رؤوس الأموال تركّز على المطاعم في غزّة

رؤوس الأموال تركّز على المطاعم في غزّة

09 اغسطس 2015
المطاعم تغري الباحثين عن الاستثمار الآمن (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -

مع توقف عشرات المصانع في قطاع غزة عن العمل مجبرة، بسبب الأوضاع الاقتصادية القاسية، والحروب الإسرائيلية المتكررة، والحصار المطبق، توجه الكثير من رجال الأعمال وأصحاب روؤس الأموال الغزية نحو افتتاح مشاريع في القطاع الخدمي الاستهلاكي، كالمطاعم أو المنشآت السياحية، اعتقاداً منهم بأن هذا القطاع الأوفر ربحاً، والأقل كلفة وخطورة.

وشهدت الأشهر القليلة الماضية افتتاح العشرات من هذه المشاريع الخدمية، على الرغم من تردي الأوضاع المعيشية للسكان وتفشي الفقر في صفوفهم، والارتفاع المتزايد في معدلات البطالة في صفوف الشباب، وتوقف معظم القطاع الإنتاجي، كالمصانع والمنشآت الاقتصادية بفعل الحصار الإسرائيلي على غزة منذ تسع سنوات.

ويرجع رئيس هيئة المطاعم والفنادق والخدمات السياحة في غزة، صلاح أبو حصيرة، حالة الإقبال على افتتاح مشاريع استهلاكية كالمطاعم أو المنشآت السياحية، للواقع الاقتصادي السيئ الذي يضرب قطاع غزة منذ سنوات، ونتيجة للحصار الإسرائيلي المفروض.

ويشير أبو حصيرة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ غالبية أصحاب رؤس الأموال والمستثمرين الذين اتجهوا لافتتاح مشاريع استهلاكية في مجال المطاعم ليسوا على دراية ومعرفة جيدة بطبيعة السوق المحلي، والذي يعاني من فائض في العرض وقلّة في الطلب.

ويضيف أبو حصيرة: "غالبية أصحاب رؤس الأموال اتجهوا للاستثمار في هذا المجال على أمل أن يحالفهم الحظ وأن يستمروا في السوق، إلا أن الواقع المعيشي السيئ في غزة لم يسعف بعضهم، ما اضطرهم للإغلاق وتصفية مشاريعهم بعد أشهر قليلة لم يتجاوز أحسنها الستة أشهر".

وحول الجدوى الاقتصادية من التوجه لافتتاح مشاريع خدمية استهلاكية، يؤكد أبو حصيرة أن الفائدة الاقتصادية شبه منعدمة وتصل في الكثير من الأحيان إلى صفر في ظل وجود عشرات المطاعم والمنشآت السياحية التي تدير أمورها للمحافظة على نفسها والاستمرار، على أمل تحسن الأوضاع يوماً ما.

ويلفت إلى أنّ دخول الكثير من الأموال في القطاع السياحي أضرّ كثيراً بالمنشآت القائمة، ولم يخلق حالة تنافسية حقيقبة يمكن البناء عليها، بل عمل على تردي أوضاع أصحاب المؤسسات القائمة منذ سنوات، ورفع معدلات العرض كثيراً في ظل تراجع كبير وواضح في معدلات الطلب.

ويشير إلى أنّ مئات آلاف الدولارات أنفقت في الآونة الأخيرة من أصحابها على افتتاح مشاريع استهلاكية دون أن يكون لأصحاب هذه الأموال أيّ تصور أو خبرة في المجال، ما أفقدهم هذه الأموال في مدة زمنية بسيطة، نتيجة عدم قدرتهم على المنافسة والعمل في هذا المجال الذي يحتاج لخبرة.

ويقدّر عدد المطاعم والفنادق السياحية المعتمدة من قبل هيئة المطاعم والفنادق والخدمات السياحية في غزة بنحو 180 منشأة خدمية، عدا عن عشرات المنشآت الأخرى غير المسجلة لديهم والتي جرى افتتاحها في العامين الماضيين.

ويقول رئيس تحرير صحيفة "الاقتصادية" المحلية بغزة، محمد أبو جياب، لـ"العربي الجديد"، إنّ الواقع الاقتصادي السيئ بغزة والحصار الإسرائيلي واستهداف القطاع الإنتاجي دفع الكثير من أصحاب رؤس الأموال إلى الهرب نحو المشاريع الخدمية الاستهلاكية، سواء المطاعم أو المنتجعات السياحية والفندقية.

