رئاسة فرنسا: ميلانشون الأكثر شعبية ويقترب من المرتبة الثالثة

رئاسة فرنسا: ميلانشون الأكثر شعبية ويقترب من المرتبة الثالثة

09 ابريل 2017
ميلانشون تقدّم في الآونة الأخيرة (ليونيل بونافنتور/فرانس برس)
+ الخط -
تواصل حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية مفاجآتها الكثيرة قبل أسبوعين من الدورة الأولى، المقررة في 23 إبريل/نيسان الحالي، على وقع التألق اللافت لمرشح اليسار الراديكالي عن حركة "فرنسا غير الخاضعة" جان لوك ميلانشون، والذي بات ينافس مرشح اليمين المحافظ فرانسوا فيون، على المرتبة الثالثة في استطلاعات الرأي، ويتخذ له موقعاً خلف مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان والمرشح الوسطي إيمانويل ماكرون، واللذين يتنافسان على المرتبتين الأولى والثانية.

ووفقاً لاستطلاع للرأي حول شعبية الشخصيات السياسية، أنجزته مؤسسة "إلاب" نشرت نتائجه يوم الخميس، فإن ميلانشون بات الشخصية السياسية المفضلة لدى الفرنسيين لناحية الشعبية (وهو ما لا علاقة له بنوايا التصويت) بنسبة 51 في المائة، متقدماً بذلك على كل مرشحي الرئاسة الآخرين. وربح المرشح اليساري 19 نقطة مقارنة مع نتائج استطلاع الشهر السابق، ما يعكس حيوية لافتة ومساراً تصاعدياً في شعبيته.

وبحسب استطلاع آخر للرأي، أنجزته مؤسسة "بي في آ" يوم الجمعة، فإن ميلانشون بات يزاحم فيون في المرتبة الرابعة بنسبة 18 في المائة. وبالنسبة إلى فيون فإن هذه النسبة شبه مستقرة ولم تتغير إلا بشكل طفيف، منذ انكشاف قضية التوظيف الوهمي لزوجته وأبنائه، والتي قادت القضاء إلى توجيه تهمة استغلال النفوذ له.

في المقابل، يسبح ميلانشون فوق موجة متصاعدة متمتعاً بدينامية إيجابية، بفضل حملة انتخابية ناجحة في الميدان، وأيضاً في مواقع التواصل الاجتماعي وخلال المناظرات التلفزيونية التي يبرز فيها كخطيب بارع صاحب كاريزما. وإذا استمر ميلانشون على هذه الوتيرة فإنه قد يتجاوز فيون، ويثبت أقدامه في مرتبة الرجل الثالث في المعادلة الرئاسية، في محاولة لخلط أوراق ثنائي المقدمة لوبان وماكرون للحصول على موطئ قدم في الدورة الثانية من الرئاسيات، المقررة في 7 مايو/أيار المقبل.

ويتمثل الإنجاز الكبير لميلانشون في كونه حسم المعركة، على الأقل في استطلاعات الرأي، مع المرشح الاشتراكي بونوا هامون الذي حل في المرتبة الخامسة بنسبة 8 في المائة. وهي مرتبة تعكس تواصل انحدار شعبية المرشح الاشتراكي الذي يواجه منذ فوزه بتمهيديات الحزب عداوة التيار الإصلاحي، والهروب الكبير للشخصيات الاشتراكية القيادية في اتجاه المرشح الوسطي ماكرون. وبفضل تقهقر المرشح الاشتراكي، بات ميلانشون ممثل اليسار الوحيد في مقدمة الترتيب وأمله الباقي في الحصول على نتيجة مشرفة في السباق الرئاسي، وهذا ما يعزز حظوظه لاستمالة مزيد من أصوات الناخبين الاشتراكيين.



