ذكرى 14 آذار: مكان موحّد لمواقف متعارضة

ذكرى 14 آذار: مكان موحّد لمواقف متعارضة

بيروت

نادر فوز

avata
نادر فوز
15 مارس 2014
+ الخط -

عادت الأنظار مجدداً إلى مجمّع البيال في بيروت الذي احتضن مهرجان الذكرى التاسعة لإنطلاق تحالف قوى 14 آذار. بين ساحة الشهداء عام 2005 وقاعة البيال 2014، كثير من الاختلاف. قبل تسع سنوات كانت الشعارات موحّدة والألوان متناسقة، أما اليوم فكل حزب أحضر جمهوره ليهتف باسم الزعيم. غابت شعارات "حرية، سيادة واستقلال" بعد أن تصدّع جسد 14 آذار، بفعل خضّات سياسية وأخرى أمنيّة، وثالثة تنظيميّة. فحلّ مكانها "الله، قوات، حكيم وبس" (أي سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية)، أو "الله، حريري والطريق الجديد" (الخزّان البشري لتيار المستقبل في بيروت). 

في قراءة سريعة لواقع 14 آذار، فعند قيامها كان لها مشروع سياسي وقراءةً موحدة وخزّان بشري دافق. أما اليوم فكلّ هذا قد سقط معنوياً على الأقل، بعد أن انكسرت ثقة الحلفاء ببعضهم البعض. أداء الناس والمشاركين والجماهير الحزبية في هذا المهرجان يمكن ان يلخّص كل شيء، بغض النظر عن كل ما يمكن ان تفعله القيادات والمجالس المخملية والسياسية.

ففي تلك القاعة التي ضمّت 4000 كرسي، انقسم الجمهور الذي جاء لتلبية دعوة قياداته إلى تكريس وحدة 14 آذار. قسم قواتي، أشبه بـ"فرقة نوبة تنورين" (منطقة شمال لبنان)، بحسب ما قال وجه بارز في قيادة 14 آذار. لم يتردّد القواتيون طوال المهرجان عن توجيه التحية لجعجع، حتى خلال كلمة رئيس كتلة المستقبل النائب فؤاد السنيورة.
جمهور القوات كان حاضراً بصراخه المتواصل، فعبّر على طريقته عن استياء القوات من الحلفاء، أو أغلبية الحلفاء. تخطّى ذلك بأشواط إذ ردّد باستمرار "لبيّك يا حكيم". وكأن جمهور القوات أصبح جمهور حزب الله، ينتظر إشارة القائد لينفّذ الأوامر الصادرة.
على الطريقة اللبنانية، القواتيون "أكلوا جوّ" البيال. شوّشوا على كلمة السنيورة، وقاطعوا كلمة النائب سامي الجميّل ممثل حزب الكتائب. بدوا وكأنهم لا يريدون سماع أي تبرير أو تفسير سيقدمّه الحلفاء لخطواتهم التي شقّت صفّ 14 آذار. حاول السنيورة والجميّل تدارك كل ذلك. قال الأول إنّ هذا الفريق يختلف "ولا نترك للخلاف مجالاً بيننا، ولا ننقسم ولا تتفرق صفوفنا وننظر من زوايا مختلفة، وهذا سرّنا وقوّتنا إذ نلتقي في ساحة الوحدة والعيش المشترك". صفّق جمهور المستقبل للسنيورة، لكن القواتين امتنعوا، كما لو أنّ هذا الكلام لم يقنعهم. فهتفوا باسم جعجع.
واعتلى الجميّل المنصّة، ذكر اسم أخيه، شهيد 14 آذار بيار الجميّل. صفّق له الجميع. فأسمك بلغة التبرير محاولاً طمأنة القسم القلق من هذا الجمهور. فجاء تفسير تخلّي الكتائب والمستقبل عن القوات وخوضهما حكومة الشراكة الوطنية مع حزب الله على الشكل الآتي: "أسقطنا حكومة كرامي (الرئيس عمر كرامي) عام 2005 في مجلس النواب، واليوم نعود إلى مؤسسات الدولة لمواجهة الخصوم. ومن عبر هذه المؤسسات يمكن ان نحتجّ وننتصر لأننا نريد الدولة لا الإحتكام إلى الشارع".
وصفّق المستقبليون وامتنع القواتيون مرّة جديدة منتظرين إطلالة جعجع عبر شاشة من مقرّه. نزل الجميّل وصعد منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار، النائب السابق فارس سعيد. كان الأخير واضحاً في كلامه، في انتقاداته وملاحظاته. بدا واضحاً في قربه من القوات اللبنانية وجعجع. اعترف بأنّ فريق 14 آذار مهدّد بالزوال، طالب الجميع بإعادة الجلوس على طاولة واحدة وحول مشروع واحد. عارض الجميّل، فقال إنّ المطلوب العودة إلى جمهور 14 آذار، أي ناس 14 آذار التي تحرّك واعتصمت وتظاهرت منذ تسع سنوات رفضاً لحكم سوريا في لبنان، ورفضاً لسلاح حزب الله.

بعد فشل توحيد القراءة من القانون الانتخابي في ربيع العام الماضي وقع هذا الفريق في مأزق معنوي. وبعد الإنقسام في المشاركة في الحكومة الحالي، تلقى هذا التحالف ضربة بنوية وتنظيمية. فهل يأتي استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية لسينف تاريخ السنوات التسع من الاغتيالات والاستحقاقات السياسية المشتركة؟ عنوان الانتخابات الرئاسية كان مقصد جعجع. وفي هذه الإطلالة عودة إلى التعبير العفوي للمشاركين. منهم من وقف للترحيب به ولو كان من خلف شاشة. منهم من صفّق وهتف، ومنهم من تحرّك عن كرسيه لمغادرة القاعة. سبب الخروج "استعجال المغادرة قبل ان تزدحم القاعة". كما لو أنّ كلمة جعجع لا تعنيهم، أو أنّ حاجز الشاشة أبعدهم عنه. أو ربما هرباً من مضمونها السياسي الذي لم يهادن في الهجوم على حكومة الشراكة.
كان جعجع واضحاً: "الاختلاف الحاصل حول البيان الوزاري ليس مسألة تشاطر لفظي أو اختلاف في الصياغة الإنشائية، وإنما انعكاس طبيعي للتناقض بين مشروعين، مشروع الدولة والدويلة". ظهر وكأنه يستبق الساعات المقبلة ويبشّر بسقوط الحكومة، ليؤكد وجوب فوز 14 آذار في موقع رئاسة الجمهورية وكل الإدارات. فقال: "إنّ مهمة 14 آذار الأساسية في الوقت الحاضر تكمن في بلوغها سدة الرئاسة، بغية تصحيح مسار الأحداث، وانتشال لبنان من واقعه المرير، وإقامة الدولة المنشودة".

انتهت كلمة جعجع. صفّق الحاضرون وخرجوا وبقيت الكلمات والملاحظات في القاعة. ليستمرّ النقاش عن سبل إعادة رصّ صفوف 14 آذار وإعادة اللحمة إلى قياداتها. تبحث هذه القوى عن فتح حوار جديد حول خط العمل في المرحلة المقبلة، بين خيار العودة إلى الدولة أو إلى الشارع. 

خرج الجميع من القاعة ولم يبق فيها إلا صور شهداء "ثورة الأرز" وحيدة على الجدران. بلا تصفيق ولا ورود ولا أناشيد.

المساهمون