ربما هكذا تنمو القصائد

ربما هكذا تنمو القصائد

12 يونيو 2017
"فلسطين من النهر إلى البحر"، سامية حلبي
+ الخط -
ما الشعر؟

(1)

وردةٌ صفراء
تتأرجح على خصر هشاشتها
ببعضِ ريح،
أو ملل.

بعينِ وحدته
يطلّ عليها متأمّلًا،
أو متأرّقًا،
كأنما من
خلف علوّ سماء من ماء،
تراقصُ قمرًا
أزرق
خفيف التراب
اختار الليلة بالذات
ألا يطلّ
ولا ظِلّ.

ربما،
هكذا تنمو القصائد.


(2)

من الشّعر ما يحيّرك أصل حلاوته.
كطفل رأى شمسًا تسقط
بصمت
في بحر
قبل أن يقوى لسانه على السؤال
مبهورًا
حالمًا
خفيف الوجود:
وأين هسهسة احتراق الماء
وغمام البخار؟


(3)

هذي الحمامة لا تخاف السيرَ
على طرف السطح.

في أخطر الأحوال،
إذا وقَعَتْ،
ستفتح جناحيها.

لا أخافُ السّير
على أطراف الحب.

في أخطر الأحوال،
إذا وقعْتُ،
سأفتحُ قلبي.


(4)

أتابعُ رشفة السيجارة
والكأس
برموش مُستعجلة.
وفي تزامنٍ تتقنه المرايا
يتماوَجُ
على صفحة ذاكرتي
طفلٌ يغمسُ
بسكويتة في الشاي
بتتابع شغوف.

■ ■ ■


القاتم

(1)

الأرض هي هي،
والأحذية عمومًا تتشابه.
مع ذلك
تعرفُ مَن تحبّهم
مِن وقع أقدامهم.

ومِن أقدامهم
تعرف
مَن تخافهم أيضًا.


(2)

سمومٌ
تنزّ
تستوطن التراب.

أرضي مريضة
أشجارها تورق عقارب.
من ثمرها يسيل أفعى.

وطني تعفّنت جراحه
وقلبي،
عليه.
لا بلسم لهذا الخراب.


(3)

نعمة قراءة رواية
على بحر حيفا
خنجرٌ يطعن جرح النازفين.

يسري وجعه في قلبي
المتلعثم من الخجل
ومن شيء
كالإثم
لما أحظى به
هنا الآن
وأهلي غائبون
عن بيتنا الكبير
الوطن.


(4)

كيف أصفُ البلد
في زمن الوصاية
والوصايا؟

أقحوانة مقلوبة.

اخضرّت بتلاتها.
استوطنها البرد.
اصفرّ ساقها
كسره الوهن.
كانت تسمى فلسطين.

■ ■ ■


يافا

يافا القديمة التي اغتالت مشاريع الصهيَنة روحَ عمارتها العريقة؛ تاريخٌ ملفوف بالبُرود المؤقت ولزوجة السياحة التي لا تحترم أهل البيوت، وإن غابوا عنها قسرًا. في القلب غصّة مُـرّة. وفجأة يأتيك صوت الأذان، فيُستعاد المعنى للحظة باتّساع الله أكبر، ويُستعاد الأذان إلى وطن حقيقته، صوت صادح برهبة التاريخ وقرون عابقة بالحضارة، وليس زعيقًا يطلقه جهَلة لا يفقهون وهم يزرعون فتَن الخراب.. في يافا القديمة ينعش الأذان روحًا في المكان، روحًا في الزمان، وروحًا في الصدور.

