رحيل ماجدة الصباحي: أيقونة من الزمن الجميل

رحيل ماجدة الصباحي: أيقونة من الزمن الجميل

17 يناير 2020
حققت شهرة عالمية بعد فيلم "جميلة" (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
هي أيقونة من أيقونات زمن الفن الجميل، وجميلة من جميلاته اللاتي أسعدن الجماهير العربية على مدار نصف قرن من الزمان... إنها ماجدة الصباحي التي رحلت عن عالمنا، يوم أمس الخميس، عن عمر ناهز 89 عاماً، وقال عنها الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر: "هذه الممثلة أبكتني وأنستني جنسيتي". يوم واحد يفصل بين رحيل ماجدة الصباحي وذكرى رحيل سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة التي تحل في 17 يناير/كانون الثاني. وكأن شهر يناير من كل عام جديد بات مرتبطاً بذكرى رحيل الكبار من أيقونات السينما المصرية، جيل الجمال والإخلاص للمهنة أو زمن الأبيض والأسود، كما يروق للبعض أن يطلق عليه.

ماجدة الصباحي التي عرفت برقتها المتناهية ونبرة الصوت المميزة، لم تكن مجرد نجمة عابرة في تاريخ السينما المصرية، بل واحدة من أهم صناعها الذين سبقوا بأفكارهم وأحلامهم الكثيرين. ماجدة ابنة واحدة من كبريات عائلات المنوفية، وولدت في مدينة طنطا. نظرًا لظروف عمل والدها، كان من الممكن أن تعيش حياة شديدة الرفاهية، يتحقق لها كل ما تحلم به، ولكنها بعد أن أنهت دبلومة اللغة الفرنسية، وتعرفت على الثقافة الفرنسية لم تخضع للقيود من حولها، وكان التمرد سمة مميزة في مشوارها الفني منذ أن خطت أولى خطواتها الفنية.

صحيح أن العائلة حاصرتها في أولى تجاربها وكانت تقف ضدها، إلا أنها أصرت على استكمال حلمها رغم أنها كانت في الخامسة عشرة من عمرها، عندما قررت أن تمثّل بعد أن عرض عليها المخرج سيف الدين شوكت المشاركة في فيلم "الناصح" عام 1949 أمام إسماعيل ياسين. ولكنها طلبت منه تغيير اسمها على التتر إلى ماجدة، حتى لا يعرف أحد من أسرتها، وقد نشبت مشاكل عدة بين أسرتها وبين فريق الفيلم أدت لتعطيل العرض لمدة عام كامل قبل أن تنجح الوساطة التي استقدمتها ماجدة في تهدئة الأمور، وفي إقناعهم بعرض الفيلم، ومن بعدها بدأت بتشكيل ملامح مشوارها الفني.

كان من السهل أن تخضع ماجدة لتصنيف المخرجين والمنتجين وتواصل تقديم دور الفتاة المدللة والرومانسية، لكنها رفضت التصنيف تماماً، كما اختارت أدواراً جادة مثل "الآنسة حنفي" في ذلك الفيلم الطليعي الذي كان سابقاً لعصره، وقررت أن تؤسس شركة الإنتاج الخاصة بها، وانطلقت لتقدم تجارب شديدة التنوع ما بين أفلام دينية وسياسية وأخرى حربية، ولم توقفها الخسارة بل واصلت مشوارها إيماناً منها بأهمية ودور الفن.

في السادس من أيار/مايو عام 1931 وُلدت عفاف علي كامل أحمد عبد الرحمن الصباحي، التي اختارت اسم الشهرة "ماجدة"، وقدمت العشرات من الأعمال الفنية ممثلة ومنتجة.

