رحيل جوسلين صعب: نهاية المجازفات

رحيل المخرجة السينمائية اللبنانية جوسلين صعب: نهاية المجازفات

08 يناير 2019
جوسلين صعب: مقاومة ثقافية (فيسبوك)
+ الخط -
بعد أشهر مديدة من الصراع مع مرض سرطاني، توفيت السينمائية اللبنانية جوسلين صعب في باريس، أمس الاثنين، 7 يناير/ كانون الثاني 2019، قبل أقلّ من 4 أشهر على بلوغها 71 عامًا (مواليد بيروت، 30 إبريل/ نيسان 1948). ورغم مصاعب العلاج وضغوط المرض، ظلّت صعب تعمل على وضع أسس متنوّعة لمشاريع، كانت تطمح إلى إنجازها. فهي، بالإضافة إلى إخراجها أفلامًا وثائقية وروائية مختلفة، بدءًا من عام 1974، كانت تُنوِّع في اشتغالها الفني، كمحاولة تعبير عن هواجس ورغبات.


وصعب تُعرِّف عن نفسها بما يلي: "اسمي جوسلين صعب. مخرجة. على مدى 40 عامًا، أنجزتُ الأفلام: وثائقيات، أعمال قصيرة، طويلة. صوّرت في الصحراء، في مصر وإيران وفيتنام ولبنان. بدأتُ كمراسلة حرب. شاهدت الحروب، بلدانًا تحوّلت إلى أنقاض، منها بلدي. شهد لبنان صراعات عديدة، وما حدث أخيرًا يؤكّد أننا لن نكون في أمان. أردتُ أن أفعل شيئًا لبثّ الأمل وإحداث تغيير. لا تُمكنني المقاومة بمفردي. في حياتي، اتّخذت العديد من المجازفات، ولم أكن أعلم ما الذي سيحدث في النهاية. كان بإمكاني أن أفشل. ولكن، ماذا لو نجحت"؟

كان هذا قبل أعوام قليلة، أثناء التحضير لمهرجان يمزج السينما بفعل المقاومة الثقافية. والتعبير الأخير (المقاومة الثقافية) سمة جوسلين صعب، التي فرضت بيئتُها العائلية عليها أن تدرس العلوم الاقتصادية، هي الراغبة في الفن. سافرت إلى باريس، لكنها ـ بعد تخرّجها من الجامعة ـ بدأت العمل في الصحافة الإذاعية والتلفزيونية، وحقّقت ريبورتاجات عديدة، وعملت لحساب محطات تلفزيونية أوروبية وأميركية شمالية ويابانية.

كمراسلة حرب، حقّقت أفلامًا عن حرب أكتوبر (1973) في مصر، وعن كردستان والحرب العراقية وإيران والجولان السوري ولبنان. مع بداية الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990)، أنجزت ثلاثية وثائقية تجريبية عن البلد وحربه، ملتقطةً الخراب والكوارث التي ألمّت ببيروت تحديدًا، جرّاء المعارك والخراب: "بيروت لم تعد كما كانت" (1976) و"رسالة من بيروت" (1978) و"بيروت، مدينتي" (1982). عن هذه الثلاثية، كتبت الشاعرة والرسّامة اللبنانية الفرنسية إيتيل عدنان ـ التي كان لها دور في انطلاقة صعب في عالم الصحافة عبر تقديمها إلى جريدة "الصفا" ـ تقول إن المخرجة أدركت "غريزيًا، وبفضل شجاعتها السياسية وسلامتها الأخلاقية وذكائها العميق، الجوهر الأساسي لهذا الصراع". أضافت عدنان: "ما من وثيقة متعلّقة بهذه الحرب ترقَى إلى أهمية العمل السينمائي، الذي أنجزته جوسلين صعب في هذه الثلاثية المخصّصة بلبنان".


إلى جانب السينما، اهتمّت صعب كثيرًا بالتصوير الفوتوغرافي، الذي جعلها تصنع "مجموعة وثائق استثنائية" عن مواضيع مختلفة، بدأت بعرضها منذ عام 2006. أثناء الحرب اللبنانية، وإلى عملها كمخرجة أفلام وثائقية، كانت مساعدة للمخرج الألماني فولكر شلوندورف، الذي جاء إلى بيروت مطلع ثمانينيات القرن الـ20 لتحقيق "المزيّف" (1981)، أي قبل 4 أعوام على إنجازها أول روائي طويل لها بعنوان "حياة معلّقة" (1985)، الذي يروي حكاية سمر، الشابة المتفتّحة على الحياة في ظلّ الحرب الأهلية، والتي تلتقي كريم الرسّام، الذي بدأ يفقد "طعم الحياة". أما الروائي الطويل الثاني لها، فهو "كان يا ما كان بيروت" (1994)، مزيج الأرشيف السينمائي والمتخيّل الروائي، في استعادة لتاريخ المدينة عبر الأفلام المُصوّرة فيها وعنها. ثم "دنيا" (2005)، عن شابّة تدرس الآداب وتهوى الرقص كي تستعيد شبح والدتها الراقصة وذاكرتها المليئة بالتحدّيات. أما فيلمها الروائي الطويل الأخير فكان بعنوان "شو في؟" (2009)، عن شاب ابن خيّاط يكتب نصوصًا أدبية انطلاقًا من شخصيات المدينة.

أفلامها الوثائقية عديدة، منها: "لبنان في الدوّامة" (1975)، و"أطفال الحرب" (1976)، و"الصحراء ليست للبيع" (1977)، و"مصر، مدينة الموتى" (1978)، و"المهندس المعماري للأقصر" (1986)، و"سيدة سايغون" (1997)، وغيرها. ولها معارض صُور فوتوغرافية بين عامي 2006 و2017، بالإضافة إلى معارض تجهيزات مختلفة.

المساهمون