دُروس من العصيان السوداني

دُروس من العصيان السوداني

23 ديسمبر 2016
+ الخط -
بعكس ما حدث في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني، فإنّ يوم التاسع عشر من ديسمبر/ كانون الأول الجاري لم يشهد استجابة واسعة لدعوات النسخة الثانية من العصيان المدني السوداني الذي تبنته مجموعات شبابية، فقد بدت شوارع العاصمة الخرطوم والمدن الكبرى في البلاد في حالة أقرب إلى الطبيعية، الأمر الذي تسبّب في خيبة أمل لدى قطاع عريض من الشباب وقادة الأحزاب السياسية المعارِضة.
إذا أردنا تحديد الأسباب التي أدت إلى ضعف الاستجابة للنسخة الثانية من العصيان المدني، فإنّ السبب الأول يعود إلى غياب "الدافع المُحفّز".. إذ كان للإجراءات الاقتصادية الأخيرة دوراً كبيراً في نجاح الموجة الأولى من العصيان، سيّما وأنّ حملة "أعيدوا الدعم للأدوية" سيطرت على موقع تويتر ثلاثة أيام. أيضاً ذهب مراقبون وإعلاميون إلى أنّ تأييد أحزاب المعارضة والحركات المسلحة للعصيان المدني أدّى إلى تخوّف السودانيين من اختطاف هذه الأحزاب والمجموعات المسلحة للحراك الذي كان شبابياً خالصاً في الموجة الأولى.
علاوة على ذلك، لا يمكن التقليل من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة وحزب المؤتمر الوطني (الحاكم) لإفشال العصيان، فقد شكّل الحزب غرفة خاصة للتعامل مع الحراك الشبابي، على الرغم من تأكيدات قادة الحكومة (بمن فيهم الرئيس) وتصريحاتهم بفشل العصيان الأول. ويقال إنّ غرفة الأزمات الخاصة بمتابعة الموضوع أعطت تعليمات إلى المؤسسات الحكومية بالتشديد على حضور الموظفين في اليوم الموعود، حتى من هم في إجازات رسمية. كذلك لاحظ ناشطون أنّ الحكومة أقامت بعدد من المؤسسات أول مرة حفل بمناسبة عيد الاستقلال في تاريخ 19 ديسمبر، حيث كان يتم إقامته عادة مطلع يناير أو اليوم الأخير من ديسمبر، إضافة إلى نشاط الخلايا الإلكترونية التابعة للحزب الحاكم في ترويج صور ومنشورات تحذّر من سقوط النظام، وما يتبعه من فوضى عارمة تجعل البلاد شبيهة بسورية وليبيا واليمن.
غير أنّ الشباب الذين دعوا إلى قيام العصيان، يرون أن تجربتهم ناجحة، حتى لو لم تتحقّق الاستجابة المطلوبة، يستدلون بالوعي الشبابي الكبير الذي تجلّى في مجموعات على موقع "فيسبوك" ضمّت ما يقارب المليون شخص مؤيد للعصيان المدني، ويرى الناشطون أنّ المسؤولين الحكوميين وقادة حزب المؤتمر الوطني اجتهدوا في نفي وجود عصيان من الأساس، أي أنّهم طبّقوا قاعدة نفي النفي إثبات، كما يقول المنطق الرياضي. في الجانب الآخر، يرى الحزب الحاكم أنّ الشعب السوداني يثق فيه وفي الحكومة الحالية، مراهناً على تحقيقه استقراراً نسبياً ومشاريع تنموية رغم التحديات الاقتصادية الماثلة.
لا يمكن إنكار وجود سخط عام وسط جموع الشعب السوداني، يتوقع أن يزداد وربما ينفجر في حالة تضمنت الموازنة الجديدة للعام 2017 مزيداً من الإجراءات القاسية كما تشير التسريبات التي تفيد بوجود اتجاه لرفع قيمة الدولار الجمركي إلى 10 جنيهات بدلاً عن 6.5، السعر المتبع حالياً، إضافة إلى مخاوف من زيادة أسعار الخبز والغاز... لن نستبق الأحداث ولكن إذا تمت إجازة هذه الزيادات فلا يمكن التكهن بمآلات الأمور.
على الحكومة السودانية أن تسعى لإيجاد معالجات حقيقية للوضع الاقتصادي، لأنّ المواطن لن يتحمّل مزيداً من الأعباء التي ظلّت تُلقى على عاتقه، كما أنّ على المسؤولين الكف عن السخرية من الحراك المناهض للحكومة ووصم الداعين للعصيان بالخونة والعملاء، حيث إنّ طائفة كبيرة من الفئات المستنيرة أيدت العصيان المدني بشدّة، من بينهم 500 صحفي، إضافة إلى أكثر من 400 درامي ومسرحي، فضلاً عن أعداد مقدرة من الأطباء والمهندسين والطلاب وغيرهم. ولا ننسى دور سودانيي المهجر الذين عبّروا عن تضامنهم بوقفات احتجاجية وتظاهرات نظموها أمام السفارات السودانية في أميركا وبريطانيا واستراليا وعدد من الدول الأوربية، كلّ هؤلاء كانت لهم مواقف موحدة داعمة للعصيان.
بجانب ذلك، ندعو إلى وقف التصريحات الاستفزازية من قادة الحزب الحاكم الذين يمنون على الشعب السوداني بما يعتقدون إنّها إنجازات تحققت في عهدهم، فقد اعتبر أحد المسؤولين أن "البيتزا والهوت دوغ" ما كان ليعرفها الشعب لولا الحكومة الحالية!، وقال آخر "استلمنا الحكومة والناس بتقسم الصابونة، والسكر بالوقية". مثل هذه التصريحات تؤدي إلى زيادة الغُبن الشعبي، وزيادة حالة السخط والغضب.
ليت الحكومة تستفيد من الأخطاء وتستعين بالكوادر والكفاءات السودانية المنتشرة حول العالم، لمعالجة الأوضاع الحالية التي لا تبشر بالخير، هذه الكوادر أغلبها غير منتمية للأحزاب السياسية، وبالتالي ليس لديهم أجندة أو مطامع في النفوذ والسلطة. بذات القدر نتمنى من قادة الحراك الشبابي العريض، مراجعة خططهم وأفكارهم، والعمل على تنظيم الصفوف وتوحيد الكلمة بعد التضارب في المواعيد الذي حدث إبان تجربة العصيان الثاني.
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
محمد مصطفى جامع
كاتب سوداني.
محمد مصطفى جامع