رحيل جاسم الخرافي... "إطفائي" الأزمات

رحيل جاسم الخرافي... "إطفائي" الأزمات

23 مايو 2015
الخرافي يتوسط نواب "الأمة" في 2012 (ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -
شيعت الكويت أمس، رئيس مجلس الأمة السابق جاسم الخرافي، الذي توفي في الطائرة أثناء عودته من تركيا قبل يومين عن عمر يناهز الـ 75 عاماً، قضى معظمه في العمل السياسي في الإمارة الخليجية، اذ تقلد مناصب كثيرة في الحكومة ومجلس الأمة، وكان أول رئيس مجلس أمة كويتي يسمى بالتزكية لهذا المنصب، في عام 2003.

كانت انتخابات 2009 الأخيرة التي خاضها الخرافي. ورغم خروجه من الساحة السياسية في الكويت منذ العام 2011، بعد 12 عاماً على رئاسة مجلس الأمة، إثر احتجاجات المعارضة، وحل أمير البلاد االشيخ صباح الأحمد الصباح لمجلس الأمة واستقالة الحكومة (عاد الخرافي لترؤس المجلس لفترة في 2012 بعد حكم دستوري ببطلان قرار الحل وعودة مجلس 2009)، غير أنه بقي لاعباً سياسياً فاعلاً، واحتلت مواقفه وآراؤه الصدارة، سواء في تأييد أو معارضة الحكومة، والتي كثيراً ما كان يتهم بالتحالف معها إبان رئاسته البرلمان.

وارتبط اسم الخرافي خلال العامين الماضيين بما يعرف بقضية "بلاغ الكويت"، التي اتهم فيها الشيخ أحمد الفهد الخرافي ورئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد بالتآمر ضد نظام الحكم.

اقرأ أيضاً الكويت: تبرئة المحمد والخرافي من "التآمر"

وقدم الخرافي في هذا الإطار شهادته أكثر من مرة أمام القضاء، قبل أن يأتي تقرير شركة "كرول" الدولية قبل نحو شهر، ليثبت أن التسجيلات المنسوبة للخرافي والمحمد غير صحيحة ومفبركة، وتم حفظ القضية وقدم على أثره الفهد الاعتذار من الخرافي والمحمد.

وبدأت الرحلة السياسية للخرافي في انتخابات عام 1975، حين تقدم لخوض انتخابات الفصل التشريعى الرابع التي جرت في شهر يناير/كانون الثاني من ذلك العام، كمرشح مستقل عن الدائرة الثانية. وكان في حينها الأصغر سناً بين الفائزين الخمسة في الدائرة. وحصل على 592 صوتاً شكلت 20.2 في المائة من الأصوات، وهي نسبة مرتفعة بالنسبة لمرشح جديد على الساحة الانتخابية.

وخاض الخرافي انتخابات الفصل التشريعي الخامس عام 1981، والتي جاءت بعد حل مجلس الأمة. وانتخب بعد فوزه رئيساً للجنة المالية في وقت كانت تعاني فيه البلاد من مشاكل اقتصادية كبيرة.

في مجلس 1981، عرف جاسم الخرافي بين زملائه النواب بلقب "الإطفائي" نظراً لاتباعه سياسة التهدئة، وتمسّكه بمبدأ العقلانية في التعامل مع القضايا الخلافية بين أعضاء المجلس من جهة، وبين الحكومة والمجلس من جهة ثانية.

وقد ساهم بحل عدد من القضايا الخلافية، وفي مقدّمتها مسألة تعديل الدستور في ذلك الوقت، عندما تأزمت العلاقة بين المجلس والحكومة، على أثر طلب الأخيرة إحالة مشروع تنقيح الدستور، الذي طُرح مع بداية دور الانعقاد الأول عام 1981 إلى اللجنة التشريعية. ووقع انشقاق داخل المجلس بين المؤيدين والمعارضين. ولمعالجة ذلك، فوض رئيس وأعضاء المجلس النائبين جاسم الخرافي وعيسى الشاهين بالذهاب إلى سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح آنذاك لإقناعه بسحب المشروع. وأدّت هذه المساعي إلى سحب المشروع ووضع حد للأزمة والحفاظ على الدستور.

