رئاسيات الجزائر... حلّ أم تعقيد للأزمة؟

رئاسيات الجزائر... حلّ أم تعقيد للأزمة؟

07 ديسمبر 2019
+ الخط -
منذ خروج الشعب الجزائري يوم 22 فبراير/ شباط المنصرم، في حراك شعبي، مطالبًا بالقطيعة مع نظام بوتفليقة، والجزائر تتخبّط في أزمةٍ سياسية حادّة، صَعُب على المجتمع بجميع مكوناته أن يجد مخرجًا لها؛ رغم مبادرات جادّة، جسّدتها عديد من المنظّمات والشخصيات الوطنية، بقيت رهينة حبر على ورق، أمام تجاهل السلطة الفعلية للبلاد، المُمثّلة في المؤسسة العسكرية، التي من جهتها تدعم بصرامة مخرج الانتخابات الرئاسية، إذ أكّدت مرارًا، عبر مجلّة الجيش، أن المسار الانتخابي لا رجعة فيه.


فعلى بُعد أسبوع واحد من عملية الاقتراع، يبقى السؤال الذي يشغل الرأي العام الجزائري: هل ستنجح هذه الانتخابات في إعادة قاطرة الجزائر إلى سِكّتها، وتكون بذلك الآلية الفاعلة لانفراج أزمة السياسية عابرة، أم ستزيدها حدّة، وترمي بمستقبل الجزائر إلى المجهول؟ ثم هل تُعبّر هذه الانتخابات من أساسها عن إرادة شعبيّة واعية، أم هي مجرد وسيلة في يد نظامٍ يسعى لرسكلة رجاله وأساليبه القديمة، ليهمن من جديد على المشهد السياسي؟

ظرفية غير ملائمة
إن مقترح الانتخابات الرئاسية، الذي ترفضه شريحة محترمة من المجتمع، بمحاسنه وشوائبه، يكاد يكون الحلّ الوحيد الأنسب لاستكمال مشوار التغيير الذي يطالب به الحراك الجزائري. ذلك أنّ مقترح المرور بفترة انتقالية وإنشاء مجلس تأسيسي، ثم فتحِ ورشة الدستور، قد تكون نتائجه وخيمة للتجربة الجزائرية، لاعتبارات عدة.

نذكر منها إشكالية بسيطة، وهي الإجماع حول الشخصيات التي من شأنها إدارة الفترة الانتقالية المقترحة، في حالة استحداث مجلس تأسيسي. ففي الصّائفة الماضية، طُرح اسم الوزير الأسبق في حكومة الرئيس الراحل الهواري بومدين (أحمد طالب إبراهيمي) ليدير هذه الفترة، التي رُفضت جملة وتفصيلاً من قبل المؤسسة العسكرية. عقبها شَرخ كبير في المجتمع الجزائري، بين معارض لشخصيّة بلغت من الكبر عتياً، محسوبة على نظام المنتهية صلاحياته؛ وبين مساند لحنكة وخبرة الرجل، الذي كان في نظر البعض سيدير مرحلة لا تتجاوز ثلاثة أشهر.

هي إشكالية بسيطة من بين العشرات، من شأنها أن تقف حائلاً أمام المرحلة الانتقالية. فانقسام أطياف المجتمع حول كل شخصية تُقترح، يُثبت استحالة إجماع المجتمع الجزائري، بمختلف مشاربه وانتماءاته، حول شخصية معيّنة، دون تحكيم الصندوق.

غير أن خيار الصندوق، في هذا الظرف المشحون الذي تكاد تختنق به البلاد، يبدو قراراً غير صائب، قد يطيل من عمر الأزمة، ويزيدها حدّة أكثر ممّا هي عليه.

فمن غيرِ المنطقي إجراء انتخابات رئاسية، ينتظر أن تضع اللّبِنة الأولى للديمقراطية، وتُحدّد معالم الجزائر الجديدة، وتكون الفيصل بين الماضي والمستقبل، في جوّ شبه دكتاتوري، تسوده اعتقالات بالجملة لشخصيات رمزيّة ومعارضة، مثل المجاهد لخضر بورقعة، أو كاريم طابو، ومؤخرًا الرّسام عبد الحميد أمين المدعو "نيم". لا لسبب، غير أنّها تمارس حقّها المكفول دستوريًا في انتقاد شقّ سياسي، يمثّل جزءاً من الأطياف السياسية الموجودة في المشهد.

