رضا ضراب... رجل الأعمال التركي المتهم بخرق عقوبات إيران

رضا ضراب... رجل الأعمال التركي المتهم بخرق عقوبات إيران أمام المحاكم الأميركية

27 نوفمبر 2017
تبدأ محاكمة رضا ضراب في أميركا اليوم (الأناضول)
+ الخط -
رغم التوتر الشديد الذي يحيط العلاقات التركية الأميركية، على مختلف الصعد؛ تبدو قضية رجل الأعمال التركي إيراني الأصل، رضا ضراب، الذي تبدأ محاكمته في أميركا اليوم الإثنين، واحدة من أهم المشكلات العالقة بين الطرفين، ليس فقط لعلاقات الأخير المتشعبة في السياسة التركية والإيرانية والأذرية، ولكن لنتائج هذه القضية التي قد يكون لها أثر رجعي على واحد من أهم المصارف التركية، ممثلًا ببنك "خلق" الحكومي، المتهم بتسهيل خرق العقوبات الأميركية على إيران، والذي قد يضطر، في حال لم يتزمت الادعاء الأميركي، إلى تسوية الغرامة التي قد تفرض، كما حصل مع عدد من البنوك الأوروبية في السابق.

ولا تتوقف أهمية قضية ضراب على بنك "خلق"، ولكن يبدو أنها تحولت إلى واحدة من أوراق المساومة والضغوط بين كل من واشنطن وأنقرة، بسبب العلاقات المتوترة بين الجانبين حول عدد من المواضيع، تأتي على رأسها السياسات الأميركية في سورية ودعم "حزب الاتحاد الديمقراطي" (الجناح السوري للعمال الكردستاني)، ورفض واشنطن تسليم زعيم "حركة الخدمة"، فتح الله غولن، لأنقرة.

وتبدو قصة الصعود السريع لرجل الأعمال الثلاثيني، المعروف أيضًا باسم رضا صراف بحسب ما هو مدوّن في القيود التركية، واحدة من أغرب القصص، إذ ولد في مدينة تبريز الإيرانية (1983) وأتم تعليمه في العاصمة الأذرية، باكو، وتتضارب الأخبار حول إتمامه تعليمه الجامعي من عدمه، ولكن في كل الأحوال لم يكد ضراب يتم العشرين من عمره، حتى انتقل برفقة عائلته إلى مدينة دبي الإماراتية، ليبدأ من هناك حياته التجارية، في "مركز تبادل النفائس" و"مركز السلام" العاملين في تجارة الذهب والعملات، قبل أن ينتقل للحياة في مدينة إسطنبول في عام 2006.

وانتقل ضراب، ابن العائلة الغنية التي تحمل الجنسيتين الأذرية والإيرانية، من كونه كاتبًا لأغاني "البوب" والـ"أرابيسك" لعدد من كبار المغنين الأتراك؛ إلى واحد من أباطرة تجارة الذهب والعملات في تركيا والشرق الأوسط، عبر عدة شركات أسسها في مدينة يالاوا التركية بالقرب من إسطنبول، حيث أسّس حوضًا لبناء السفن، انتقل بعده لقطاع التعهدات وتجارة الحديد، ومن ثم وسّع من أعماله في قطاع النقل والتجارة البحرية ليؤسس شركة "رويال مارين" في عام 2008، والتي تحولت في وقت لاحق إلى شركة قابضة لتجارة الذهب، لتتمكن الأخيرة، بحسب تقارير إعلامية، خلال عام 2012، من الاستحواذ على 46 بالمئة من قيمة صادرات الذهب التركية.



وكتب ضراب كلمات أغاني عدد من المطربين الأتراك المشهورين، مثل إبراهيم تاتليسيس، وسيبيل جان، وكذلك مغنية البوب التركية إبرو غونيش، التي عاش معها قصة حب تم تتويجها بالزواج عام 2010، لتتصدر أخبار الزوجين مانشيتات المجلات والجرائد التركية، بسبب الهدايا الفاخرة التي كان يقدمها ضراب لزوجته وأم أطفاله، منها منزل في الجبل بقيمة 26 مليون ليرة، ومصيف في مدينة بودروم التركية بقيمة 1,8 مليون ليرة، وسيارة بقيمة مليون ليرة، إلى غير ذلك، قبل أن يحصل برفقة أبيه حسين، وأخيه الأكبر محمد ضراب، على الجنسية التركية في عام 2013، بصفتهم "أشخاصًا استثنائيين".

بدأت متاعب ضراب منذ العام 2011، عندما قامت إدارة الجمارك التركية بإلقاء القبض عليه في مطار أتاتورك الدولي وبحوزته 150 مليون دولار، بتهمة القيام بنقل الأموال بشكل غير شرعي، ليتم إطلاق سراحه في وقت لاحق.

كانت إمبراطورية عائلة ضراب التجارية، بعلاقاتها المتشعبة في السياسة الإيرانية، أحد أكثر من استفاد من العقوبات الأميركية التي كانت مفروضه على إيران بسبب برنامجها النووي. وتشير التقارير إلى أن والد رضا، حسين ضراب، كانت له علاقات شخصية قوية مع الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد (2005-2013)، وكذلك وجّه رسالة إلى البنك المركزي الإيراني خلال فترة العقوبات الأميركية، أكد فيها استعداده للقيام بـ"الجهاد الاقتصادي"، في إشارة إلى رغبته في التعاون مع طهران للتحايل على العقوبات.

واتهمت السلطات الأميركية حسين ضراب بخرق العقوبات الأميركية على إيران، وتم تغريمه تسعة ملايين ومئة ألف دولار، ولكنه تمكن من تخفيض هذه الغرامة إلى 2,3 مليون دولار بعد تعاونه مع السلطات الأميركية.

