رسائل الصيد الحكومية الأخيرة... تصفية حسابات مع السبسي والغنوشي

رسائل الصيد الحكومية الأخيرة... تصفية حسابات مع السبسي والغنوشي

31 اغسطس 2016
اعتبر الصيد أن حصيلة عمله الحكومية إيجابية (فرانس برس)
+ الخط -
استغل رئيس الحكومة السابق، الحبيب الصيد، آخر فرصة رسمية لتصفية حساباته مع من يعتبرهم سبب استبعاده من السلطة، الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي.

كانت كلمته الطويلة جداً في احتفال تسليم وتسلّم السلطة لخلفه يوسف الشاهد، أول من أمس الاثنين، فرصة للعودة مرة أخرى إلى رؤيته لمبادرة الوحدة الوطنية وما ترتب عنها من تداعيات ونتائج سياسية انتهت بخروجه من الحكم، وإعادة تشكيل المشهد السياسي، الذي كان يحمل بعض آمال قيادته.
اعتبر الصيد أن حصيلة عمله في الحكومة إيجابية. حاول أن يذكّر الجميع بالظروف التي أحاطت ببداية عمله بعد الانتخابات. لفت إلى أن جميع المؤشرات كانت سلبية لكن حكومته تمكنت من تحسين بعضها. كذلك توقف عند نجاحه الأكبر المتمثل في مقاومة الاٍرهاب، والحد من اعتداءات المجموعات المسلحة (قبل أن يصل خبر الاعتداء الذي استهدف دورية للجيش في جبل سمامة في القصرين)، ومنع آلاف الشباب التونسي من التوجه إلى بؤر النزاعات، ومعالجة التهديدات الآتية من ليبيا.



وجّه الصيد من خلال هذا "الجرد" رسالة إلى السبسي خصوصاً، مفادها أن نتائج عمل حكومته لم تكن تشكل مبرراً لاستبعاده.
لكن الرسالة الأبرز للسبسي تمثلت في انتقاد المبادرة من أصلها. اعتبر الصيد أنها لم تأت بجديد، وأن وثيقة قرطاج والتي هي ثمرتها، كانت مجرد خطوط عريضة وأفكار مبدئية، لا تمثل شيئاً مهماً مقارنة بالوثيقة التي أعدتها حكومته للسنوات الثلاث المقبلة، وأصر أن يقدمها لخلفه يوسف الشاهد.

وجه الصيد انتقاداً صريحاً للسبسي، لأنه "أخطأ في تقدير المدة الزمنية لعمل الحكومة"، متمنياً لحكومة الشاهد أن تعمر مدة أطول من حكومته. لكن الصيد لا يعتبر أن السبسي هو المسؤول الوحيد عن قرار استبعاده. ويرى أن زعيم حركة النهضة مسؤول عن ذلك أيضاً.
في معرض كلمته، أطلق الصيد رسالة للغنوشي، بعدما امتنع عن ذلك علنياً طيلة الفترة السابقة. وقال في جملة ساخرة "هذه المرة أطلقنا مبادرة... وقد نحتاج في المرة المقبلة إلى فتوى من سيدي الشيخ".
ويبدو أن الصيد يئس تماماً من دعم النهضة، وهو ما جعله يصوب انتقاداته دفعة واحدة. وفقاً لبعض المصادر في الحركة، تحدثت إلى "العربي الجديد"، فإن الصيد كان مخطئاً تماماً في تقييمه لعلاقته بالنهضة. بحسب المصادر، فقد تم نصحه مرات عديدة بتقديم استقالته وعدم المجازفة بإدخال البلاد في حالة من الشك وإطالة فترة الأزمة بالاحتكام إلى البرلمان، بعدما استنفدت الحركة كل إمكانيات دعمه للبقاء. ووفقاً للمصادر، فإنه لو استقال لكان أبقى على شيء من تقدير السبسي الثابت له، وكان يمكن أن يبقي أيضاً على بعض حظوظه في قيادة الحكومة الجديدة، لكن تعنته قاد إلى هذه النتيجة المنطقية، لأنه قرر مواجهة الجميع.
في ما يتعلق بالجملة الساخرة التي أطلقها الصيد ضد الغنوشي، اكتفى الأخير بالتعليق عليها قائلاً إنها "مزحة وطرافة من الحبيب الصيد"، لكن أوساطاً في النهضة تحدثت إلى "العربي الجديد" عن انزعاجه بسبب "هذا التصرف السياسي البعيد عن الكياسة في مثل هذه المناسبات"، على حد وصفها.

وفقاً لمصادر تحدثت إلى "العربي الجديد"، فإن الصيد تناسى بسرعة كل الدعم الذي لقيه طيلة فترة حكمه من حركة النهضة، وزعيمها بالذات، خصوصاً في الأوقات الحرجة. وأكدت أنه لولا هذا الدعم لكان الصيد غادر الحكم قبل ذلك بكثير، إذ إن السبسي لم يكن مقتنعا بقدرته على التواصل مع التونسيين في فترة سياسية بامتياز، بالإضافة إلى فشله في إدارة العديد من الملفات، وأهمها استعادة هيبة الدولة وفرض الانضباط والتقليص من الإضرابات والاعتصامات، وإدارة الملف الاقتصادي.
وعلى الرغم من أن الصيد قدم لمحة عن نتائج عمله في الملف الاجتماعي ونجاحه في التوصل إلى اتفاقات مع المنظمات الاجتماعية، إلا أن الجميع يعرف أنه على الأقل لم يكن وحيداً في إدارة هذا الملف وإقناع الاتحاد العام التونسي للشغل بإمضاء بعض الاتفاقات، وأن السبسي والغنوشي أديا دوراً كبيراً في ذلك.

غير أن السؤال الذي يتم تداوله منذ يوم الاثنين يتمحور حول سبب إصرار الصيد على إحراق جميع أوراقه السياسية، وقطع حبل الوصال مع الجميع، وهل أن مرد ذلك هو قراره بوضع حد لمسيرته السياسية؟
يرجح مراقبون تونسيون هذه الفرضية، لأن المنافسة المقبلة لن يكون فيها مكان للصيد، خصوصاً أنه لا يحمل آمالاً سياسية واقعية بإمكانية خوض معارك انتخابية، ولا يستند إلى مرجعية حزبية تؤهله لذلك. الحزب الذي رشحه للحكومة، نداء تونس، كان من أول المطالبين باستبعاده. أما النهضة التي دعمت توليه رئاسة الحكومة في البداية، والتي كان يمكن أن يكون مرشحها للانتخابات الرئاسية المقبلة، صرفت النظر عنه نهائياً، إلا إذا تغيّرت الأمور جوهرياً. لكن داخل النهضة وحولها قائمة طويلة من المرشحين الذين يفوقون الصيد حيوية ومعرفة خصوصاً في الملف الاقتصادي.
ويبدو أن الصيد حسبها بهذا الشكل، وهو ما يفسر صراحته الكبيرة في كلمة يوم الاثنين، وتصفية الحساب بشكل نهائي مع الجميع، على الرغم من أن هذا الخيار جلب له كثيراً من الاحترام منذ قرر الاحتكام إلى البرلمان، برغم عدم صواب القرار سياسياً.