خاض جاسم الخرافي انتخابات مجلس الأمة عام 1985 وفاز فيها نائباً عن الدائرة الثالثة، وأُسندت إليه حقيبة وزارة المالية والاقتصاد، وكان الوزير الوحيد المنتخب برلمانياً من بين اعضاء الحكومة. غير أنّ الأزمة تصاعدت بين المجلس والحكومة، وتم على أثرها حل المجلس. غير أن الخرافي لم يستقل من الحكومة بحجة أنه منتخب من الشعب، على الرغم من حلّ المجلس، مما جلب عليه انتقادات.

ولقي الخرافي إشادة في عمله كوزير للمالية، جاءت في تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس الأمة عام 1992 لدراسة أسباب كارثة الغزو العراقي على الدولة. وأثنى التقرير على دوره الهام فى حماية الأموال العامة، وإصلاح الخلل فى بعض المؤسسات المالية داخل الكويت وخارجها.

اقرأ أيضاً: الكويتيون يستذكرون الغزو العراقي وسط أزمة داخليّة

وبعد انتهاء فترة عمله في الوزارة عام 1990، اتخذ قراراً باعتزال العمل السياسي، ولم يرشح نفسه لانتخابات المجلس عام 1992. قرار عاد وتراجع عنه في انتخابات 1996، حين خاض مجدّداً معركة مجلس الأمة، بل ترشح لرئاسة المجلس أمام  أحد أبرز زعماء المعارضة الحالية في الكويت ناصر السعدون. ولم يتمكن حينها الخرافي من الفوز على الأخير، الذي تفوق عليه بفارق صوت واحد؛ فأثار حينها قضية عدم دستورية النتيجة، خصوصاً أنّ الدستور يحتم الزيادة المطلقة في فارق الأصوات، ما أثار جدلاً دستورياً في تلك الفترة حسم لصالح السعدون بقرار صادر عن المحكمة الدستورية.

لم يستسلم الخرافي، وعاد إلى الترشح مجدّداً لرئاسة المجلس بعدما فاز في انتخابات 1999، وتمكّن هذه المرّة من الفوز بفارق عشرة أصوات على منافسه النائب أحمد السعدون.

وحقق الخرافي إجماعاً شعبياً كبيراً تجلى في انتخابات عام 2003، حين فاز بنسبة أصوات قياسية على مستوى الدائرة وعلى مستوى جميع الدوائر الانتخابية بالكويت، حيث شكلت نسبة الأصوات التي حصل عليها 66 في المائة من أصوات المقترعين وهى نسبة لم يتم تحقيقها فى تاريخ الانتخابات. وقد تأكد هذا الإجماع بفوزه في منصب الرئاسة بالتزكية في مجلس 2003، وهو أمر  حدث لأول مرة فى تاريخ الكويت.

وشهدت تلك الفترة تطوراً كبيراً فى تحقيق التنسيق والتشاور بين أعضاء المجلس، ووقف التصعيد المألوف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. ونجح في تحقيق تعاون دستوري بين المجلس والحكومة مع الحفاظ على استقلالية المجلس وتفعيل اختصاصه.

وعقب وفاة أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح في بداية 2006، مرت الإمارة بأزمة كبيرة نتيجة خلو مسند الإمارة. ووسط هذه الإشكالية غير المسبوقة، لعب الخرافي مع آخرين دوراً في إيجاد حلول للأزمة؛ وهذا الدور جلب عليه انتقادات من داخل الأسرة الحاكمة وخارجها، لكنه استغل منصبه كرئيس للمجلس لفرض تطبيق الدستور بالتوافق مع أعضاء مجلس الأمة. وكان لهذا التوافق الذي حشد له الخرافي سهم في حل الأزمة.

وواجه الخرافي في حياته البرلمانية خلافاً في الرأي بين الحكومة والمجلس من جهة، وبين أعضاء المجلس فيما بينهم من جهة ثانية. برز ذلك في قضية تعديل الدوائر الانتخابية في مجلس 2003، اذ كان يرى أن الحكومة قد اخطأت بإقرار مشروع الدوائر العشر. وعارض الحكومة فى ذلك وصوت ضدها داخل مجلس الأمة؛ وتلك كانت من المرات القليلة التي عارض فيها الخرافي قرارات الحكومة، بحسب المراقبين.

اقتصر دور "الإطفائي" بعد اعتزاله العمل السياسي على الأمور الاجتماعية والبروتوكولية بحكم منصبه السابق. لكن اسمه لم يغب عن الساحة السياسية، خصوصاً في مجلس الأمة. مع العلم أن صلة قرابة تجمع الخرافي مع رئيس مجلس الأمة الحالي مرزوق الغانم (الأخير ابن أخت الخرافي).