إضافة إلى ذلك، أقام ضراب علاقات قوية مع بابك مرتضى زنجاني، أحد أكبر رجال الأعمال الإيرانيين بثروة تقدر بـ13,5 مليار دولار، والذي لعب دورًا كبيرًا في مساعدة طهران على خرق العقوبات الأميركية في تصدير النفط، وقد أشارت بعض التقارير إلى أن زنجاني كان يخاطب ضراب بلقب "رئيسي".

عمليات الالتفاف على العقوبات الأميركية، بحسب التقارير، تمّت من خلال مجموعة "سورينت" التجارية التي يمتلكها زنجاني، وكانت تتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقرًا لها، قبل أن يتم إلقاء القبض عليه عام 2013، بتهمة الحصول على 2,7 مليار دولار من أملاك الحكومة الإيرانية بشكل غير شرعي، تلاه الحكم عليه بالإعدام، عام 2016، بتهمة "الاختلاس والإفساد في الأرض".

وبحسب التقارير الرسمية التركية، فقد بلغت صادرات تركيا من الذهب، في عام 2012، مئتين واثنين وخمسيًن طنا و400 كلغ، من الذهب منها 126 طنًا إلى إيران لقاء الصادرات الإيرانية النفطية والغازية لتركيا، و85 طنًا إلى الإمارات.​


بسبب علاقاته المتشعبة مع الحكومة التركية، تحوّل ضراب إلى أحد أهداف حركة "الخدمة" بقيادة فتح الله غولن، منذ عام 2013، إذ كان أحد الأسماء التي تم اتهامها بقضايا فساد وتهريب وسوء استعمال المنصب الرسمي، فيما بات يعرف في تركيا بتحقيقات 17-25 كانون الأول/ ديسمبر 2013، حين تم إلقاء القبض عليه مع ثلاثة أبناء وزراء، وهم وزير الداخلية، معمر غولر، ووزير البيئة والتخطيط المديني، إردوغان بيرقدار، ووزير الاقتصاد، ظفر جاغليان، إضافة إلى تورط وزير شؤون الاتحاد الأوروبي في الحكومة التركية حينها، إيغمن باغش، ومدير بنك "خلق" الحكومي التركي.

وكشفت التحقيقات أيضًا أن إيران تمكنت من خرق العقوبات، عبر تحويل عائدات البترول إلى شركات متواجدة في كل من تركيا والصين، والتي كانت تقوم بدورها بشراء الذهب ونقله إلى إيران عبر مدينة دبي، وتم إطلاق ضراب بعد 70 يومًا من الاعتقال، رغم التسريبات الصوتية التي تم نشرها على الإنترنت لمكالمات بينه وبين وزير الداخلية، بعد حملة واسعة شنتها الحكومة التركية على أنصار "حركة الخدمة" في وزارة الداخلية التركية والقضاء، وتغييرات كبيرة في مواقع الضباط والمدعين، وصولًا إلى رفض الحكومة التركية رفع الحصانة عن الوزراء الأتراك، رغم الضغوط الداخلية الكبيرة التي تعرضت لها، قبل أن تسقَط الدعاوى ويبرأ المتهمون جميعًا.

ويبدو أن ضراب كان يعوّل على تحقيق صفقة مع الادعاء الأميركي، كالصفقة التي قام بها والده. ورغم معرفته بالدعاوى الجاهزة ضده في نيويورك، توجه ضراب إلى الولايات المتحدة، ليلقى القبض عليه في مدينة ميامي في ولاية فلوريدا، بتهم غسل الأموال وخرق العقوبات الأميركية ضد إيران، في الدعاوى التي كان يقودها المدعي الأميركي، بريت باهارا، الذي اتهمته الصحف التركية بالتعاون مع "حركة الخدمة"، قبل أن يقرر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تغييره بعد وصوله إلى منصب الرئاسة.

وبدا واضحًا خلال التحقيقات تحول قضية ضراب إلى إحدى أوراق واشنطن السياسية للضغط على أنقرة، إذ إن التحقيقات في القضية شملت أيضًا زج اسم زوجة الرئيس التركي، أمية أردوغان، عبر اتهام ضراب بالتبرع بمبلغ 4,5 ملايين دولار إلى إحدى الجمعيات التي أسستها.

وتُحرّك الدعوى مع كل تطور في أي أزمة أو توتر تشهده العلاقات بين أنقرة وواشنطن، كإحدى وسائل الضغط، وقد كانت آخر التطورات، زج اسم وزير الاقتصاد التركي السابق، ظفر جاغلايان، والنائب السابق لمدير بنك "خلق"، سليمان أصلان، إضافة إلى اعتقال السلطات الأميركية مدير بنك "خلق" السابق، محمد حاقان أتيلا، في مارس/آذار من العام الماضي.

وتدور الكثير من الأحاديث في التقارير الإعلامية الأميركية، حول وجود طلبات من الرئيس التركي لإطلاق سراح ضراب وإغلاق القضية، مقابل قيام السلطات التركية بإطلاق سراح القس الأميركي، المتهم بالتعاون مع "حركة الخدمة"، أندرو برونسون؛ الأمر الذي كان قد أشار إليه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان في إحدى كلماته. لكن من الممكن أيضًا مبادلة القس الأميركي بزعيم "حركة الخدمة"، فتح الله غولن، بينما تضع بعض التقارير الاعتقالات الأخيرة التي قامت بها السلطات التركية، بحق عدد من العاملين المحليين الأتراك في البعثة الدبلوماسية الأميركية في إطار هذا التجاذب بين الجانبين.