لم تعلن بعد النتائج النهائية لمؤتمر "فتح" السابع، لكن ما رشح من نتائج ومعطيات، طيلة أيام المؤتمر الخمسة، والذي عُقد في مقرّ الرئاسة برام الله، وما يرشح حالياً من انتقادات لاذعة مبطنة وصريحة لقيادات "فتح" تصبّ في اتجاه وضع اللمسات الرسمية الأخيرة لانتقال "فتح" إلى "حزب للسلطة"، تقع على عاتقه مهمة الحفاظ على الوضع القائم الذي يتعايش مع الاحتلال. كما كرّس المؤتمر الرئيس محمود عباس رئيساً أوحد للحركة.
عباس الذي افتتح المؤتمر بعبارة "نعلن عن افتتاح المؤتمر... واللي مش عاجبو يصطفل"، سيواجه كمّاً هائلاً من الانتقادات والتظلمات لكوادر الحركة، لكنهم يعلمون بأنه لن يكون هناك تغيير في قواعد اللعبة حتى المؤتمر المقبل (عام 2020)، والذي نجح عباس بوضع نواته الحالية خلال الأيام الماضية.
في هذا السياق، يقول قيادي فتحاوي لـ"العربي الجديد"، إن "التركيبة الحالية للجنة المركزية التي تم تسريبها، أظهرت أن 60 في المائة من أعضاء اللجنة المركزية هم من في الضفة الغربية المحتلة، و35 في المائة من قطاع غزة، وأقلّ من 5 في المائة من الشتات. ما يعني أن المقصود هو نقل ثقل فتح إلى أماكن السلطة، لتكون حزب السلطة. وهذا يعود بنا إلى خطاب الرئيس الذي لم يتحدث كقائد للحركة، بل كان التداخل في خطابه كبيراً جداً لصالح حديثه كرئيس للسلطة".
ويتابع القيادي قائلاً إن "خطاب الرئيس لم يكن خطاب قائد فتح، بل خطاب رئيس السلطة الذي ركز على المقاومة الشعبية السلمية، والفساد، والمرأة، والمعوّقين، والتعليم، والتكنولوجيا، والفن. هذه رسالة دولة، أي سلطة، لا خطاب حركة ثورية". مع العلم أن المعيار الأساسي لاختيار أعضاء المؤتمر بنسبة 85 في المائة، هو أنهم من موظفي السلطة، مدنيين وعسكريين ومتقاعدين. ما يعني أن "فتح" ستحافظ على بقاء السلطة.
يذكر أن تمثيل أعضاء المؤتمر في الأيام الخمسة، كان من المجلس الثوري، واللجنة المركزية، والمجلس الإستشاري لحركة "فتح"، والسفراء، والعسكريين، وقادة الأمن، والمتقاعدين، وكبار موظفي الدولة، وبعض الوزراء، بمن فيهم رئيس حكومة الوفاق الوطني رامي الحمد الله، والنائب العام الفلسطيني أحمد براك. أي ممن يتقاضون رواتبهم من السلطة الوطنية الفلسطينية. كما أن المؤتمر نُظّم في مقر الرئاسة الفلسطينية، وعمل التلفزيون الرسمي الفلسطيني والإذاعة ووكالة الأنباء الرسمية "وفا" والأجهزة الأمنية على اختلافها لإنجاحه.
وفي نظرة سريعة على الأسماء الفائزة في اللجنة المركزية للحركة، وهي بمثابة السلطة التنفيذية، أي أعلى الهيئات في "فتح"، يظهر فوز ما تعرف حسب أعضاء المؤتمر بـ"كوتا الرئيس عباس"، أي الأعضاء الذين يحرص الرئيس على وجودهم في المركزية وهم، محمود العالول، وجبريل الرجوب، وحسين الشيخ، وصائب عريقات، وجمال المحيسن، ومحمد المدني، وعزام الأحمد، وعباس زكي، فيما استطاع توفيق الطيراوي بتحالفه مع ناصرالقدوة وروحي فتوح البقاء في المركزية، والتي خرج منها سلطان أبو العينين.
الأسماء الجديدة في المركزية لم تخرج من حسابات السلطة كوزير التربية والتعليم صبري صيدم، كما أُنهيت تحالفات دحلان في غزة عبر أحمد حلس، إضافة لدخول اللواء إسماعيل جبر، وعضو المجلس التشريعي السابق دلال سلامة، إلى اللجنة المركزية.
وترى أوساط فتحاوية بأن "تمثيل قطاع غزة ضعيف على الرغم وجود حلس، لأن جبر والقدوة وفتوح، محسوبون على النخبة السياسية في الضفة الغربية حيث يعيشون، في حين سُجل غياب مدينة القدس المحتلة من اللجنة المركزية بشكل كامل، وبقي تمثيل الشتات مقتصراً على سمير الرفاعي في إقليم سورية، وأي محاولة لتدارك الأمر عبر التعيين ستكون ضعيفة وغير مؤثرة". وتؤكد هذه الأوساط أن "إقصاء الشتات الفلسطيني من اللجنة المركزية واقتصارها على عضو واحد، أكد أن ثقل المركزية ينسجم مع ثقل السلطة في الضفة الغربية".
