أرواح مَن تبقى من الناس في البلاد. يفكّر بأن هذا النظام، منذ تأسس سنة 1970، يقوم على قتل الشعب، بيده أو بالأوبئة. وفجأة يأتيه، عبر "واتساب"، خبر مفصل عن ذكرى مجزرة هنانو في حي المشارقة بحلب التي ارتكبها نظام الأسد في 11 أغسطس/ آب 1980، يومَ سيق 41 مواطناً جُمعوا من الحارة على نحو اعتباطي إلى داخل المقبرة، وأعدموا رمياً بالرصاص. يقول السوري المغدور لنفسه إن تنظيمات القتلة يومذاك كانت تتألف من أجهزة المخابرات، إضافة إلى سرايا الدفاع، والوحدات الخاصة، والفرقة الثالثة التي كان يرأسها شفيق فياض. يغلق صفحة الخبر قبل الانتهاء من قراءة أسماء الرجال الذين قُتلوا من دون ذنب. يدخل إلى "تويتر"، فيطالعه فيديو عليه صورة قائد سرايا الدفاع، رفعت الأسد، الذي ارتكب بضع مجازر، منها مجزرتا حماة وسجن تدمر. يبتسم لأنه يعرف مسبقاً أن هذا الرجل مصابٌ بضعف في الذاكرة يمكن تصنيفه طبياً في خانة "الزهايمر". يفتح الفيديو فتتأكد له صحة ملاحظته، فعلائم الخَرَف باديةٌ على وجهه لا لبس فيها، ولكنه، مع ذلك خبيث، يسعى إلى زعزعة قناعات الإنسان السوري الراسخة، إذ يقول في الفيديو إنه لم يكن قَطُّ قائداً لسرايا الدفاع، وسورية لم يكن فيها شيء اسمه سرايا الدفاع أصلاً! ويضيف إنه لا يعرف أين تقع مدينة حماة (ولو أن المطرب الراحل معن دندشي واجهه بأغنية سمعت عنين الناعورة، لقال له: أيش يعني ناعورة؟). وطالما أن رفعت لا يعرف حماة، وحماة لا يوجد فيها نواعير، فإن المجزرة التي قُتل فيها عشرات الألوف من سكان حماة ستبقى عائمة، لا نعرف اسم مرتكبها.

تعتبر سورية من البلدان المعتدلة مناخياً. ولذلك قلما يعاني أهلُها من الحر الذي ابتكروا له اسماً محلياً هو "الشُوب". واشتقّوا من هذا الاسم فعلاً غريباً هو "شَوَّب"، بمعنى غضبَ لأنه ضاق ذرعاً بالحر، ومن يغضب بسبب الحر يقولون عنه "مشوّب".. ثمّة مشهد ذو نكهة سورية خالصة، تكون فيه واحدة من الحارات السورية هاجعة، في ظهيرة يوم من شهر أغسطس/ آب، وفجأة يسمع الناس جلبةً وهياطاً ومياطاً، ويرتفع صوتُ رجل غاضب، يزمجر بالسباب والوعيد، يترافق مع أصوات خبط وتكسير وتطبيش، وأحياناً يُسمع صوت رشقة رصاصٍ من مسدس أو كلاشينكوف، فيخرجون إلى الشرفات، أو إلى الزقاق، ويسأل بعضهم الآخر: أيش صاير؟ فيأتي الجواب: جارنا فلان الفلاني مشَوِّب! 

يشاهد السوري الطفران، خلال جولته في العالم الافتراضي، فيديو لرجل عراقي غضبان (مشوّب) يهاجم قومه الشيعة، ويقرّعهم بأقسى العبارات، ويبدي ندمه لأنه كان، طوال عمره، يدافع عنهم. ويعتذر لصدّام حسين في قبره، لأنه (صدّام)، بحسب ما استنتج، خلال جنون "الشوب"، كان رجلاً عادلاً منصفاً، وأحسن من أحسن شيعي. هذا العراقي المشوب حالةٌ شاذة، تقوم على رد فعل مؤقتٍ ينتهي مع ميلان الشمس إلى الغروب، وهبوب نسمات المساء الباردة.. ومن تجربتي الشخصية، وأنا أخوكم، ما زلت أحكي، منذ عشر سنوات، عن إجرام حافظ الأسد، ووريثه القاتل المحترف، ولا يزيد ذلك متابعيَّ إلا حباً بي وإعجاباً، ولكن، ما إن أنوه إلى أن صدّام حسين لم يكن يقل ديكتاتورية وإجراماً عن حافظ وبشار الأسد حتى ينهمر عليّ السباب، ويطالبني محبّو صدّام بأن أكون ديمقراطياً فأتقبل رأيهم، على أساس أنه رأي آخر!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...