واللافت أن ميلانشون صار لا يكتفي باجتذاب الناخبين المترددين في معسكر الاشتراكيين بل بدأ أيضاً يرمي بشباكه في معسكر اليمين المحافظ، والذي يعيش على إيقاع انتحار بطيء لفيون الغارق في الفضائح القضائية. فبعض ناخبي اليمين الذين تعودوا على "ثقافة الزعيم القوي"، تستهويهم شخصية ميلانشون الحازمة وثقافته الواسعة وإلمامه العميق بتاريخ فرنسا ونزعته القومية الراسخة، وهي خصال يستعرضها ميلانشون بذكاء في المناظرات التلفزيونية وتميزه عن باقي المرشحين المنافسين. وتعزز هذا الانطباع لدى أهل اليمين في المناظرة التلفزيونية الأخيرة ليل الاثنين الماضي، حين ظهر ميلانشون بمظهر اليساري المعتدل والرزين بالمقارنة مع المرشحين الراديكاليين فيليب بوتو وناتالي أرتو اللذين رفعا شعارات أيديولوجية عنيفة خلال السجال.

وهناك أيضاً بعض الأفكار في برنامج ميلانشون الانتخابي، والتي تستميل ناخبي اليمين والوسط، مثل إعادة العمل بالخدمة العسكرية الإلزامية والخروج من منظمة حلف الشمال الأطلسي، والدفاع عن استقلالية فرنسا وقيم الجمهورية إزاء الحليف الأميركي، وإرساء تفاهم مع الروس، وهي في مجملها أفكار قريبة من تراث الرئيس الراحل شارل ديغول، الأب الروحي لليمين الفرنسي التقليدي.

والواقع أن ميلانشون واعٍ لاختراقه المتواصل والحثيث للمشهد الانتخابي منذ أسابيع عدة. وهذا ما عبّر عنه بطريقة واثقة، يوم الأحد الماضي، وسط مناصريه في مدينة شاتورو، عندما خاطبهم بنبرة واثقة: "لقد حلَّ الربيع وليست لي النية في التخلي عن التحمس لانتصار محتمل". غير أن ميلانشون واعٍ أيضاً لضرورة التزام الحذر وعدم الانسياق السهل وراء نتائج استطلاعات الرأي. ذلك لأنه عاش لحظات حماس مشابهة في حملة الرئاسيات السابقة عام 2012، عندما كانت استطلاعات الرأي تضعه في المرتبة الرابعة وكان مئات الآلاف يحتشدون في مهرجاناته الانتخابية. غير أن ميلانشون تعثر على بُعد أسبوعين من يوم الاقتراع بسبب الضغط والانتقادات العنيفة وانسحب بالتدريج من ساحة السجال الانتخابي، فاسحاً المجال للمرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند. كذلك ساهم في تعثره تألق الرئيس المنتهية ولايته، آنذاك، نيكولا ساركوزي، الأمر الذي دفع بناخبي اليسار إلى التصويت بكثافة لصالح هولاند ولم يحصل ميلانشون في النهاية سوى على نسبة 11 في المائة من الأصوات وتم إقصاؤه في الدورة الأولى.

ويبدو أن ميلانشون أخذ العبرة من دروس 2012 في حملته الحالية. وبما أن معركة انتزاع الشعبية سبق له وأن ربحها خلال السنوات الماضية، بات الرجل يحرص أكثر على تكثيف حملته الانتخابية في الميدان والاحتكاك بالناخبين في المدن والضواحي والمناطق الريفية. وبخلاف الانتخابات السابقة تشمل أجندته الحالية على تجمّعات جماهيرية، تمتد حتى عشية الدورة الأولى ومن ضمنها مهرجانات كبرى في مدن أساسية مثل مرسيليا وتولوز وليل.

كما أن ميلانشون يخوض حملة رقمية تثير حسد منافسيه، إذ ينشط بقوة في وسائل الاتصال الاجتماعي وتحظى الفيديوهات التي يضعها في موقع "يوتيوب" بنسبة مشاهدات مرتفعة. وسيبقى التجمع الانتخابي المزدوج الذي نظمه بين باريس وليون عبر تقنية الهولوغرام الرقمية حدثاً تكنولوجياً باهراً وسابقة في تاريخ الحملات الانتخابية.

المساهمون