علاوة على سياسة تكميم الأفواه والتضييق الذي يطاول بوضوح في الآونة الأخيرة وسائل الإعلام الأجنبية والمحلية، التي يبدو أنّها استسلمت للأمر الواقع، بالترويج غير الموضوعي للانتخابات، متجاهلة شريحة كبرى من المجتمع، تخرج كل جمعة للتعبير عن رفضها لأجراء الانتخابات في ظروف كهذه. وذلك باعتراف بعض الإعلاميين من أمثال أحميدة العيّاشي أو محرز رابيا، اللّذين تم فصلهما من عملهما، لنشاطاتهما الرافضة للانتخابات.

شبح النظام المتجدد
من جهة أخرى، يتضح أن الأسماء المؤهّلة من طرف المجلس الدستوري لخوض غمار الانتخابات أضحت تضع الانتخابات الرئاسية، والجزائر بأكملها، على المحك. فترشّح أربعة وزراء في عهد بوتفليقة من أصل خمسة مترشحين يفقد السلطة الحاكمة والانتخابات التي تدعو إليها كلّ أنواع المصداقية. ذلك أنّ المطلب الأساسي للحراك، في القطيعة مع كل وجوه النظام السابق، قد تم تجاهلها نهائيًا، مما يناقض كليًّا تصريحات بعض الأطراف السياسية، في الاستجابة الكلية لجميع مطالب الحراك.

ومع ذلك، تُصرّ السلطة على الذهاب إلى انتخابات من المرجّح أن تكون فاقدة لشرعيتها، في ظل تواصل الاحتجاجات الرافضة لهذه العملية. لكن هذا الإصرار سيضع السلطة الفعلية للبلاد في حرج ويقودها حتماً يوم 12 ديسمبر/ كانون الأول إلى خياراتٍ ثلاثة:
إمّا الإقرار بفشلها في إدارة الأزمة، نتيجة عدم الحصول على شرعيّة شعبيّة، وهذا أمر مستبعد جداً، إذ ستكون القشة القاصمة لظهر السلطة الحاكمة، وبالتالي ستقضي على كل طموحاتها في تصدُّر المشهد السياسي.

أو أن تعود حليمة إلى عادتها القديمة، وتلجأ إلى التزوير، وهذه الآلية تبقى واردة، لا سيما أن قانون الانتخابات، المصادق عليه من طرف برلمان نظام الرئيس المُقال عبد العزيز بوتفليقة، لم يأتي بجديد ملموس، سوى أنّه نقل صلاحيات التنظيم من وزارة الداخلية لتوضع في يد سلطة مستقلّة، يشرف عليها محمّد شرفي، وزير العدل الأسبق في حكومة أحمد أويحيى، القابع في السجن.

وإلّا أن تكون الانتخابات نزيهة، لكن دون شرعيّة شعبيّة، فتنتهج في تلك الحالة السلطة الحاكمة، نهج النظام السابق، في التجاهل والتعالي عن مطالب الشعب، وتسيطر على كلّ آليات التأثير، من مجتمع مدني ووسائل الإعلام والتضييق على كل سُبل المعارضة، مثلما هو الحال اليوم.

فالممارسات القديمة المتجددّة التي يلجأ إليها بعض الأطراف السياسية مؤخراً لا توحي بأي نيّة للتغيير، بل تؤكّد عودة النظام القديم في نفس عباءة التخوين والتضييق والتمسُّك بشرعيات زائفة، لمواجهة غضب الشارع.

فالتخوين الذي يتعرّض له جزء كبير من المجتمع الجزائر بشكل روتيني من طرف جهات رسميّة في الحكومة الحالية، من شتم "بالشذوذ" و"التواطؤ مع جهات أجنبية"، يذكرنا بالماضي القريب، الذي كان يُستعمل فيه شبح "الأيادي الخارجيّة" الذي تطور اليوم إلى "التدخل الأجنبي" كورقة رابحة لكسب شرعيّة شعبيّة، تُغطّي على الفساد، وتضمن للنظام استمراره وصيرورته. وبالتالي تزيد هذه الممارسات من ضبابيّة وخطورة المرحلة المقبلة، التي يُراد لها أن تكون صفحة مشرقة من تاريخ الجزائر.

إنّ الجزائر تعيش مرحلة مفصليّة في تاريخها، لا تقلّ أهمية عن المحطات السابقة، يستوجب التعامل معها بحذر وحكمة، يقتضيان التخلّص من كل ممارسات الماضي، التي أثبتت فشلها على مرّ العقود، وفوّتت على الجزائر منذ استقلالها فُرص بناء دولة حديثة، بحجم التحديات العصرية.