Skip to main content
ذئاب الانتخابات
وليد التليلي
يبدو التونسي باحثاً عن بدائل للأحزاب القائمة (ياسين قايدي/الأناضول)
ينغمس التونسيون في تفاصيل عمليات سبر الآراء، وما تطرحه من توجيه للرأي العام، بكشفها عن معطيات جديدة شكّلت صدمة للعديد من المتابعين، عبر تقديم أسماء جديدة في قائمة الفائزين الممكنين في الانتخابات المقبلة، من غير الأحزاب المعروفة والشخصيات السياسية العامة. وأُصيب كثيرون بحالة من الهلع وكأن الاستطلاعات نص مقدس، في حين أنها ليست إلا معطيات جزئية وظرفية تتعلق بمزاج ناخب في ظرف زمني واجتماعي معيّن، ولا يبدو أنها تشكل قاعدة ثابتة قد تعصف بكلاسيكية المشهد الانتخابي التونسي، على الرغم مما تحمله من مؤشرات حقيقية وصادقة قد تعكس في جزء منها مسعى التونسي للبحث عن بدائل سياسية بعد إخفاق أكثرها في تحقيق الرفاه المنتظر، وهو ما تجلّى في الانتخابات البلدية الماضية التي شهدت صعوداً قوياً للمستقلين.

وبغض النظر عن صحة هذه المعطيات ونزاهتها، فإن التونسي معذور جداً في بحثه عن بدائل، ليس فقط بسبب الإخفاق الاقتصادي والاجتماعي، وإنما أيضاً بسبب سقوط أخلاقي سياسي تجلّى في صراعات سوقية على السلطة، وقاد عدداً من الأحزاب السياسية إلى أبواب المحاكم. فقبل أيام، قررت الدائرة الاستئنافية في المحكمة الإدارية، رفض ترشح قائمتي "نداء تونس" للانتخابات الجزئية في باردو، لأن شقين من هذا الحزب يتصارعان حول من يتقدّم لهذه الانتخابات باسم "النداء"، وكأنها معركة حول محل تجاري بين شريكين، ما دفع القضاء إلى إقصاء الإثنين معاً، من دون أن يحرك ذلك ساكناً لهما، بل استمرا في تبادل الاتهامات والتلاسن.

ويبدو أن "الجبهة الشعبية" اليسارية ستشهد مصيراً مشابهاً، إذ تقدّم حزبان من هذا الائتلاف للانتخابات البلدية الجزئية باسم الجبهة، ما اعتبرته بقية المكوّنات محاولات لـ"الانقلاب على الجبهة والسطو عليها، بعد إيداع ملف بشكل سري، لدى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، يُحوّل الجبهة الشعبيّة من ائتلاف حزبي وشعبي واسع إلى ائتلاف انتخابي يضمّ حزب الوطن ورابطة اليسار العمالي بمفردهما، ويُقصي أغلبية المكونات المتبقية للجبهة"، بحسب بيان لها.

وسينتهي الأمر أيضاً إلى المحاكم، ليجد المواطن نفسه حائراً أمام هذا المشهد الغريب والمضطرب. ولكنها في كل الحالات تبقى حالة طبيعية أو مفهومة في ظل صراعات تعتقد أن الانتخابات المقبلة هي نهاية التاريخ، بينما لا تعدو أن تكون مرحلة ومجرد محطة في تاريخ جديد يكتب نفسه ويحاول أن يحمي نفسه من ذئاب تتربص به في الداخل والخارج.