ذكرى مجزرة "الساعة": معموديّة نصّبت حمص عاصمة للثورة

ذكرى مجزرة "الساعة": معموديّة نصّبت حمص عاصمة للثورة

19 ابريل 2014
لجنة الأمم المتحدة عند ساحة الساعة في 2012 (getty)
+ الخط -

لم تكن "ساعة حمص"، في ذلك اليوم، قد تجاوزت الثانية فجراً إلا قليلاً، عندما تضرّجت ساحة المدينة الشهيرة، المعروفة بالاسم نفسه، بدماء عشرات (أو مئات) القتلى والجرحى من المعتصمين فيها، وذلك بعد ثلاثة أيام على "جمعة الإصرار" في 15 أبريل/ نيسان 2011، في ربيع الثورة السورية، التي كرّس أهل حمص خلالها مدينتهم عاصمة للثورة السورية.

مجزرة يوم الاثنين 18/4/2011، ارتكبها مئات من جنود الفرقة الرابعة وعناصر الاستخبارات الجوية والعسكرية، حين تجمعوا عند نادي الضباط في حمص لفضّ اعتصام عشرات الآلاف من الأهالي المصرّين على الخروج بالتظاهرات المطالبة بالحرية وإسقاط النظام، وذلك بعد لقاء عدد من وجهاء حمص مع الرئيس بشار الأسد في دمشق، وبعد أول خطبة جمعة لشيوخ حمص في الجامع الكبير كانت تدعو إلى التهدئة.

يروي أحد الشهود أنه "في ذلك اليوم المشهود، يوم التشييع العظيم من الجامع الكبير، الذي غرست أحداثه في ذاكرة الحماصنة، شيّع الأهالي ثمانية شهداء من الناشطين والمتظاهرين سقطوا برصاص قوات الأمن في حي باب السباع، إضافة إلى أربعة سقطوا في بلدة تلبيسة خلال إحدى التظاهرات". ويتابع الراوي: "صلّينا في الجامع الكبير، واتّجهنا إلى مقبرة الكتيب، وسط أصوات التكبير والهتافات، عند الساعة الثانية من بعد الظهر. وبعدما انتهينا من دفن شهدائنا، أراد بعض الشباب التوجه لإسقاط الصنم، (تمثال الرئيس الراحل حافظ الأسد)، فواجههم الأمن بإطلاق الرصاص، فسقط بينهم عدد من الجرحى، فاجتمعنا واتفقنا على أن نتوجه إلى ساحة الساعة، ولم نكن ندري بأن هذا اليوم سيغيّر تاريخ حمص إلى الأبد".

ويضيف الشاهد أنه "في ذلك اليوم، أغلقت المدينة وأسواقها أبوابها بشكل كامل، واستجاب الجميع لنداء الحرية، كما لوحظ غياب تام لجميع عناصر الشرطة والأمن الذين اختبأوا خوفاً من طوفان الحرية في شوارع المدينة". بعدها، بدأ الشباب بتنظيم الاعتصام، "وشكلوا مجموعات لتوفير الطعام والشراب وتوزيعها على الناس، ثم تم وصْل مكبرات الصوت والإضاءة، وبناء عدد من الخيم للمعتصمين، كان أكبرها لمشايخ حمص". وعلى حد تعبير الراوي: " شاركت كل حمص في هذا اليوم، وكسرت حاجز الخوف".

ومن أحداث ذلك اليوم، قام الشباب العُزّل بتشكيل مجموعات أمنية، وأقاموا الحواجز في المداخل الرئيسية للساحة لتفتيش المعتصمين والتدقيق في الهويات، ومنعوا إدخال العصيّ والأدوات الحادة، وقد أقيمت حواجز في شارع عبد الحميد الدروبي وتفرعاته، وعند شارع الدبلان وجورة الشياح، وكذلك من جهة الساعة القديمة، بينما رفعت اللافتات المناهضة للنظام.

في ذلك اليوم، وكما في كل أيام الثورة، يقول الشهود إن "أصوات الحرائر كانت متلازمة مع أصوات الرجال، وكانت مشاركتهن مهمة وفاعلة في اعتصام الساعة، إذ هتفن للحرية والشهداء والمعتقلين، ورفعن لافتات الحرية، كما قامت بعضهنّ بإحضار الطعام والشراب للمعتصمين وتوزيعه عليهم".

بعد ذلك، يضيف الشهود، انضمّ إلى اعتصام حمص عدد كبير من أهالي بلدة تلبيسة (إحدى مناطق المحافظة الثائرة)، فتعالت أصوات الهتافات، واشتدت الحماسة بين المعتصمين، وقام أحد الشبان بتمزيق صورة بشار الأسد المعلقة على واجهة مبنى البريد المجاور، وكذلك أزال علم حزب البعث الكبير من المكان".

يشرح الشهود أنه "عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل تقريباً، فتح المئات من عناصر الأمن والشرطة، المتمركزين عند نادي الضباط، النار على المعتصمين بشكل هيستيري، فسقط عشرات المعتصمين بين شهيد وجريح، فيما حاول الآخرون الفرار بكل الاتجاهات، ليطالهم كذلك رصاص قناصة قوات الأمن المنتشرين على المباني المرتفعة". ساعتان متواصلتان من إطلاق الرصاص في كل الاتجاهات، حتى لم يبقَ في ساحة الساعة وشارع الدبلان شيء إلا تحطّم، وفُضّ الاعتصام وأخليت الساحة من المعتصمين، بينما دخل عناصر الأمن و"الشبيحة" للرقص على أشلاء الناس ودمائهم، بحسب رواية مَن نجوا من المجزرة.

استيقظت حمص على أصوات سيارات الإطفاء تغسل دماء شهدائها، بينما كانت قوات الأمن قد رفعت الجثث بالجرافات، ووضعتها بشاحنات لتدفنها في مقابر جماعية، "لم نستطع حتى الآن الكشف عنها والوصول إليها، رغم معرفتنا بمكانها، ورغم مرور عامين على ارتكاب المجزرة"، في حين نقل الجرحى إلى المستشفى العسكري بحمص.

يحمّل أهل حمص مسؤولية المجزرة لقوات الفرقة الرابعة، بمؤازرة قوات الاستخبارات الجوية والعسكرية والشرطة، بقيادة العقيد عبد الحميد إبراهيم من الاستخبارات الجوية، بينما كانت إدارة العملية موكلة إلى العميد في الاستخبارات العسكرية، حافظ مخلوف، شقيق رامي مخلوف، ابن خال الأسد.

من غير المعروف، حتى الآن، العدد الدقيق للشهداء الذين سقطوا في تلك الليلة التي ستذكرها مدينة حمص طويلاً، فالبعض تحدث عن المئات (بين 200 إلى 300 شهيد)، والبعض الآخر يحصر الحصيلة بالعشرات.

المساهمون