كانت ليلة نارية في مدينة إشبيلية في إسبانيا من خلال تسجيل ستة أهداف في مباراة واحدة. ركلات ترجيحية ودموع. لعل هذه المشاعر والأحداث وضعت فرنسا على قمة كرة القدم، لكن نصف نهائي كأس العالم 1982، شهد أكثر المشاهد دموية وإثارة في تاريخ كرة القدم، حيثُ سقط الفرنسي باتريك باتيستون على أرض الملعب بعد تعرضه لضربة "كونج فو" من الحارس الألماني هارالد شوماخر، في مباراة الدور نصف النهائي التي جمعت فرنسا وألمانيا.
باتيستون "مات" وبلاتيني يُقبل يده
طار باتيستون في الهواء وسقط على الأرض بقوة، ليعود ويقلب على ظهره من دون حراك، ميشيل بلاتيني الذي مرر الكرة الأخيرة إلى اللاعب الفرنسي قبل حصول الحادثة كان أول شاهد عيان على الضربة القوية، في وقت اعتقد بلاتيني أن زميله فارق الحياة، حيثُ لم يظهر أي نبض وبدا جامداً بدون حركة.
اليوم وبعد مرور نحو 32 عاماً على نصف النهائي الشهير، ستلتقي ألمانيا مع فرنسا في ربع نهائي كأس العالم 2014 في ملعب "ماراكانا". يبدو أن ذكريات العام 1982 اشتعلت من جديد وهي قادرة على بث الرعب على أرض الملعب مجدداً، وخصوصاً بالصورة المرعبة آنذاك، اللاعب الفرنسي محمول من أرض الملعب بدون حركة، في حين أن يده اليمنى متدلية إلى الأسفل تداعب الهواء وسط ذهول من لاعبي المنتخبين.
قام بلاتيني حينها بمسك يد باتيستون بقوة، وصولاً إلى خارج الملعب، حيثُ حشد من الأطباء ينتظر "الجثة" التي فارقت الحياة، ثم قبل بلاتيني يد باتيستون قبل أن يعود لمتابعة المباراة. لكن القصة انتهت بفرح ومن دون حزن، إذ إن باتيستون اليوم هو مدير أكاديمية بوردو لكرة القدم، وأصبح معروفاً بضحية شوماخر العدائي، وتعود هذه الذكرى كلما التقت فرنسا وألمانيا في بطولة كأس العالم.
ندم وخوف شوماخر
بعد الحادثة ظهرت الآثار والعواقب، كسر لضرسين وكسور في الضلوع وتضرر في العمود الفقري لكنه لم يكن خطيرا، إذ وصف باتيستون شوماخر "باللاعب الذي يريد الفوز بكل شيء، مهما كلف ذلك، حتى لو كسر ودمر خصمه"، في حين لاحظ باتيستون قبل دخوله الملعب بديلاً أن الحارس الألماني مُتحمس كثيراً لدرجة أنه لم ير أي أحد من اللاعبين أمامه، كأنه يلعب لوحده في الملعب ويريد الفوز بالمباراة.
حدث ما حدث، وسقط من سقط، تابعت المباراة طريقها لتنتهي (3 – 3)، ليحتكم المنتخبان لركلات الترجيح التي ابتسمت "للمانشافت" على حساب "الديوك" (5 – 3)، لتعود ألمانيا وتخسر من إيطاليا في النهائي بثلاثة أهداف مقابل هدف. عندها أيقن الحارس شوماخر عواقب ليس ما فعله مع الفرنسي باتيستون الذي كان حينها يعالج في المستشفى، وتأثيرها على صحته فقط، بل على الرأي العام الرياضي كله.
بعد ذلك اعتذر شوماخر لباتيستون، لأنه شعر بالذنب لما آلت إليه صحة الفرنسي، لكن الأمر المستغرب أن الحكم الهولندي آنذاك، لم يمنح خطأ للفرنسي إذ اكتفى برفع بطاقة صفراء، في وقت يعتقد بعض المسؤولين التقنيين في "الفيفا"، إنه من المستحيل بقاء الحارس الألماني على أرض الملعب خلال العصر المتطور من لعبة كرة القدم، ولو حدث ذلك في المونديال البرازيلي لكان شوماخر غادر البطولة وتعرض للتحقيق كما حصل مع سواريز.
"سفاح إشبيلية"
بعد مرور سنوات، ذكر شوماخر، في كتابه "كيك أوف"، هذه الحادثة الشهيرة التي أثرت فيه كثيراً، حيثُ وصفها بلحظة رعب وشعور لا يوصف، إذ وقف أمام المرمى حائراً يداعب الكرة بدون تركيز، معتبراً هذه اللحظة من أكثر المواقف رعباً في مسيرته الكروية.
بعد خسارة فرنسا من ألمانيا في النصف النهائي، ظهر الاضطراب في المدن الفرنسية، فبعد سنوات من الحب والود بين الجارتين في الحدود، أصبح هذان المنتخبان أعداءً داخل المستطيل الأخضر، وبعد انتهاء كأس العالم 1982، عبرت صحيفة فرنسية عن سخطها على الحارس الألماني شوماخر واعتبرته أكثر الألمان المكروهين بعد هتلر، والمُلفت أنها سمته بـ "سفاح إشبيلية".
عادت فرنسا وتقابلت مع ألمانيا في نصف نهائي مونديال 1986، وخسر "الديوك" مجدداً من "المانشافت" بهدفين نظيفين، لكن هذه المرة من دون دراما على أرض الملعب، ومن دون مشاكل أو مشاهد مؤثرة قاسية، وسيعود هذا المشهد مجدداً على أرض ملعب "ماراكانا" حيث سيلتقي العملاقان مجدداً بعد 32 سنة على حادثة "سفاح إشبيلية".