■ ■ ■


عودة

تقول: سأعود الآن إلى نفسي
كم ضيّعتها وتركتها تخسرني
وأخسرها
حين ائتمنتها لدى قطّاع طرق العواطف

بادرة سخرية سوداء تضيء بيضاءَ السنّ:
لو استثمرت نفسك في البورصة لربحت

ما أجملك يا نبيّ فلسطين
"دخيلك"
قل لي من قانا النقاء القديم الآن:
ماذا لو ملكت كلّ شيء وخسرت نفسك؟
كي أقول لك بابتهال محروم الإيمان
المغموس بالتبجيل للحكمة:
لا أريد امتلاك أحد أو شيء
لكني سلّمتني نفسي لمن لا يتقن رعاية أعشاب أيلول
فجفّت على أطراف ملوحة صيفه الأصفر

وها أنا
أعود للبحث عنها
علّي أعود إليها
نفسي
وإليّ
وأنا أردّد معك على إيقاع مويجات بحر الجليل:
ماذا لو ملكت كلّ شيء وخسرت نفسك؟

ياه كم ضيّعتها وتركتها تخسرني
نفسي.

■ ■ ■


عزاء

محظوظ أنا.
لا أبحث الليلة عن قنينة في قمامة

قنوعٌ أنا.
لا أبحث في القنينة عن نديم

الوقت يمضي
وها هو الضوء
يأكل روحَه بابنته العتمة

وحيدٌ أنا.
صار سريري أوسع
نومي يتمدد بعرضه وطوله،

قلبي شاغر،
لا يشاركني غرفه الأربع أحد
صباحاتي عادت لسابق عهدها
وطولها
وبطئها

لكن حلقي،
لا أدري ما الذي استباحه
حتى صارت تستوطنه
غصة بحجم جبل.

■ ■ ■


فخّ

يا لها من منشأة.
آمين

يا لاستحالة فضائها علينا.
آمين
يا لقوّة تماسكها.
آمين
يا لإتقان معمارها.
آمين
يا لشدّة ضبطها.
آمين
يا لانغلاقها الصارم.
آمين
يا للهيبة

فجأة يتردد صدى الشارتين "ممنوع الدخول"
تحت مسامير الحديد في شريان المقترِب من جهتيها.
وتنهال صفعات "الطريق مسدود" على الناظر إلى مدخليها.
فضاءٌ مسجون بحدوده.
طريقٌ تنتهك سهلا
تبقر بضع تلال وجبلا،
وجدارٌ يعلوه الظمأ
يأسرُ طولـُه جهتيها
وتنهش علياؤه سماءها.
رائحة صفراء تعشّش في الحلق.
يا للرعب.

■ ■ ■


قتامة

في القلب غيمةٌ
من النوع الرديء
لا تحمل مطرًا
لا تردّ على مداعبات الريح
لا ترسم عصفورًا ولا أرنباً للأطفال.

غيمةٌ من النوع الرديء

في القلب قصة من النوع الرديء
لا تحمل حزنًا
ولا فرحًا
لا تأخذك لأيّ سفح
لا تحبس فيك ولو شهيق
لا تستدرج بسمة
ولا دمعة
ولا لهفة
ولا خلجة
ولا
ولا حتى صمتْ.

قصة من النوع الرديء

في القلب حزنٌ من النوع الرفيع
لا يحملك على تحسّس الوقت
لا يدفعك للبكاء
لا يعلّمك الانتظار
لا يستنطقك شعرًا
ولا يحيلك نظرة مبدّدة.
حزنٌ من النوع الرفيع
لكنه
في قلبٍ من النوع الرديء.

____________________________

هجرة إلى الشعر

يكتب هشام نفّاع القصة القصيرة والنص الأدبي والمقال الصحافي، وفي عام 2012 نشر روايته الأولى "انهيارات رقيقة".

كان من "المتوقع" أن يواصل الكاتب، المولود في قرية بيت جن في الجليل الفلسطيني عام 1970، دربه في طريق الرواية، لا سيما أنها أصبحت - بفضل الموضة والجوائز - قبلة طوائف من الكتّاب العرب بمختلف أجيالهم؛ لكنه يقترح هنا مساراً مغايراً.

- الهجرة إلى الشعر إذن؟ - ولِمَ لا؟



المساهمون