وعلى الرغم من أن القائد الأسير مروان البرغوثي تصدر قائمة اللجنة المركزية إلا أنه تم تفتيت تياره في "فتح" وعرقلة وصوله إلى اللجنة المركزية. مع العلم أن أعضاء اللجنة المركزية هم 23 عضواً، يتم انتخاب 18 منهم إضافة للرئيس، وتعيين أربعة أعضاء بموافقة 12 عضواً مركزياً.
ويرى الكاتب والمحلل جهاد حرب في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "النتائج الأهم للمؤتمر السابع هو تكريس الرئيس محمود عباس رئيساً للحركة. وأغلب الشخصيات الجديدة في اللجنة المركزية، هم من المقربين لعباس وعملوا معه، أو يتفقون مع نهجه السياسي". ويضيف بأن "المؤتمر السابع كرّس ما نص عليه المؤتمر السادس في عام 2009، بأن عباس ملك في نظام جمهوري، يمسك زمام الهيئات القيادية الأساسية الثلاث، السلطة الفلسطينية، ومنظمة التحرير، وحركة فتح".
من جهتها، تعتبر هيثم عرار وهي عضو مجلس ثوري سابق، وإحدى المرشحات التي لم يحالفها الحظ في اللجنة المركزية في تصريحات لـ"العربي الجديد"، بأنه "تمّ إقصاء قيادات الانتفاضة الأولى (1987 ـ 1993)، والعمل الجماهيري. والمؤتمر كان عبارة عن محاكمة لقيادات الانتفاضة الأولى مثلي أنا، وحسن اشتيوي، وإبراهيم خريشة، وسرحان دويكات، وبكر أبو بكر".
وتشير إلى أن "قيادات الحركة التي فازت تآلفوا على مصالح، ولم يتآلفوا على برنامج وطني أو تجديد في داخل الحركة. واللجنة المركزية لم تمثل الشباب أو العاملين في الميدان، بل كرّست القيادة التقليدية، أي الأمر الواقع، وأعادت تدوير نفس القيادات، لارتياحهم لهذه التركيبة".
وتضيف عرار أن "الأمر حصل أيضاً بقيادات تاريخية تم تعيينها أعضاء دائمين في اللجنة المركزية، كما قال الرئيس، لا أعضاء شرف كما تردد، وهم سليم الزعنون ومحمد غنيم (أبو ماهر) وفاروق القدومي". ولفتت إلى أن "الخلل كان من اليوم الأول وانعكس بوجود من 200 إلى 400 عضو مؤتمر، من كبار العاملين في السلطة وسفراء، ووزراء ورجال أمن. هؤلاء لم يكتفوا بكونهم أعضاء مؤتمر، بل تكالبوا على المؤتمر، ورشحوا أنفسهم للمركزية والثوري، مستفيدين من مواقعهم كأصحاب قرار في التوظيف والسيطرة على موارد الحركة والسلطة". وتوضح أن "الخلل كان من لحظة تصميم العضوية، لكننا قلنا إن ذلك سيتعدل في التصويت لكنه لم يتعدل، الخيار الديمقراطي الذي ذهبنا إليه لم يكن كافياً في ظل تصميم العضوية الحالي".
وتختم عرار قائلةً إن "الخطوات النضالية التي تتبنّاها الحركة، نعتبرها نحن جيل القيادة الوسطى غير قادرة على إقناع الشعب بأنها نضال ضد الاحتلال، فهناك عدم قناعة بواقعيتها، وبالخطوات التي تبنتها فتح لإنهاء الاحتلال. ويمكن لهذا السبب يعتبروننا متطرفين، لأن نهج المقاومة الشعبية السلمية المطروح حالياً هو نهج مقنن، وبحاجة إلى إعادة النظر".
بدوره يرى الصحافي والكاتب كايد ميعاري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "اللجنة المنتخبة مع حفظ الاعتبار لأعضائها الجدد، لم تنجح على مر سبع سنوات في العمل بروح القيادة الموحدة، وكل منهم كان يدور في فلك خاص به، حتى غدا كوادر الحركة في المستويين الثاني والثالث والرابع عبارة عن زبائن لدى هذا القيادي أو ذاك. ومنحت بيئة التناحر بين القيادات فرصة لكثير من المتسلقين، فرصة تبوء المراتب العليا في السلم التنظيمي والوظيفي من دون معيار واضح سوى مدى الولاء للقائد. ومن المتوقع احتدام هذا التناحر عند اختيار خليفة الرئيس محمود عباس إذا حصل وتم مناقشة هذا الأمر".