اقرأ أيضاً: أزمة الكهرباء تهدّد بإغلاق 90% من مصانع غزة

ويشير أبو جياب إلى أنّ هروب رؤوس الأموال من القطاع الإنتاجي جاء نتيجة الاستهداف الإسرائيلي المتكرر له في الحروب المتلاحقة، ومحاولة تصفية البنية الاقتصادية المتبقية في غزة، ما دعا التجار وأصحاب رؤوس الأموال إلى سلوك طريق القطاع الخدمي، الأقل كلفة والأوفر ربحاً والأقل مخاطرة.

ويوضح أبو جايب أنّ الظروف الأمنية والسياسية التي تعصف بالقطاع المحاصر منذ تسع سنوات تجعل فرص الاستثمار في المجال الخدمي الاستهلاكي أكثر أمناً لأصحابها، خصوصاً ممّن استهدف الاحتلال منشآتهم خلال الحروب الثلاث الماضية على غزة.

ويلفت الصحافي الاقتصادي إلى مخاطر ستعترض القطاع خلال الفترة المقبلة، من أبرزها تحوّل المدينة المحاصرة إلى منطقة استهلاكية بحتة في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية بغزة، بفعل ارتفاع معدلات البطالة بشكل كبير ونسبة الفقر بين السكان.

ويشير إلى أن قطاع الخدمات الاستهلاكية المتمثل في المطاعم والمنشآت السياحية الداخلية يعتبر الأقل تشغيلاً ولا يساهم في الحد أو تقليص مشكلة البطالة التي يعاني منها الغزيون، بفعل توقف الوظائف الحكومية وإغلاق المعابر وتردي الظروف الاقتصادية بفعل الحصار.

لكن أبو جياب يقول إنه رغم المخاطر الكثيرة التي تواجه القطاع الخدمي، إلا أنّ أي انفتاح متوقع لغزة سيزيد من النشاط والحراك الاقتصادي، وسيصبح هذا المجال من أكثر القطاعات الاقتصاية جودة واستفادة اقتصادية، وهو ما سيعود بالنفع على الاقتصاد الغزي ككل.

وبحسب بيانات اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار في غزة، فإنّ نسبة الفقر في صفوف السكان قد بلغت 90% ويعتمد غالبيتهم على مساعدات إغاثية من مؤسسات دولية، بالإضافة إلى ارتفاع في معدلات البطالة التي وصلت لنحو 65% غالبيتهم من الشباب خريجي الجامعات والكليات المحلية بغزة.

ويرى أستاذ العلوم الاقتصادية والإدارية في جامعة الأزهر بغزة، معين رجب، أنّ سر الإقبال على تنفيذ مشاريع خدمية استهلاكية يعود بالأساس لرغبة أصحاب رؤوس الأموال بتحقيق أكبر عائد مادي ممكن، كونهم يعتقدون أن هذا القطاع يوفر عائدات مالية جيدة.

ويوضح رجب أنّ قراءة حاجة السوق وواقع الاقتصاد الفلسطيني في غزة، الذي يعيش حصاراً منذ سنوات يجب أنّ تكون حاضرة في افتتاح مثل هذه المشاريع، حتى لا يفقد صاحبها أمواله، دون تحقيق أي جدوى اقتصادية حقيقية.

ويلفت إلى ضرورة وجود تدخل حكومي من قبل الوزارات المختصة قبل منح أصحاب رؤوس الأموال تراخيص جديدة تفرض عليهم تقديم دراسات جدوى اقتصادية حقيقية توضح مدى استعدادهم للمنافسة والاستثمار في القطاع الخدمي الاستهلاكي الذي أصبح وجهة الكثير من أصحاب الأموال بغزة.

ويعاني قطاع غزة، الذي يقطنه أكثر من 1.8 مليون نسمة، من تدهور وتهالك كافة القطاعات الحياتية، نتيجة السياسات الإسرائيلية التي تستهدف مقومات الحياة والاقتصاد الفلسطيني، وفي ظل إغلاق مستمر للمعابر، ووضع قيود وشروط أمام حركة ودخول السلع والبضائع من وإلى القطاع، عدا عن قيود التنقل والحركة للأفراد، بالإضافة للعديد من الأزمات الأخرى، كأزمة الكهرباء وأزمة عدم اعتراف السلطة الفلسطينية بموظفي حكومة غزة السابقة.


اقرأ أيضاً: رجال أعمال الضفّة الغربيّة يبحثون فرص الاستثمار في غزّة

المساهمون