رئاسيات فرنسا.. مستقبل العلاقات مع الدول العربية

رئاسيات فرنسا.. مستقبل العلاقات مع الدول العربية

10 ابريل 2017
(أمام إنفاليديس في باريس، تصوير: كينزو تريبويلارد)
+ الخط -

مع اقتراب تاريخ الانتخابات الرئاسية الفرنسية المزمع إجراؤها في مايو/ أيّار 2017، تتصاعد حمّى الحملات الانتخابية في البلاد، حيث تُعتبر هذه الانتخابات مثيرة ومن أكثرها سخونة لعدّة جوانب؛ بداية يمثّل تزايد شعبية اليمين المتطرّف في فرنسا على غرار عدّة دول غربية، أوّل عامل في سخونة هذه الانتخابات. يسعى الجميع للإجابة عن تساؤل: هل ستقع فرنسا، إحدى أكبر الاقتصادات الأوروبية أيضًا، في أيدي اليمين المتطرف؟

بعد وصول ترامب، والبريكسيت الذي سيؤدّي إلى خروج المملكة المتّحدة من الاتحاد الأوروبي، هل ستنحو فرنسا المنحى نفسه؟ من جهة أخرى، تمثّل التسريبات التي تصدر في كل مرّة عن أحد المرشّحين عاملًا لهذه السخونة. ففي كل مرّة تنشر صحيفة ما فضائح عن مرشّح ما تتناقص شعبيته بسرعة وتنقلب احتمالات الفوز إلى خسارة، ما جعل الجميع مرتبكًا حتى لتقدير من سيمرّ للدور الثاني من هذه الانتخابات.


حملة على وقع الفضائح
سبق أن رصدنا فوز المرشّح اليميني فرانسوا فيون بالانتخابات التمهيدية لحزبه، وكونه الأوفر حظًا للفوز بالانتخابات الرئاسية، ولكن الأمور تغيّرت منذ الفاتح من فبراير/ شباط الماضي، حيث تراجعت احتمالات التصويت لهذا المرشّح مع نشر الصحيفة الساخرة المعروفة "لوكانار أونشيني" لفضيحة تتعلّق بتحايلات مالية ارتكبها فرانسوا فيون خلال السنوات التي كان فيها منتخبًا برلمانيًا، لا سيما بين 2005 و2013، مع نائبه الذي خلفه لدى توليّه رئاسة الحكومة الفرنسية.

تتعلّق هذه الاتهامات بالأساس بتوظيف زوجته وابنيه كمساعدين برلمانيين دون وجود دليل فعلي على شغلهم المنصبين، في الوقت الذي يتولى فيه البرلمان تسديد هذه الأجور. وشنت وسائل الإعلام الفرنسية حملة كبيرة على المرشّح فرانسوا فيون الذي بنى حملته الانتخابية على النزاهة الشخصية والالتزام بروح الدولة.

لم ينجُ مرشّح الوسط إيمانويل ماكرون، الذي يحظى بدوره بشعبية كبيرة واحتمالات تصويت بلغت 20% في الدور الأوّل للانتخابات الرئاسية. أبرزت الفضائح التي صدرت هذه المرّة في كتاب من تأليف ماريون لور وفريديريك ساي، وتلخّصت في اتهامات لهذا الوزير السابق بتمويل تنقلات ومشتريات متعدّدة تحضيرًا لحملته الانتخابية بأموال عمومية عندما كان وزيرًا في الحكومة. لم يرُدّ إيمانويل ماكرون مطولًا على هذه الاتهامات، حيث اكتفى بنفيها عندما كان في جولة خارجية في لبنان.

من جانبها، مرشّحة اليمين المتطرّف مارين لوبان، وقفت أمام فضائحها من طرف القضاء. حيث أتت المعلومة هذه المرّة من الهيئات القضائية للاتحاد الأوروبي التي أدانتها بإعادة مبلغ 340 ألف يورو للبرلمان الأوروبي، وأدانتها بهذا الحكم بخصوص وظائف وهمية لأنها سدّدت الأموال التي يخصّصها البرلمان لمساعدي النواب البرلمانيين لحارسها الأمني الشخصي على أساس أنه مساعد برلماني.


العرب في فرنسا
مع اقتراب موعد كل انتخابات في فرنسا، تسعى أكبر معاهد سبر الآراء على غرار إيفوب وإيبسوس، لمعرفة توجّهات تصويت الفرنسيين من أصول عربية في فرنسا.