على الرغم من إجادتها الأدوار الرومانسية، لكنها أيضاً قدمت العديد من الأعمال الوطنية والسياسية والدينية في مشوارها، فتنوعت أعمالها. كما أنشأت شركة إنتاج خاصة بها أسمتها "أفلام ماجدة" كان مقرها في عمارة الإيموبيليا. وعلى الرغم من عشق ماجدة للسينما لكنها رفضت العمل في المسرح، لرغبتها بعدم تكرار ما تقدمه يومياً على الخشبة. وكان لها تجربة وحيدة في اﻹخراج من خلال فيلم "من أحب؟"، ومن أفلامها الدينية "انتصار الإسلام" و"بلال مؤذن الرسول"، ومن أفلامها الوطنية فيلم "الله معانا" وفيلم "جميلة" والذي حققت من خلاله شعبية كبيرة على مستوى العالم، إذ جسّدت خلاله شخصية المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، كما قدمت شخصية ليلى في فيلم "قيس وليلى".

وكوّنت ماجدة الصباحي ثنائيات مع العديد من النجوم، فقدمت مع إسماعيل ياسين "ليلة الدخلة" و"فلفل" و"الآنسة حنفي"، وغنى لها عبد الحليم حافظ "أهواك" في فيلم "بنات اليوم"، وقدّمت مع رشدي أباظة أفلام "المراهقات" و"دنيا البنات" و"حواء على الطريق" و"زوجة لخمسة رجال"، وقدمت مع فريد الأطرش "لحن الخلود" و"من أجل حبي"، ومع يحيى شاهين "مرت الأيام" و"هذا الرجل أحبه" و"أين عمري" و"عشاق الليل"، وشاركت زوجها إيهاب نافع أفلاماً مثل "الحقيقة العارية" و"القبلة الأخيرة" و"هجرة الرسول"، وكان آخر فيلم قدمته هو "ونسيت أني امرأة" عام 1994، ومن أهم أفلامها أيضاً "النداهة" و"العمر لحظة" و"أنف وثلاث عيون".

أول قصة حب عاشتها ماجدة الصباحي كانت مع صديق شقيقها الذي كانت تنظر له خلسة حتى تحدثا واتفقا على الزواج، وحين تقدم لها رفضت أسرتها لأن شقيقتها الكبرى لم تتزوج بعد، لتشعر بخجل شديد، وتقرر أن تلزم غرفتها شهراً كاملاً، فظنت أسرتها أن الأمر احتجاجاً، لكنها كانت تشعر بالخجل، وبذلك انتهت القصة الأولى لها. فوجئ الوسط الفني بإعلان ماجدة خطوبتها لسعيد أبو بكر، وهو الممثل الذي اشتهر بشخصية "شيبوب" في فيلم "عنتر بن شداد"، وقد أقيمت الخطوبة في حفل ضيق وبحضور الأهل والأصدقاء، ولكن تم فسخ الخطوبة بعد فترة بسيطة، من دون إعطاء أي سبب.
عام 1963 نشأت قصة حب بين ماجدة الصباحي وإيهاب نافع، وتعرفت عليه بالصدفة في حفل نظمته السفارة الروسية في القاهرة، وكان وقتها طياراً خاصاً للرئيس جمال عبد الناصر، وقد أصر على توصيلها إلى المنزل، فاستغرقت التوصيلة ساعات ليدق قلبها، وبعدها ذهب إلى منزلها وطلب يدها من والدها، وأقيم حفل الزفاف في أحد الفنادق، وكشفت بأنه دفع لها مهراً قدره 25 قرشاً، وبأنها اشترت فستان الزفاف من الكويت. إلا أن الزواج لم يستمر طويلاً فتم الطلاق أثناء رقصة تانغو بينهما في بيروت، وقد بررا الطلاق بالاختلاف في الطباع والمستوى الفكري، وأثمرت الزيجة عن ابنتها غادة التي شاركتها في بطولة فيلمين هما "عندما يتكلم الصمت" و"ونسيت أني امرأة". وتعتبر هذه الزيجة الوحيدة في حياة ماجدة الصباحي.
وكانت ابنتها كشفت في لقاء لها بأن السبب في انفصال والديها، هو غيرة والدها الشديدة، وقد شعرت بذلك لكن والدتها لم تفصح عن الأمر.

المساهمون