رائد الفضاء الساقط: قصة منحوتة صعدت إلى القمر

	 اهتم بول فان هويدونك بفنّ الفضاء المستقبلي (فيسبوك)
12 يوليو 2020
+ الخط -

قبل 49 عاماً، وتحديداً في 30 يوليو 1971، نجح رواد مركبة أبولو 15، في رابع هبوط لوكالة ناسا الأميركية، بتفقّد ودراسة عيّنات من سطح القمر. وحين غادرت أبولو 15 عائدة إلى الأرض، ترك روادها الثلاثة: ديفيد سكوت وجيمس إيروين وألفريد ووردن، عملاً فنياً للفنان البلجيكي بول فان هويدونك على سطح القمر.

بعد 49 عاماً، يأتي المخرج الهولندي فرانك هراباوت، ليتتبع قصة "منحوتة القمر"، في وثائقي جديد تحت عنوان "رائد الفضاء الساقط"، مفنّداً الشائعات والحقائق التي أحاطت بالعمل الفني البشري الوحيد الذي صعد إلى القمر، والذي بدأت قصته في غاليري Waddell في نيويورك أواخر ستينيات القرن الماضي. كان الفنان البلجيكي بول فان هويدونك آنذاك مشهوراً بأعماله الخاصة بفنّ الفضاء المستقبلي، الذي انتعش بفضل الصراع الأميركي الروسي على الوصول إلى الفضاء.

وبعد تحقق أول هبوط ناجح على القمر في 20 يوليو/ تموز 1969، راودت مديرة غاليري Waddell الأميركية لويزا دويتشمان فكرة مجنونة: هل يمكن نقل عمل فني للبلجيكي فان هويدونك إلى القمر؟ رفضت وكالة ناسا الاقتراح بصرامة، لكن دويتشمان لم تستسلم، وسرعان ما وجدت طريقة لتهريب أول عمل فني إلى القمر! وساطة مدرب الغولف كان من بين أصدقاء دويتشمان مصمم غرافيك على علاقة بمدرب رائد الفضاء الأميركي جيمس إيروين للغولف، أحد رواد الفضاء الأميركيين الثلاثة الذين سيكونون على متن رحلة أبولو 15، والمزمع قيامها بالسفر إلى القمر بعد شهور. وهكذا كان أن طلب رائد الفضاء إيروين، عبر وساطة مدرب الغولف، أن يكون العمل الفني خفيفاً وصغيراً، بحيث يخبئه وسط متعلقاته الشخصية على متن المركبة الفضائية، وأن يكون مصنوعاً من مادة تتحمل الحرارة المرتفعة على القمر.

ونظمت دويتشمان في وقت لاحق عشاء جمع بين فان هويدونك ورواد الفضاء الثلاثة، ومضت الخطة قدماً؛ صمّم الفنان مجسداً لرائد فضاء من الألومنيوم داخل كبسولة زجاجية، لإظهار أن الإنسان وصل إلى النجوم، وسلمها لرواد الفضاء الثلاثة. خلال المهمة، جلس فان هويدونك ملتصقاً بالتلفزيون لعدة أيام، على أمل رؤية أية لمحة عن عمله الفني، وفي 12 أغسطس/آب، بعد أسبوع من هبوط رواد أبولو 15 بسلام إلى الأرض، رأى فان هويدونك صور تمثاله منشورة في الصحف، ولكن ليس كما تمنى، فقد تحول العمل إلى جزء من نصب تذكاري صُمِّم لتخليد 12 من رواد الفضاء الروس والأميركيين الذين لقوا حتفهم في الفضاء، ووفقاً للفنان: "لم يعد التمثال تعبيراً عن نجاح البشر في الوصول إلى النجوم، بل مجرد دمية ميتة، مستلقية في الرمال من دون الغطاء الزجاجي!".

وازداد الأمر تعقيداً حين لم تذكر الصحف الأميركية اسم الفنان صاحب العمل، وحينما اعترض فان هويدونك لدى وكالة ناسا، قيل له إن عليه التزام الصمت.. وإلا! هنا، يسرد الوثائقي على لسان الفنان، الذي لا يزال يعيش في مدينة أنتويرب البلجيكية، أن خيبة أمله في عمله الفني استحوذت عليه: "فبدلاً من أن تفوق شهرتي بيكاسو، صرت منبوذاً". وثأراً لكرامته الفنية، يقرر فان هويدونك إصدار 950 نسخة من رائد فضائه لبيعها، لتبدأ الصحافة الأميركية بشنّ حملة شعواء على الفنان ورواد الفضاء الثلاثة، واتهمتهم بمحاولة استثمار أبولو 15 لمصالحهم الشخصية، فأوقف الفنان البلجيكي إنتاج النسخ، وغادر الولايات المتحدة بناءً على نصيحة محاميه، وإلا فسيُزَج به في السجن.

رواية ناسا تختلف رواية وكالة ناسا التي يفندها الوثائقي عن رواية صاحب العمل الفني، فتقول إن رائد الفضاء ديفيد سكوت طلب تصميم تمثال صغير ليكون جزءاً من النصب التذكاري، وكان الاتفاق على أن يبقى اسم الفنان مجهولاً، وهو ما ينفيه فان هويدونك جملة وتفصيلاً. وفيما رفض ديفيد سكوت المشاركة في الفيلم الوثائقي، يشرح زميله، ألفريد ووردن، الأمر بنحو مختلف، قائلاً إن رواد الفضاء الثلاثة فقدوا صدقيتهم، حين اكتُشف بيعهم لـ400 مغلف تحتوي على عينات من تربة القمر كهدايا تذكارية لمصلحتهم الشخصية، اختلسوها من أصل 77 كيلوغراماً من رمال القمر وصخوره جلبوها معهم من الفضاء، وحدث هذا من دون الحصول على إذن من المسؤولين في وكالة ناسا.

ووفقاً لووردن، فقد كان ديفيد سكوت هو العقل المدبر لهذه الفضيحة، وبالتالي لم يرغب في الكشف عن قصة العمل الفني الذي هرّبوه إلى سطح القمر كي لا يزيد الطين بلة، فجعلوه جزءاً من النصب التذكاري! يقول فان هويدونك: "في ذلك الوقت، لم يعد رواد الفضاء يتمتعون بنجومية نيل أرمسترونغ، ولأن الاقتصاد الأميركي كان سيئاً جداً آنذاك، نظر مجلس الشيوخ بعين الشك إلى وكالة ناسا، خاصة بعدما قام رائد الفضاء الأميركي ألان شيبارد في رحلة أبولو 14، ومن خلال مدرب الغولف ذاته، بتصوير نفسه وهو يلعب الغولف على رمال القمر، وهي اللقطات التي استخدمتها شركة Spalding الأميركية المصنعة لكرات الغولف في إعلان منتجاتها، وربحت من خلفها الملايين. في نهاية الوثائقي، يرفع الفنان البلجيكي البالغ من العمر اليوم 94 عاماً عينيه إلى القمر، قائلاً بفرح طفولي: "وليكن، المهم أن حفنة من الرجال وضعوا عملاً فنياً لي هناك!".

المساهمون