عرب فرنسا، وغالبيتهم من أصول مغاربية (تونس والجزائر والمغرب)، يُعرف عنهم مقاطعتهم للتصويت في الانتخابات، والقلّة الناشطة سياسًيا منهم أقرب لليسار الفرنسي، أي الحزب الاشتراكي أو حركة جون لوك ميلونشون. إلا أن الخيبات المتتالية مع هذا الحزب جعلتهم يعزفون عن التصويت له. تجد معاهد سبر الآراء الفرنسية صُعوبات في تحديد التوجّهات العامة لتصويت المغاربيين في فرنسا هذه المرّة. الأكيد أنهم لن يصوتوا لليمين المتطرّف الذي يناصبهم العداء، ولكن تبقى الاحتمالات الأخرى مفتوحة، لا سيما الوصول إلى مقاطعة تاريخية هذه المرّة.


العلاقات مع الدول العربية
ستحدّد هذه الحملة الانتخابية ونتائجها المنهج الذي ستسلكه السياسة الخارجية الفرنسية، لذا يُتابع المراقبون العرب أيضًا هذه الانتخابات، لأن النتيجة سترسم سياسة فرنسا إزاء القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ولكن أيضًا الأزمات المفتوحة في عدة بلدان، كاليمن وسورية. فبناء على فوز ماكرون أو فيون أو لوبان أو آمون، ستكون السياسة الخارجية لفرنسا مختلفة.

يبدو أن الوزير السابق إيمانويل ماكرون لن يغيّر كثيرًا من السياسة الفرنسية الراهنة، حيث إنه كان عضوًا في الحكومة الحالية. في المقابل، يمكن أن يعتبر وصول كل من المرشّح اليميني فرانسوا فيون أو مرشّحة اليمين المتطرّف مارين لوبان لقصر الإليزيه بداية لأزمة مع الدول العربية. فالمرشح فيون تعهّد بتحسين العلاقات مع روسيا وإيران من أجل موازنتها مع التقارب الحالي الكبير مع الدول العربية. مارين لوبان بدورها أكّدت أنها ستوقف أي تعاون اقتصادي مع الدول الخليجية، لا سيما قطر والعربية السعودية.

المرشّحون من جانبهم لم يتوانوا عن القيام بزيارات لبلدان عربية من أجل تدعيم حملتهم وإبراز الجانب الدولي فيها وعلاقاتهم الدولية. آرنو مونتبور، المرشّح ذو الأصول الجزائرية، زار مدينة وهران بالجزائر في بداية حملته، حيث استغل زيارة أفراد من عائلته الجزائرية ليلتقي بعض المسؤولين ويتحدّث عن مشاريعه للعلاقات بين الجزائر وفرنسا. ماكرون من جانبه زار لبنان أخيرًا، حيث التقى ببعض الزعامات السياسية، وعلى رأسها ابن الحليف التاريخي لفرنسا، سعد الحريري، وكذا الرئيس اللبناني ميشال عون. وتبقى المرشّحة اليمينية مارين لوبان الاستثناء مواصِلة لمواقفها المعادية لعدّة بلدان عربية، حيث لا تتوانى في كل مرّة عن تحميل مسؤولية الإرهاب داخل التراب الفرنسي والهجمات التي عرفتها فرنسا أخيرًا إلى عدّة دول عربية، لا سيما قطر والعربية السعودية.

نشر معهد سبر الآراء إيفوب، في آخر نشرة له، النتائج الحالية لاحتمالات التصويت في الدور الأول للانتخابات:

- مارين لوبان: 26% (مرشّحة اليمين المتطرّف)

- إيمانويل ماكرون: 21%

- فرانسوا فيون: 18% (تراجع في الصف الثالث على وقع الفضيحة)

- بونوا آمون: 14.5%

- جون لوك ميليونشون: 10.5%

الأكيد أن هذه الحملة الانتخابية الفرنسية لن تتراجع فيها المفاجآت لغاية إجرائها فعليًا، ويُمكن أن تعرف تقلّبات تثير المراقبين داخل فرنسا وخارجها، في انتظار الفضيحة القادمة التي قد تُسقط مرشحًا آخر. يشدُّ المراقبون والصحافيون الفرنسيون أنفاسهم على وقع ما سيقرأونه في صحف اليوم التالي.

المساهمون