ذكرى 25 يناير: برلمان عز يعود منذراً بثورة جديدة

ذكرى 25 يناير: برلمان عز يعود منذراً بثورة جديدة

25 يناير 2020
مثّلت انتخابات 2010 سبباً رئيسياً لاندلاع الثورة (العربي الجديد)
+ الخط -



تحل الذكرى التاسعة للثورة المصرية وسط استعدادات من الحكومة للانتهاء من إعداد قانوني الانتخابات البرلمانية وتقسيم الدوائر الانتخابية، تمهيداً لإقرارهما من البرلمان قبل فضّ دور انعقاده الصيف المقبل، وإجراء الانتخابات في ظل نظام مختلط يواجه اعتراضات واسعة من النواب الحاليين، كونه يمنح 75 في المائة من المقاعد لنظام القوائم المغلقة المطلقة، مقابل 25 في المائة فقط من المقاعد للنظام الفردي. وبدأت الرئاسة المصرية في عقد دورات تأهيلية للمئات من المنضمين للبرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، تحت إشراف مباشر من جهاز المخابرات العامة في مقر الأكاديمية في مدينة الشيخ زايد بالجيزة، مع العلم أن غالبيتهم من أبناء جنرالات الجيش والشرطة، إيذاناً بإدراج أسمائهم على قوائم النظام للانتخابات النيابية، والتي ستضم مجموعة من الأحزاب الموالية، ومن المرتقب أن تحظى بدعم كامل من أجهزة الدولة.

وقال مصدر نيابي بارز لـ"العربي الجديد"، إن مجلس النواب المقبل سيكون أشبه بمجلس الشعب عام 2010، والذي عُرف إعلامياً بـ"برلمان أحمد عز"، نسبة إلى رجل الأعمال المعروف، وأمين التنظيم في "الحزب الوطني" الحاكم إبان عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، موضحاً أن "السلطة الحاكمة تجهز لبرلمان يخلو تماماً من قوى المعارضة، على غرار ما حدث قبل اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011". ومثّلت انتخابات مجلس الشعب التي جرت أواخر عام 2010 سبباً رئيسياً لاندلاع الثورة المصرية، جراء تزويرها بصورة فجة بشكل استفز جموع المصريين، ودفع القوى السياسية آنذاك إلى الانسحاب من الانتخابات عقب جولة الإعادة، ما أسفر عن حصول الحزب الحاكم على أغلبية ساحقة تقارب 97 في المائة من المقاعد، على الرغم من شعبيته المتدنية في الشارع، إثر رفضه تنفيذ الحد الأدنى من ضمانات نزاهة الانتخابات.

وأضاف المصدر أن أجهزة الأمن هي التي تشرف على إعداد قانون الانتخابات، وتدريب مجموعات "مُنتقاة" من الفئات التي ميزها الدستور كالشباب والمرأة والأقباط والمصريين بالخارج، للدفع بهم على قوائم النظام للبرلمان، بتوجيه مباشر من الرئيس عبد الفتاح السيسي، مستطرداً "هذا كان مقبولاً في حالة إفساح المجال أيضاً للنواب المخضرمين، وليس العمل على إسقاطهم بتوسيع النطاق الجغرافي لدوائرهم". وتابع قائلاً: "الإطاحة بنواب البرلمان المعروفين في المحافظات تُشكل خطورة على استمرار النظام نفسه، لأنهم يمثلون حائط صد عن الرئيس والحكومة، بوصفهم يمتصون الانتقادات الموجهة إليهم في الملفات المختلفة"، مردفاً "غياب المعارضة عن مجلس النواب يفتح المجال مجدداً للحديث عن الثورة، ونزول المواطنين إلى الشارع للتعبير عن غضبهم، بدلاً من احتواء هذا الغضب عبر ممثليهم تحت قبة البرلمان".

