رسائل الحرب والسلام في اليمن

رسائل الحرب والسلام في اليمن

20 ابريل 2015

قوات سعودية قرب الحدود مع اليمن (16أبريل/2015/Getty)

+ الخط -

أصبح من المعلوم في الإقليم، بالضرورة، أن ما يجري في اليمن منذ عام يتلخص في محاولة الحوثيين وعلي عبدالله صالح، تغيير المعادلة اليمنية، وفرض أمر واقع جديد يكاد يقلب المنطقة رأساً على عقب. وبات واضحاً، أيضاً، أن رد الفعل على تلك المحاولات تأخر كثيراً، سواء في الداخل اليمني بهشاشة سلطة الرئيس عبدربه منصور هادي وليونتها، أو عربياً، إذ ظل الخليج يتابع التدهور المتزايد من دون استجابة فاعلة. ما أغرى الحوثيين وصالح بالمسارعة إلى إنهاء الموقف، وإكمال السيطرة على اليمن ومدخل البحر الأحمر، عسكرياً وسياسياً، ومن ثم رسمياً، ليكتمل الإجهاز على الدولة اليمنية بصيغتها العربية المعروفة. وحيث إن "السابق فائق"، كان على الدول العربية المعنية تعويض التفوق الحوثي، أولاً، قبل التفكير في استعادة الدولة اليمنية. فهبت "عاصفة الحزم" في اللحظات الأخيرة، قبل أن تكتمل الخطة. وبالفعل، نجحت العمليات العسكرية حتى الآن في وقف التمدد الحوثي، وكسر سيطرتهم على مفاصل الدولة. والأهم أنها قطعت الطريق على ما بدأه الحوثيون بالفعل من إحلال وتبديل في مناصب الحكم ومؤسساته، فحالت دون تشكيل نظام جديد للحكم كان سيدعي امتلاك الشرعية، ويحاجج بها داخلياً وخارجياً، مدعوماً بالقوة العسكرية والسيطرة الميدانية.

المشهد الراهن، أن الوضع على الأرض سجال، والسيطرة على ساحات العمليات بين كر وفر، غير أن الحديث عن سقوط شرعية هادي، وبالتالي الحق في السيطرة على الدولة بحجة "الثورة"، لم يعد مطروحاً من الحوثيين أو علي صالح، ما يعطي ميزة كبرى وأفضلية سياسية وقانونية لمعسكر هادي، ووراءه دول "عاصفة الحزم". تلك الميزة ما لم يتم استغلالها والبناء عليها سريعاً، ستنحسر أهميتها، خصوصاً إذا استغرقت العمليات العسكرية مزيداً من الوقت، من دون حسم أو انتصار واضح. وهنا، تأتي دلالة المواقف والإشارات الصادرة من مختلف الأطراف، فمنذ أيام، شهدت العواصم المعنية بالأزمة، والمتدخلة فيها، زخماً سياسياً واتصالات دبلوماسية مكثفة بين كل الأطراف. وبعد أن تلا ذلك صدور قرار مجلس الأمن 2216، بما يعنيه من مواربة الباب لإيجاد مخرج سياسي، خرجت طهران بمبادرةٍ لا تضيف جديداً، ولا تبتدع حلولاً، لكن هذا بذاته يعطي دلالة واضحة لرغبتها في التسوية السياسية، خصوصاً أنها أرفقت تلك المبادرة بإعلان صريح عميق المغزى، بأنها ستتدخل لدى أصدقائها في اليمن، لإتاحة المجال أمام التسوية.

وقد جاء جديد الموقف الإيراني بعد إعلان السعودية ومصر تنظيم مناورات مشتركة ضخمة على الأراضي السعودية. وأقل العارفين بالشؤون العسكرية يدرك أن الجيوش لا تجري مناورات وقت الحرب، بل وقريباً من ميدان القتال. وكما أن مجرد الإعلان عن الخطوة السعودية المصرية يحمل بذاته رسالة وصلت إلى طهران بالتأكيد، فإن الرد عليها أيضاً وصل أن القوة العسكرية الإيرانية موجودة من الخليج إلى المحيط إلى البحر الأحمر، وصولاً إلى البحر المتوسط.

وفي هذه الرسائل المتبادلة من احتمالات الخطورة ما يدعو كل الأطراف إلى التعجيل بإيجاد آليةٍ، ولو مبدئية، للمسار السياسي.. وصدور تلك الإشارات، بعد حزمة المشاورات السياسية، إنما يعني أن الاتفاق المبدئي على عدم توسيع نطاق الصراع وتحويله إلى حرب إقليمية لا يعني أن الأطراف ستسارع إلى مائدة التفاوض. وإنما سيسعى كل منها إلى تعظيم مكاسبه على الأرض، أو إظهار قدرته على ذلك، لتحسين موقفه التفاوضي لاحقاً. وهنا مكمن الخطورة، خصوصاً أن الحوثيين وعلي صالح قد يسعون إلى هدم المعبد، وتفجير الموقف، لعلمهم أن التسوية، أياً كانت ملامحها، لن تكون في صالحهم، بل ربما تقضي عليهم، خصوصاً صالح ورجاله.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.