حمل خطاب الرئيس السوري بشار الأسد، غير المتوقع، يوم الأحد، أمام رؤساء وأعضاء المنظمات الشعبية والنقابات المهنية وغرف الصناعة والتجارة والزراعة والسياحة السوريّة، رسائل صادمة للمراقبين والشارع السوري بمختلف توجهاته. وما إعلان الأسد أن "جيشه يتعرض لخسائر بشرية كبيرة، الأمر الذي يضطره للانسحاب من مناطق للدفاع عن مناطق أخرى أكثر أهمية بالنسبة للنظام"، إلا اعترافاً غير مسبوق من النظام، بأن معظم مناطق شرق وشمال وجنوب سورية، قد خرجت عن سيطرته.
وكان الأسد قد بدأ خطابه بالحديث عن "خطر تمدّد الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط". واتهم دول الغرب ودول الخليج وتونس وليبيا، التي وصفها جميعاً بـ"المعادية لسورية"، بـ"تصدير الإرهاب إليها". كما اتهم الغرب بـ"النفاق وازدواج المعايير عند الحديث عن الإرهاب". وكان واضحاً أن رئيس النظام السوري تعمّد الانطلاق في حديثه من هذه النقاط، ليُقدّم نفسه كقوة رئيسية في المنطقة، تحارب التنظيمات المتطرفة لمنح نظامه شرعية "شرطي الإرهاب"، الذي يجب أن يعوّل الجميع عليه للقضاء على التطرف المنتشر في الشرق الأوسط، والذي تجسد أخيراً بتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وعلى الرغم أن الأسد ذكر أن "نظامه مستعد للدخول في أي حلّ سياسي، ولو كان أثره محدوداً جداً على التخفيف من حدة الصراع في سورية"، إلا أنه في نفس الوقت نسف الجوهر الذي يمكن أن تقوم عليه فكرة الحل السياسي في سورية، حين أكد على "رفض نظامه الدائم للاعتراف بمشروعية المعارضة السورية السياسية والمسلحة"، مجدداً رفضه الحوار معها.
اقرأ أيضاً: تجدد قصف الزبداني وتصاعد الحديث عن مفاوضات برعاية أممية
وقسّم رئيس النظام السوري المعارضة السورية إلى ثلاثة أقسام، فوصف القسم الأول بـ"الانتهازيين" والقسم الثاني بـ"العملاء" والقسم الثالث بـ"الوطنيين"، الذين "يسعون مع النظام إلى الخروج من الأزمة وزيادة مناعة الوطن" بحسب الأسد.
ويقصد الأسد بـ "الوطنيين المعارضين"، أولئك المقيمين في العاصمة السورية دمشق، والمتهمين من قبل باقي أطراف المعارضة السورية، بأنهم "تابعون للنظام السوري وأجهزة استخباراته، التي يأتمرون بأمرها، عبر منحهم الشرعية للنظام ويرسمون صورة غير حقيقية له، تُظهره على أنه نظام سياسي تعددّي يحتوي المعارضين ويتقبّل انتقاداتهم". وهو أمر تنفيه معطيات كثيرة، منها وجود أكثر من مئة ألف معتقل، على خلفية مشاركتهم بالثورة ضد النظام في السجون، وفقاً لـ"الشبكة السورية لحقوق الإنسان". وكان تجديد رأس النظام السوري رفضه للاعتراف بالمعارضة السياسية والمسلحة السورية، بمثابة إطلاقه للنار على جميع المبادرات الإقليمية والدولية، التي تعمل للتوصل لحلّ سياسي في سورية.
وجاءت تصريحات الأسد بعد يوم واحد فقط، من مغادرة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا دمشق من دون لقائه. وهو الأمر الذي فسّره مراقبون بـ"انزعاج النظام السوري من تصريحات دي ميستورا الأخيرة، التي طالب فيها النظام بوقف حملة القصف اليومي بالبراميل المتفجرة على مدينة الزبداني بريف دمشق".
على أن أهم ما ورد على لسان الأسد، على الإطلاق، كان اعترافه الضمني بتقسيم سورية، وتنازله عن السلطة على معظم أراضيها، التي باتت تحت سيطرة تنظيم "داعش" والمعارضة السورية. بالإضافة إلى إعلانه بشكل غير مباشر، بأن النظام أصبح قوة مليشيوية تقاتل قوى مليشيوية أخرى على الأرض السورية، بقوله إن "لا مشكلة في انسحاب الجيش السوري من مناطق سوريّة، بهدف الدفاع عن مناطق أخرى يراها النظام أكثر أهمية من الناحية العسكرية أو السياسية".
ويُشكّل اعتراف الأسد بـ"الانسحاب من مناطق سورية"، اعترافاً صريحاً بخسارة النظام مواجهات عسكرية كبرى مع قوات المعارضة في شمال وجنوب سورية. وتجلّى ذلك في انتقال النظام من خطاب "محاربة الإرهاب والقضاء عليه في كل سورية"، إلى خطاب "الدفاع عن مناطق أكثر أهمية من مناطق أخرى بالنسبة للنظام".
وكان لافتاً أيضاً اعتراف الأسد العلني والصريح بدعم إيران، التي وصفها للمرة الأولى بـ"الشقيقة" بدلاً من "الصديقة" كما جرت العادة، ليؤكد بذلك كلام المعارضة عن استحالة استمرار النظام بقتال قوات المعارضة، لولا دعم إيران المفتوح له والذي اضطر الأسد أخيراً لشكرها عليه.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، بل اعترف أيضاً للمرة الأولى بأن الدعم الذي تقدمه قوات "حزب الله" اللبناني لقوات النظام هو عنصر رئيس في استمرار النظام السوري، شاكراً الحزب على "تقديمه كل ما يستطيع لدعم النظام".
اقرأ أيضاً: ارتباك بريطاني حول "الأولويات" السورية