وفي وقت توزع فيه وسائل الإعلام الموالية اتهامات الخيانة والعمالة على رموز العمل الوطني من السياسيين والحزبيين، خصوصاً التي كان لها صوت مسموع في ثورة 25 يناير، يعتزم النظام المصري إبعاد المعارضين عن طريق مجلس النواب المقبل، والذي سيترك مبناه التاريخي وسط القاهرة متجهاً إلى العاصمة الإدارية الجديدة، في إطار سياسة إغلاق المجال العام التي ينتهجها السيسي منذ وصوله للحكم.



في السياق ذاته، قال أحد أعضاء تكتل (25-30) النيابي، المعارض من داخل النظام، إن "نواب الأغلبية لمّحوا لهم تكراراً خلال الفترة الأخيرة، باستحالة فوز أي منهم مرة أخرى في الانتخابات، لأن النظام سيلفظهم من قوائمه المغلقة، وسيدفع بمرشحين من أصحاب النفوذ والمال في مواجهتهم، ما يُعزز من حظوظهم في الفوز بمقعد البرلمان، حتى في حالة عدم التزوير الصريح للنتائج، بسبب اتساع نطاق الدوائر الفردية". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "جميع أعضاء التكتل فازوا بمقاعدهم على النظام الفردي عن دوائر تضم مركزين انتخابيين أو ثلاثة على الأكثر، بينما تتسع الدوائر بحسب التقسيم الجديد لتشمل 7 أو 8 مراكز انتخابية، وهو ما يقضي على حظوظهم في الفوز بعضوية البرلمان"، مستدركاً "أرى أن هذا أمر في منتهى الغباء، ويُنذر بتجدد الاحتجاجات الشعبية ضد النظام، والذي يبدو أنه لم يتعلم من درس 20 سبتمبر/أيلول".

وشهدت مصر احتجاجات شعبية واسعة يومي 20 و27 سبتمبر الماضيين للمطالبة برحيل السيسي من الحكم، استجابة لدعوة الفنان، المقاول محمد علي، وهو ما واجهته الحكومة بموجة اعتقالات طاولت أكثر من 4 آلاف مواطن، ثم اتخاذها بعض القرارات الاقتصادية التي من شأنها تهدئة الرأي العام، مثل خفض سعر الوقود بقيمة 25 قرشاً لليتر، وإعادة 1.8 مليون مواطن مستبعد إلى بطاقات الدعم التموينية. وأضاف عضو التكتل: "مجلس النواب المقبل هو تكرار لبرلمان أحمد عز، والذي لم يستمر إلا لأيام معدودة، وكان أحد أسباب اندلاع الثورة"، خاتماً "ممارسات السلطة الحاكمة حيال قوى المعارضة المدنية، تصب في صالح جماعة الإخوان، وأنصارها في الداخل والخارج، لأن تضييق الخناق على القوى الليبرالية واليسارية التي تعمل على المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، هي رسالة سلبية إلى المواطنين الراغبين في استقرار الدولة".

ويتسبب النظام الانتخابي المطروح من حكومة السيسي في مشاكل كبيرة لنواب البرلمان القدامى، والذين ما زالوا يتمتعون بقبول داخل دوائرهم، باعتبار أن تخصيص نسبة 25 في المائة للنظام الفردي يُقصي أكثر من نصف عدد النواب الحاليين، لعدم قدرتهم على الحصول على أصوات الناخبين من خارج مناطق نفوذهم، وهو ما يُعزز في المقابل من فرص رجال الأعمال المحسوبين على النظام. ويُهدر نظام القوائم المغلقة أصوات نحو 49 في المائة من الناخبين، لأن إعلان فوز هذه القوائم كاملة يكون بحصولها على 51 في المائة من الأصوات، بخلاف نظام القوائم النسبية، بيد أنها أكثر عدلاً في توزيع المقاعد، ارتباطاً بعدد أصوات كل حزب أو ائتلاف، وهو النظام الذي جرت بموجبه أول انتخابات برلمانية عقب الثورة في أواخر عام 2011، والتي شهدت أكبر نسبة مشاركة في الانتخابات عبر تاريخ مصر.


المساهمون